كتاب عربي 21

لماذا رفض البرلمان الأوروبي متابعة الانتخابات البرلمانية بمصر؟

1300x600
كان البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي خلال الأيام الماضية تجاه الأوضاع بمصر صادماً بكل المقاييس للنظام الحاكم ومؤيديه بعد أن تم الإعلان فيه عن الامتناع عن متابعة الانتخابات البرلمانية المصرية القادمة. وأشار إلى القلق الشديد من القيود المفروضة على الحقوق الأساسية، لا سيما حرية التعبير وتشكيل الجمعيات والاجتماع والتعددية السياسية وسيادة القانون والدعوة إلى وقف جميع أعمال العنف التي ترتكب بحق المعارضين والمتظاهرين والصحفيين والطلبة والحقوقيين. 

تطرق بيان البرلمان الأوروبي إلى ملف المعتقلين السياسيين في مصر وطالب بالإفراج الفوري عنهم، وبرر البيان رفض مراقبة الانتخابات البرلمانية لأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمصر لم تستكمل المعايير الدولية للنزاهة – بناء على حد تعبيره – واعتبر أن المشاركة في متابعة انتخابات تحت هذه الأجواء يضرب مصداقية البرلمان الأوروبي بقوة!

استقبلت القاهرة البيان بغضب عارم وأصدرت الخارجية المصرية بيانا أعربت فيه عن استنكارها واستيائها من قرار البرلمان الأوروبي وقالت إنه احتوى على مجموعة من الادعاءات والمغالطات والاستنتاجات الخاطئة التي تعكس عدم إدراك أو دراية بطبيعة وحقيقة الأوضاع في مصر، واعتبرت أن القرار يعكس إصراراً على تبني منهج أحادي لا يخدم مصلحة تدعيم العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي. أما وسائل الإعلام المصرية الموالية للسلطة فقد شنت هجوما ضاريا على الاتحاد الأوروبي وقالت عناوينها إن أوروبا بهذا القرار اختارت دعم الإرهاب. 

أتى بيان البرلمان الأوروبي في توقيت بالغ الحساسية للسلطة في مصر وهي تقوم بالترويج للمؤتمر الاقتصادي المزمع عقده قريباً لبحث سبل دعم الاقتصاد المصري المتراجع وإنقاذه من كبوته المتصاعدة، وهذا بلا شك قد يؤثر على فرص المنح المقدمة من الأوروبيين لدعم الاقتصاد المتدهور. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك تغير جذري من الدول الأوروبية في التعامل مع النظام المصري الحالي أم أن هذا البيان بمثابة جرس إنذار وورقة ضغط أراد الأوروبيون بها تنبيه السلطة إلى الممارسات المستمرة التي رصدها البيان ووصفها بالبعد عن الديموقراطية وانتهاك حقوق الانسان؟

لا يمكن القول إن أوروبا ستغامر بعلاقتها الاستراتيجية مع النظام المصرى بشكل كلي، ولكن هناك ضغوط داخلية شديدة وانتقادات أعقبت مشاركة الاتحاد الأوروبي في متابعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث اعتبرت بعض الدول الأعضاء أن مشاركة الاتحاد الأوروبي في متابعة انتخابات تمت في هذه الأجواء لم يخدم الديموقراطية وإنما عمل على تقويضها. 

بيان البرلمان الأوروبي أشار لمعايير الانتخابات الدولية التي يمكن إجمالها من خلال مطالعة وثائق الأمم المتحدة وأدبيات حقوق الإنسان في التالي:

* الحق في التجمع والتظاهر السلمي. 

* الحق في تكوين الأحزاب والجمعيات السياسية والنقابات المهنية. 

* حرية التنقل دون أي قيود لحشد الدعم في الانتخابات. 

* حرية الحصول على المعلومات وسهولة نشرها لتحقيق الوعي الواجب للاختيار. 

* الحق في عدم التمييز وإفساح المجال لجميع المواطنين للتمتع بالحريات، دون أي تمييز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي. 

* وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة عن أي تأثير من أي جهة. 

* التحرر من القهر.. أي ممارسة الخيارات السياسية دون التعرض للإيذاء والترهيب والتهديد. 

استخدام البرلمان الأوروبي لتعبير "عدم استكمال المعايير الدولية للنزاهة" شديد الخطورة ويرسل برسالة للسلطة في مصر تضرب في شرعيتها الحالية، وكذلك القادمة التي تكتمل من وجهة نظرها بإتمام الانتخابات البرلمانية فقط. وأياً كان شكل الانتخابات القادمة وما ستفرزه من برلمان فإن المشكلة السياسية الحالية والانقسام الشعبي لن يتغير وضعه، بل قد يزداد بظهور برلمان مشوه لا يعبر سوى عن بعض أصحاب المصالح الموالين للسلطة، وستبقى الكتلة الأكبر من الفاعلين السياسيين وجمهورهم خارج المعادلة القائمة بسبب الإقصاء والإصرار على تثبيت دولة الصوت الواحد. 

وصلات التطبيل ومحاولات التجميل للتشوهات لن تغير من الواقع شيئاً ما لم يحدث إدراك حقيقي بأنه لا يمكن استكمال الطريق بهذه المنهجية والعقلية التي عقدت المشاكل القائمة، وفتحت مساحات للاستقطاب والمواجهة والاستعداء مع قطاعات واسعة ترى ردة كاملة عن الديموقراطية والتفافا عليها لتفريغها من مضمونها. من يصر على اللعب وحده ويعتقد أنه يمكنه البقاء منفردا ومستحوذا على كل شيء، فإنه لا يجد من يقف بجواره حين تهب لفحات الخريف. هل تحمل الأيام القادمة إصلاحات تصحح المسار أم يستمر العناد والاستكبار؟ الأيام كاشفة.. 
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع