شكلت
ثورة 25 يناير عام 2011 مفصلاً هاماً في تاريخ
مصر، حيث تمكن الثوار من إجبار الرئيس المخلوع حسني مبارك على التنحي، بعد 30 عاماً من حكمهم بالقهر والاستبداد والمحسوبية والفساد، كما يقولون.
ولم يلبث المصريون أن يفرحوا بثورتهم، لتنغص الثورة المضادة عليهم المشهد، وتفرّق بين الثائر وأخيه، وتحل الفوضى في ربوع "أم الدنيا"، ويختلط صوت رصاص العسكر بأصوات الثوار السلميين الذين عادوا يهتفون من جديد "الشعب يريد إسقاط النظام" بعد اكتشافهم أن نظام مبارك لم يسقط بالكلية، كما يؤكدون.
وبعد مضي أربع سنوات على الثورة؛ بات يوم 25 يناير رمزاً لمزيد من الاحتجاجات ضد النظام وآلته العسكرية والإعلامية، بدلاً من أن يكون يوم احتفال بنجاح الثورة في تحقيق "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
اصطفاف الثوار
يقول أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، محمد سودان، إن أيام 25 يناير على مدار السنوات الماضية "اتخذت عناوين مختلفة في كل عام".
وأضاف لـ"عربي21": "في عام 2011 كانت بداية المشهد الثوري، وفي
ذكرى الثورة بعام 2012 حاول الثوار أن يحتفلوا بثورتهم، لكن الدولة العميقة كانت آنذاك تبث سمومها وتتغلغل"، معتبراً أن 2013 "كان عام امتداد الدولة العميقة بدعم من الشرطة والمخابرات والجيش والبلطجية وما يسمى بجبهة الإنقاذ".
وقال: "أما عام 2014 فكان بداية صحوة الثوار المؤيدين للانقلاب، الذين واجهوا في ذكرى الثورة بطشاً شديداً من العسكر والشرطة، ووقع انقسام بين المغرر بهم في أحداث 30 يونيو 2013".
ووصف سودان ذكرى الثورة التي حلت الأحد الماضي، بأنها "يوم اصطفاف الثوار بعدد كبير"، قائلاً إن "ما حدث في هذا اليوم يُعد موجة عالية من موجات الثورة القادمة".
وأضاف أن "النظام الحالي فشل في حل مشاكل الناس، بل زاد من معاناتهم، سواء على الصعيدين الاقتصادي أو السياسي، إضافة إلى قمع الحريات بالقتل والاعتقال والكبت"، مشيراً إلى أن ذلك "وسّع دائرة الثوار في الشارع؛ لتضم أطيافاً جديدة تنادي بإسقاط النظام".
أكثر دموية
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة
القاهرة، الدكتور حسن نافعة، إن يوم 25 هذا العام يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة بأنه "أكثر دموية"، مشيراً إلى ازدياد عدد القتلى مقارنة بذكرى الثورة في الأعوام السابقة.
وأضاف لـ"عربي 21" أن الاضطرابات كانت واسعة النطاق، صاحبَها عمليات تخريب وعنف خلّفت خسائر مادية كبيرة، مستدلاً بذلك على أن "الأزمة المصرية مستمرة، وقدرة الحكومة على تحقيق الأمن والاستقرار محدودة وتتضاءل".
وبيّن نافعة أن "خارطة الطريق التي وضعها الجيش وقوى 30 يونيو تبدو متعثرة، مع اتساع الفجوة بين المصريين"، مؤكداً أنه "لا يوجد ما يدعو للتفاؤل بعد أربع سنوات من الثورة".
أما عضو الهيئة العليا لحزب الوطن، الناطق باسم الحزب، أحمد بديع؛ فقال إن ذكرى الثورة في هذا العام أكدت أن "المد الثوري يزداد، وأن الثورة مستمرة ومصرة على عودة الحرية والديمقراطية".
وأضاف لـ"عربي21" أن "انضمام قطاعات جديدة إلى الزخم الثوري في الشارع؛ يأتي من منطلق فشل النظام في توفير قدر من الرخاء والمشاركة والديمقراطية"، عاداً ذلك تحولاً إيجابياً "يحسب لهذا الحراك الذي يعتمد في قوامه على القطاعات الشبابية والنسائية".
وأعرب بديع عن خشيته من دخول البلاد في دوامة العنف، وقال: "شجرة الحرية يرويها الدم الذي يُسكب في الشوارع، ولست أخشى أكثر من حدوث احتراب داخلي لإضعاف مقومات الحياة بمصر".
أشد قمعًا
بدورها؛ قالت حركة 6 إبريل/الجبهة الديمقراطية، إن أحداث الأحد الماضي "ليست احتفالاً بذكرى الثورة؛ لأنها أصلاً لم تكتمل، ولم تحقق أهدافها".
وقال المتحدث باسم الحركة حمدي قشطة لـ"عربي21"، إن "
المسيرات التي خرجت هي استمرار للثورة"، مشيراً إلى "تجاوب الشارع مع المتظاهرين بشكل كبير، من خلال المشاركة الفعالة في المسيرات التي جابت الشوارع في أحياء القاهرة والمحافظات، للابتعاد عن الصدام مع قوات الأمن".
بيد أنه أكد على حق الثوار في التظاهر بوسط البلد، و"أكناف ميدان التحرير"، مضيفاً أن "رمزية هذه الأماكن تحتم علينا عدم تركها لقوات الأمن لفرض سيطرتهم عليها".
وبيّن قشطة أن "الدولة حاولت محو ذكرى 25 يناير وتشويهها بتسليط الصحافة والإعلام عليها، والتحريض على قتل المتظاهرين"، مندداً في الوقت ذاته بـ"التعامل الأمني العنيف في ذكرى الثورة، الذي كان أشد عنفاً من أيام مبارك، حيث تم استخدام كل الأسلحة ضد المتظاهرين"، على حد قوله.
من جانبه؛ قال عضو "التكتل الثوري" محمد عطية، إن "المشهد هذا العام اختلف عن الأعوام السابقة بكثير، حيث إنه تم اعتماد القوة المفرطة كأسلوب لفض المتظاهرين تحت شعار: الحرب على الإرهاب".
وأضاف لـ"عربي21"، أن الفجوة تتسع في كل يوم بين التيارين الثوري والسياسي، مؤكداً أن "هناك من يعمل ضد مصلحة المشير عبد الفتاح
السيسي، في ظل مشهد ضبابي من الناحيتين السياسية والأمنية".
وطالب عطية بإقالة وزير الداخلية محمد إبراهيم "الذي يسير على نهج حبيب العادلي في عهد مبارك؛ إن لم يكن أشد"، داعياً إلى "إعادة هيكلة وزارة الداخلية، وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها".
حركات مقاومة
وبحسب مراقبين؛ فإن ما شهدته ذكرى 25 يناير من تصعيد أمني "مفرط" لقوات الأمن والجيش؛ قابله ظهور حركات
مقاومة كـ"
العقاب الثوري" و"المقاومة الشعبية".
المتحدث باسم التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والمحامي بمرصد "طلاب حرية"، محمد أبو هريرة، عزا ظهور هذه الحركات إلى "التعامل الأمني المفرط، والتنكيل، والاعتقالات".
وقال لـ"عربي21"، إن تحول قوات الأمن إلى "مليشيات تقتل وتعذب وتغتصب، بالإضافة إلى غياب العدالة وإصدار أحكام بالإعدام والمؤبد والمشدد بالجملة؛ أدى إلى ظهور حركات تستهدف قوات الأمن"، مؤكداً أن "العنف لا يولد إلا العنف".
وأضاف أبو هريرة أن "استمرار حالات فصل الطلاب، واعتقالهم؛ يدمر مستقبلهم، ويجعلهم أمام خيار واحد، وهو أخذ حقوقهم بأيديهم"، منتقداً "تواطؤ الشرطة والقضاء من أجل ترويع الناس بحجة محاربة الإرهاب".