تنفّس "العالم" الصديق للمملكة العربية
السعودية الصعداء بعدما شاهد الانتقال السلس للسلطة فيها في أعقاب وفاة مليكها عبدالله بن عبد العزيز. ذلك أنه كان يخشى احتكاكات جرّاء خلافات عائلية قديمة، وجراء ضرورة بدء تسليم مراكز ومواقع للجيل الثاني أي لأحفاده لأن طي مرحلة الأبناء صار مسألة سنوات. لكن ذلك لم يمنع العالم إياه من ملاحظة أن الانتقال المذكور حسم في سرعة خلافاً داخلياً حرصاً من النافذين في العائلة على تجنُّب صدعٍ في مرحلة دقيقة تقتضي وحدتها لمواجهة التحدّيات.
ما هي هذه التحدّيات؟
يقول باحثون جدّيون في مركز بحثي أميركي عريق أن المتاح هو التحدُّث عن تحدّيات المدى القريب، لأن تحدّيات المدى المتوسط والبعيد لا يمكن الخوض فيها قبل معرفة مصير التحدّيات الأولى وآثارها على المملكة أو المنطقة أو الصراعات الحادة الكثيرة فيها. إنطلاقاً من ذلك يعتقد هؤلاء أن السنوات العشر المقبلة ستكون صعبة للسعوديين بسبب بروز عدد من التحدّيات الخارجية، وبسبب عدم معرفة تأثيرها على السياسة الاقتصادية في الداخل. التحدّي الأكبر سيكون توصُّل العدو أو الخصم التاريخي للسعودية إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على برنامجها النووي. ذلك أن إعادة الاعتبار دولياً لطهران سيعزِّز صعود حلفائها من الشيعة العرب في وقت تجد الرياض نفسها وحيدة في محاولة معالجة مشكلة التفتُّت المتفاقمة عند السنّة الذين يشكّلون غالبية العالم العربي. فالربيع العربي، يقول هؤلاء الباحثون، أطلق مشكلات عدَّة تحاول المملكة معالجتها. المشكلة الأهم هي "الاخوان المسلمون" الذين يشكِّل نموذج الحكم الذي يتبنون تحدّياً مباشراً للنظام الملكي فيها المستند إلى دعم المؤسسة الدينية السلفية المُتراجعة. ولهذا السبب صار ترتيب الوضع المالي ولاحقاً الاقتصادي لمصر (السيسي) أولوية ومسؤولية سعوديتين. إلى ذلك أمِلَ السعوديون في أن تكون الحرب الأهلية في سوريا ضربة خطيرة للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الحرب والدعم السعودي للثوار والمتمرِّدين أعطيا نتيجة معاكسة لما أرادته الرياض على الأقل حتى الآن. فالدولة الإسلامية (داعش) نشأ، وأميركا تتردّد في دعم الرغبة السعودية في تغيير النظام السوري. وكان السعوديون يأملون في أن تقوّض نشأته كقوة جهادية جيوبوليتيكية على المسرح السوري – العراقي النفوذ الإيراني في العراق بل في المشرق العربي كله. ولم يحصل ذلك. ما حصل في المقابل كان تحوُّل "الدولة الإسلامية" تهديداً رئيسياً للمملكة التي فرضت الظروف والتطورات عليها التعامل في الماضي كما في الحاضر مع نفوذ تنظيم "القاعدة" في الداخل كما في المنطقة.
والسعودية، كما يؤكد الباحثون الأميركيون أنفسهم، لا تستطيع محاربة إيران والشيعة إلا إذا هزمت "الجهادية" الإسلامية السنّية وثبَّتت "ملكيتها" للسلفية التي يتجاذبها اتجاهان متساويان في خطرهما عليها. فضلاً عن أن السلفيين قد بدأوا الانتقال إلى الاقتناع بالعملية الانتخابية. والمثل على ذلك "حزب النور" المصري.
ما هي التحدّيات الأخرى أمام السعودية؟
إحداها اضطرارها إلى مساندة الأردن الفقير أساساً لمواجهة آثار الصراع في سوريا. وعلى شاطئها الشمالي هناك البحرين التي كانت "ملكيتها" السنّية سقطت أمام غالبيتها الشيعية لولا الدعم العسكري السعودي السريع لها. وفي جنوبها هناك اليمن، الدولة الفاشلة، الداخلة حرباً أهلية بعدما صار الحوثيون "الشيعة" قوة كبيرة بدعم إيراني. وفي مناطق أبعد هناك المغرب وليبيا ولبنان وأفغانستان وباكستان حيث للمملكة وجود ونفوذ. هذه الدول صارت عبئاً على الخزينة السعودية. وانهيار أسعار النفط خفّف الاعتماد على نفط المملكة وأجبرها في الوقت نفسه على زيادة الإنفاق في الداخل لمنع عدوى الربيع العربي من الوصول إليها وخصوصاً بعدما بدأ بعض نُخبها الحديث عن ضرورة الإصلاح. هذا فضلاً عن وجود مشكلة شيعية في شرق المملكة التي عولجت حتى الآن بمضاعفة الحوافز من جهة وبالعقاب من جهة أخرى مع أرجحية للأخير. وفضلاً أيضاً عن وجود ليبيراليين سعوديين كثيرين، علماً أن ليبيراليتهم تختلف عن ليبيرالية الغرب.
في اختصار يقول الباحثون إياهم إن المشكلات الداخلية والدولية للسعودية ستزداد في العقدين المقبلين. وإنها ستضطر إلى تغيير طريقة التعامل والسياسات التي اعتمدت منذ تأسيسها. فهل يكون أحفاد المؤسس مؤهلين لذلك!
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)