لم يجد عبد الفتاح السيسي، حرجا في أن يدعو ضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحفل فني في دار الأوبرا، بعد ساعات من مجزرة ستاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها العشرات من مشجعي نادي الزمالك.
وأثار هذا الموقف غضب الكثيرين في مصر، إذ إنهم رأوا فيه استمرارا لمسلسل الاستخفاف بأرواح أبنائهم والدماء التي لا تكاد يمر يوم دون أن تراق.
وارتدى السيسي ربطة عنق حمراء زاهية، فيما ارتدى بوتين والوفد المرافق له روابط عنق غامقة، خلال حفل على شرف بوتين حضره عشرات المسؤولين.
وكان السيسي على رأس مستقبلي بوتين في مطار القاهرة، وتواجد أمام المطار عشرات الأشخاص الذين استقبلوا الرئيس الروسي بالرقص والزغاريد.
ربطة عنق حمراء!
خلال الحفل - الذي حضره وزراء ورؤساء أحزاب ومئات الشخصيات العامة - ارتدى السيسي ربطة عنق حمراء زاهية، فيما ارتدى بوتين والوفد المرافق له ربطات عنق غامقة اللون، احتراما لمشاعر المصريين وعزاءً في وفاة الضحايا، كما أن السيسي ظهر وعلى وجهه ابتسامة عريضة فيما بدا بوتين متجهما، بحسب مغردين.
وقال أحد النشطاء على "فيسبوك": "بوتين لابس كرافتة سودة والسيسي لابس كرافتة حمرا ورايح يتفرج على رقص باليه فى الأوبرا، وأهالي الشهداء أمام المشرحة مش عارفين يستلموا جثث أبنائهم إنتوا مش عارفين انكو نور عنينا ولا إيه؟".
وقال شخص أطلق على نفسه اسم "سيسي فكاكة": "بوتين ومرافقيه لبسوا كرافتات سوداء، كانوا فاكرين أن فيه ناس ماتوا وحداد وكلام من ده، لكن الباشا استقبلهم بكرافته حمراء لزوم الفرح، حتى ما كلفش نفسه يلبس كرافتة سوداء ولبس كرافتة حمراء بلون الدم".
وكتب هاني هانيبال يقول: "ما أشبه الليلة بالبارحة، مبارك وسط حاشيته احتفل بنهائي كأس إفريقيا باستاد القاهرة عام 2006 والشعب يموت غرقاً في حادث العبارة، واليوم السيسي وسط حاشيته يحتفل مع بوتين في دار الأوبرا بينما لم يأخذ أهالي مجزرة الدفاع الجوي عزاء أولادهم".
ويبدو أن رئاسة الجمهورية قد حاولت التخفيف من حدة الانتقادات لهذا الحفل، فأصدرت بيانا يوضح أن الرئيسين شاهدا في الأوبرا حفلا ثقافيا عن العلاقات بين مصر وروسيا، وليس حفلا فنيا.
وأعلنت الرئاسة أنه تم إلغاء بعض فقرات الحفل تضامنا مع ضحايا "وايت نايتس" الذين قتلوا أمام ستاد الدفاع الجوي، لكن الحفل تضمن - رغم ذلك - عزفا موسيقيا لأوركسترا القاهرة السيمفوني ورقصات شرقية وفلكلورية، وعزفا لمقطوعات موسيقية من التراث المصري.
عشاء ببرج القاهرة
بعد الحفل، غادر السيسي وبوتين دار الأوبرا المصرية وتوجها إلى برج القاهرة المجاور، حيث أقام السيسي لبوتين حفل عشاء خاص بالبرج، حتى يتمكن الضيف من مشاهدة معالم القاهرة.
وعقب العشاء تبادل السيسي وبوتين الهدايا التذكارية، فمنح السيسي بوتين درعا يحمل صورة "بوتين"، في حين منح الرئيس الروسي السيسي بندقية آلية روسية من طراز كلاشنكوف.
إجراءات أمنية مشددة
ورصدت "عربي21" تشديدات أمنية مكثفة في مدينة القاهرة قبل ساعات من وصول بوتين إلى مصر، حيث حلقت مروحيات عسكرية في سماء القاهرة وانتشر رجال الأمن بالملابس المدنية في الطرق المؤدية إلى مطار القاهرة ودار الأوبرا وقصر القبة.
وعلقت صور كبيرة للرئيس بوتين عليها كلمة "مرحبا"، باللغات العربية والروسية والإنجليزية، وأعلام روسيا، في الطريق من المطار إلى مقر إقامته.
وأشارت مواقع التواصل الاجتماعي إلى وجود رجل شرطة بجانب كل صورة لبوتين لحمايتها، ما دفع الكثيرين إلى الشعور بالمفارقة، المتمثلة في حرص النظام على حراسة الصور بينما يقتل بدم بارد عشرات الشباب أمام ملعب لكرة القدم.
وتم غلق محطتي مترو الأنفاق في منطقة الأوبرا ومدينة نصر بالتزامن مع زيارة بوتين، وادعت الحكومة أن الغلق بسبب أعمال الصيانة، وهو ما قوبل بسخرية من الركاب الذين أكدوا معرفتهم أن الغلق بسبب الزيارة وليس الصيانة.
وتشهد العلاقات المصرية الروسية تقارابا ملحوظا منذ الإنقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، حيث إن النظام المصري يحرص على تقديم نفسه على أنه معاد لأمريكا والغرب، وأنه يتقارب مع موسكو لكسر الهيمنة الأمريكية على السياسية الخارجية المصرية.