ألا لعنة الله على شارلي وأتباعه

في ظل الحالة المزرية التي يعيشها المسلمون في أوطانهم حيث معقل الإسلام،لا نستغرب تلك الحالة من الانبطاح أمام الإرادة الغربية الصهيونية المسيحية والانسحاق المخزي أمام بكائية حادث صحيفة"شارلي إيبدو"الباريسية الساخرة من الإسلام ونبي الإسلام، فمنذ اللحظة الأولى للحادث وقبل انتظار نتائج التحقيقات وقبل معرفة أسباب الهجوم، خرجت تصريحات المسؤولين والقادة في العالم العربي والإسلامي بالشجب والاستنكار المريب، الذي رسخ ويُرسخ لنظرية تطرف الإسلام، ويُلصق تهمة العنف مباشرة بكل ما هو إسلامي، مما يجعل مصطلح "الإرهاب" مرادفاً للإسلام كعقيدة وشريعة.

مع كل حادث عنف تتعرض له أوروبا والغرب يتم استدعاء حالة العداء السافر للإسلام والمسلمين ديناميكياً، مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) وبضغطة زر بسرعة البرق، لكن المخزي والمحزن أن تجد تلك الظاهرة صدى في العالم العربي والإسلامي وترويجاً على أعلى مستوي من حكومات وأنظمة "إسلامية" تُعمّق من الهوة بين الإسلام والغرب، ذلك أن أنظمة عربية وإسلامية سارعت على الفور بإدانة الحادث وكأنّ على رؤوسها "بطحة"، بل وتقدمت صفوف الإدانة والشجب في مسيرة باريس المخزية لترسيخ حقيقة خبيثة للعالم كله، بأن أكثر من مليار ونصف المليار مسلم إرهابيون بالضرورة، وأن الإسلام هو الإرهاب بعينه، وأن التطرف صنيعة إسلامية خالصة، وأن الغرب الصهيوني المسيحي الوديع المسالم ضحية العنف والتطرف والإرهاب الإسلامي، وبريء تماماً من كل دعاوى التطرف والإرهاب.

تناسى الحكام"المسلمون"عمداً أن العنف صنيعة غربية بالأساس، وأن التطرف بدعة صليبية، وأن الإرهاب ظاهرة صهيونية حصرية،.. لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا فظائع الحروب الصليبية في الشرق الاسلامي ؟!..لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا محاكم التفتيش في الأندلس والقتل على الهوية الإسلامية؟! ولماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا احتلال أوروبا الغربية لبلاد المسلمين عقوداً طويلة بالقهر والقتل، وما خرجت إلا بتسليم مفاتيح الشرق الإسلامي للمستعمر الأمريكي الجديد؟!..لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا فظائع التطهير العرقي التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني (الكيان المسمى إسرائيل الذي صنعه الغرب وزرعه في بلادنا) في أرض فلسطين، وتواترت جرائمه في مصر وسوريا ولبنان والأردن حتى الآن؟!..لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا جرائم أمريكا بحق مسلمي الصومال وأفغانستان والعراق؟!..لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا جرائم الروس بحق مسلمي الشيشان وأفغانستان ومسلمي روسيا ذاتها؟!..لماذا تناسيتم أيها المتحكمون فينا جرائم الغرب الصهيوني بالصمت والمباركة في  بورما وشمال مالي وإفريقيا الوسطى(فرنسا تحديداً)، وأيضاً جرائم الصين والهند بحق الأقلية المسلمة (وهم بعشرات الملايين)؟! هل وصل بنا الهوان أن نهرول إلى تظاهرة باريس الطائفية شجباً للإرهاب، وتقديم فروض الطاعة للمستعمر والارتماء في أحضان القاتل بعد بضعة أيام من حادث"شارلي"؟! في الوقت الذى لم نطلب فيه وقفة واحدة أو مسيرة تنتصر لدماء المسلمين السائلة في ربوع الدنيا كلها!..إنه الابتزاز بعينه والانسحاق أمام الجنس"السامي" للمسيحية الصهيونية التي تحكم العالم.

في الوقت الذي تصبغ فيه الدولة الصهيونية العبرية بالصبغة الدينية"اليهودية" لكل تحركاتها وتوسعاتها بأنها دولة يهودية لكل يهود العالم، وأن أرض فلسطين(أرض الميعاد) هي الوطن القومي لليهود حول العالم ولا تخجل من ذلك، بل تستمد شرعية وجودها بالأساس من ذلك الزعم والادعاء الديني (التلمودي) الزائف، يتنصل حكامنا المتحكمون فينا من إسلامهم، ويحاربون الحركات الإسلامية كلها تحت دعوى مكافحة الإرهاب، ولا يتورعون في إعلان تفاخرهم بأننا دُول علمانية تفصل بين الدين والدولة، وكأن الإسلام بات تهمة ينبغي التبرؤ منها وغسل أيدينا من دنسها، حيث لا نستطيع في الوقت ذاته أن نفصل بين هذه الإجراءات كلها، التي تشهدها المنطقة من حرب على الإسلام في صورة (الحركات والجماعات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين) وبين الزيارة المريبة التي قام بها رئيس المجلس اليهودي العالمي"رونالد لاودر" للقاهرة (11 يناير الجاري) ولقائه السيسي، وتباحثا سبل دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومكافحة الإرهاب (على حد قوله) على طريقة الشيطان يعظ! وفي سياقٍ متصل يعلن وزير دفاع مصر المحروسة استعداد الجيش المصري تنفيذ أي مهام لمساعدة فرنسا للقضاء على الإرهاب (ويقصد الإسلام طبعاً أو الاسلاميين على أقل تقدير)، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي بعد حادث"شارلي إيبدو".

تناسى العالم المتحرر من الأخلاق كلها (إلا من رحم الله) جرائم صحيفة "شارلي إيبدو" الصفراء المتطاولة على نبي الاسلام والبشرية محمد صلى الله عليه وسلم لسنوات، وحاسبوا الفاعل على ردة فعله الغاضبة نصرة للإسلام ولنبي الإسلام، حتى وإن كان ما فعله الغاضبون بحق الصحيفة خطأً فينبغي أن نضعه في سياقه العام، دون انتقائية وحصر الصورة في اعتداء من جانب واحد على مجموعة من العُزّل السلميين، ونترك خطيئة العالم الكبري حينما سكتت عن إساءات الصحيفة الصفراء، مع الأخذ في الاعتبار حق الرد والدفاع عن النفس والمقدسات، وكأن العالم المسمي (بالحر) انتظر إشارة البدء بعد الحادث مباشرة لشن المزيد من الهجوم على الإسلام واضطهاد المسلمين، في سلسلسة جديدة وحلقة متصلة من حلقات الحرب الصليبية المستعرة على الإسلام، مما يُلقي بظلال من الشك على مصداقية الحادث أصلاً، بعدما شاهدنا فيديو الحادث لاسيما رعونة الشرطة الفرنسية المريب، حيث أفسحت الطريق أمام سيارة الجناة لتكون تكأة وشماعة لتمرير تشريعات وقوانين من شأنها حصار المسلمين في فرنسا والغرب، واستغلال الحادث واستدعاء خلفياته على نحوٍ مماثل لهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 بنيويورك وواشنطن، وتفجيرات لندن السابع من يوليو 2005،و هانحن قد رأينا على الفور خروج حاملة الطائرات "شارل ديجول "الفرنسية في طريقها للخليج العربي، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق والشام للسبب نفسه، وهو محاربة الإرهاب (الإسلام).

لن أكون"شارلي" كما تبرع البعض من المتأسلمين في بلادنا من أدعياء الثقافة والنخبة المتصهينة، تحت دعاوى ساذجة خبيثة بنبذ العنف الذي نرفضه، لكننا في الوقت نفسه ضد الانبطاح والانسحاق بهذا الشكل أمام كل ما هو غربي وأجنبي، ولن أبكي أو أتعاطف مع من تطاول وأهان مقدساتنا وحرّض على قتل المسلمين في بلاد الدنيا كلها، فأنا مسلم وسأظل معتزاً بديني ونبيي وهويتي، ولن أقبل الدنية أبداً في عقيدتي نفاقاً أو تزلفاً لحاكمٍ أو جهةٍ ما أو دولةٍ عظمى.