بعد اغتيال مجموعة من قيادات
حزب الله في الجولان السوري، فإنّ السؤال الذي يشغل البال حالياً، هو ماذا بعد هذا الاستهداف في
القنيطرة؛ هل وكيف سيرد حزب الله؟
حتى الآن، كانت السياسة
الإسرائيلية هي مراقبة ما يحدث من صراع وحرب داخل سورية، وعدم التدخل مُباشرة. ولهذا معادلة بسيطة، هي أنّ ما يحدث هو استنزاف من قبل كل القوى في سورية لبعضها، ما يخدم المصلحة الإسرائيلية، طالما أنّه لا يوجد تهديد على الحدود الفلسطينية (للإسرائيليين).
هناك مسعى إسرائيلي، يؤيده كثيرون من مؤيدي حزب الله ومعارضيه على السواء، للقول إنّ وجود حزب الله ومعه إيران وربما خبراء روس، هو في إطار توسيع الجبهة من الناقورة على حدود جنوب لبنان إلى الجولان. وهذا ما تؤكده المقابلة التي أجراها أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، قبل أيّام مع تلفزيون الميادين، وتحدث فيها عن صواريخ إيرانية متطورة يمتلكها الحزب ويمكنها أن تطال أي نقطة في فلسطين، مؤكداً جهوزيّة الحزب لمواجهة الإسرائيليين.
كانت سياسة حزب الله واضحة منذ سنوات؛ ففي آب (أغسطس) 2010، استخدم الحزب في مهرجان الاحتفال بالذكرى الرابعة لنصره ضد العدوان الإسرائيلي، شعارا هو "إذا ضربتم ضربنا". هذه الجملة الشرطية كانت تعني أنّه "إذا لم تضربوا لن نضرب". أي إنّ الوضع الراهن بين الجانبين كان يمكن أن يستمر طالما حافظ الجانب الإسرائيلي عليه، وتصريحات نصرالله الأخيرة "للميادين" لم تتضمن تهديداً بمبادرة من الحزب للهجوم، بل تحدث عن "جهوزية" تخدم الحديث عن الردع، وبالتالي منع الحرب. ومع أن رسالته كانت متحدية في الوقت ذاته، وترفع معنويات الحزب وأنصاره وتستفز الإسرائيليين، فإنّه كان واضحاً أيضاً بأنّه بينما لا يوجد نوع من أنواع الخروقات الإسرائيلية يتم التعهد بعدم الرد عليه، أو غض النظر عنه، فإنّ الحزب رفض التعهد بالرد على أي اختراق وقال "نرد أو لا نرد هذا ندرسه على ضوء معايير عندنا"، و"يخضع لاعتبارات أخرى"، وكان واضحاً أنّه لا يتعهد بالرد دائماً، لأنّ هذا قد يؤدي إلى إيقاع الحزب في فخ الاستدراج.
مما يستحق التوقف أنّ بيان حزب الله عن شهدائه، استخدم كلمة زيارة "تفقدية". والأمر ذاته حدث عندما أكدت إيران مقتل جنرال من الحرس الثوري في بيانٍ جاء فيه أن "عددا من مقاتلي وقوات المقاومة الإسلامية مع الجنرال محمد عليّ الله دادي تعرضوا لهجوم بمروحيات النظام الصهيوني، أثناء تفقدهم منطقة القنيطرة". وجاء أنّ دادي "غادر إلى سورية بصفة مستشار لمساعدة الحكومة والدولة السورية في معركتها ضد الإرهابيين التكفيريين والسلفيين". وقال البيان أيضا إنه "قدم استشارات مهمة للتصدي للفظاعات والمؤامرات الإرهابية الصهيونية (الهادفة لتغيير) الجغرافيا في سورية". وبالتالي، لا يوجد حديث عن مشروع مواجهة مع الإسرائيليين هناك.
تشكل الغارة إذن تحديّاً لمصداقية الحزب الذي حذّر من أنّ العدوان الإسرائيلي لا يمر بسهولة، ولكن في الوقت ذاته لا يوجد ما يشير إلى أنّ حزب الله أو إيران يتمركزان بقوات كبيرة في الجولان، كافية لفتح مواجهة، ومن غير المتوقع أن تكون دمشق غيّرت استراتيجيتها بالعمل على حفظ جبهتها مع الإسرائيليين هادئة قدر الإمكان، خاصة بوجود شعور لدى النظام السوري أنّه يحقق تقدما ضد المعارضة والقوى السلفية. ولذلك، فإنّ الزيارات الإيرانية وزيارات حزب الله، تأتي على الأغلب في إطار توجيه رسائل بعيدة المدى، واستعدادات بعيدة المدى لسيناريو انهيار النظام أو دخول إسرائيلي.
على الأغلب، بناء على هذه المواقف فإنّ سيناريو رد مفتوح من حزب الله غير مطروح، ولكن الرد بعملية محددة، تماماً كالعملية الإسرائيلية، وسيكون مستعدا لرد إسرائيلي واسع، ما يجعل سيناريو المواجهة مفتوحا. فقد يعمل حزب الله لرد مدروس يتحاشى مواجهة واسعة، خاصة لتبعات هذا على جهد حزب الله في سورية، ولكن الرد الإسرائيلي قد يقود لمثل هذه المواجهة.
من هنا، فإنّ سيناريو رد حزب الله مرجح، لكن المرجح أيضاً أن يكون ردا مدروسا يحاول تحاشي
مواجهة مفتوحة، بالقيام بعملية محددة، ولكن إذا كان القرار الإسرائيلي بمواجهة واسعة، وكان التقدير أو القرار بالسعي لحرب (خصوصا قبل الانتخابات) فإنّ الحرب ممكنة.
(نقلا عن صحيفة الغد الأردنية)