عثر الأهالي مؤخراً على جثة "أبو المثنى" بالقرب من معسكر وادي الضيف المحرر، بعد أن قضى الرجل خلال معارك تحرير وادي الضيف دون أن يعرف مصيره بالنسبة لذويه حينها، إذ إنه اختفى خلال المعركة ولم يظهر له أثر بعدها، ليشاهد أهالي المنطقة الجثة بعد أسابيع من التحرير في فلاة مجاورة للمعسكر.
أبو المثنى أحد مقاتلي "حركة أحرار الشام الإسلامية"، من بلدة "معرشمشة" التابعة لمدينة
معرة النعمان في ريف إدلب.
ولأبي المثنى قصة لها تتمة، تلك القصة التي قد تعتبر إحدى الحكايات العالمية فيما لو حدثت في مكان آخر غير الأرض السورية المنكوبة، ولو كان بطلها رجل غير سوري، إلا أنها في الحالة السورية ليست سوى واحدة من مئات القصص المشابهة التي أصبحت حكايات اعتيادية تروى كل يوم بين الأهالي على أنين الحزن الممتد من درعا جنوباً إلى حلب شمالاً.
قصة أخرى بطلها "عبد المهيمن محمد الجبان" الذي فقد الحياة على أيادي قوات النظام في مدينة معرة النعمان في شهر آذار/ مارس عام 2012، حيث تم قتله بدم بارد دون إجراء أي تحقيق أو توجيه أي اتهام، هذا الرجل الذي ترك وراءه العديد من
الأطفال الصغار الذين يعانون من مشاكل عدة، أهمها الفقر الذي لا دواء ولا علاج له سوى رحمة من الله ومنفذ وطريق أمل من عنده.
أما الشيخ عبد المعطي فهو ضحية قضى وهو يدافع عن أهله وماله وعرضه في بلدته البائسة التي ترتبط بقصص القتلى الذين نتحدث عنهم، "معرشمشة"، حيث داهمت البلدة مجموعة مسلحة من قطاع الطرق واللصوص ممن لم تعرف تبعيتهم ولم يُعرف من أرسلهم للقيام بمهمة سرقة ما يملكه أهالي القرية البؤساء. قتلوا الرجل بدم بارد من أجل سرقة بعض الأشياء التي يملكها، والتي ليست ذات قيمة أصلاً، وكان الرجل من أعضاء المحكمة الشرعية في المنطقة، وقد عزا بعض الأهالي استهدافه إلى العمل الذي يمارسه في مقاضاة المجرمين ومحاكماتهم.
انتفض أهالي ريف معرة النعمان ضد نظام بشار الأسد منذ اندلاع الثورة الشعبية في
سوريا، وتدرج نشاطهم الثوري من السلمية التي راح ضحيتها "عبد المهيمن" إلى الحراك العسكري الذي سقط خلاله "أبو المثنى"، إلى تنظيم الحياة المدنية وضبط الأمن وإنشاء القضاء الذي يغطي الفراغ في الدوائر القضائية التي كانت تتبع النظام وتسيّر أمور النزاعات وتحلّها، والذي راح ضحيته "الشيخ عبد المعطي".
ويجسد الرجال الثلاثة ثلاث مراحل مرت بها
الثورة السورية بشكل عام في مختلف المناطق والمدن والبلدات على امتداد البلاد.
هذه القصص الثلاث تتكرر كل يوم، منذ بداية الحراك الشعبي ضد نظام الحكم في سوريا، إلا أن اللافت فيها أن ثلاثة من الرجال قضوا في أوقات متتالية وفق تراتبية سير الثورة، وأن كل واحد منهم قام بدور يختلف عن الآخر في الزمان والنوعية والمكان، لكن الأكثر تأثيرا أننا نتحدث هنا عن ثلاثة إخوة تركوا وراءهم أربعة عشر طفلاً يتيماً.
عانى هؤلاء الأطفال الأربعة عشر كل أصناف الفقر والنزوح والإرهاق، كما تعرضوا لكل ما تحمله الحياة من قسوة، ليعودوا بعد تحرير وادي الضيف إلى بلدتهم البائسة كظرفهم المرير، ليعيشوا في "معرشمشة" على الرغم من تعرضها للقصف من قبل طائرات النظام بشكل شبه يومي. أما الجندي المجهول الذي اتخذ على عاتقه مسؤولية تربية أربعة عشر طفلاً هو الأخ الرابع للقتلى الثلاثة "عبد الكافي" والذي يأمل الاطفال أن يبقى على قيد الحياة، ويدعون له بأن لا يلحق بهم.
هذه القصة معروفة لدى أهالي المنطقة وأسماء القتلى التي أوردناها هي أسماؤهم المتداولة بين الأهالي والتي يُعرفون بها.