المرأة وقضاياها في
السعودية كانت، وما زالت، الشغل الشاغل للمجتمع المحلي والدولي. لا يهمنا في هذا المقام انشغال المجتمع الدولي بقضايا المرأة السعودية، «فأهل مكة أدرى بشعابها»، يهمنا نحن أبناء وبنات المجتمع السعودي أن ننشغل بقضايا المرأة في السعودية؛ لأنها الأم والأخت والزوجة والابنة.
قيادة المرأة للسيارة قضية أخذت من النقاش والجدل والعناد الشيء الكثير، ونقول إن المرأة في السعودية ستقود السيارة والطائرة والمركبة الفضائية أيضاً إن عاجلاً أو آجلاً، لسببين بسيطين:
الأول، أن كثيراً من القضايا المستجدة على المجتمع تم إنكارها واستعداؤها أيضاً، لكن ما لبث المجتمع أن تعودها واستوعبها.
السبب الثاني، أن قدرات المرأة السعودية العقلية والذهنية والجسدية لا تقل عن أي امرأة في العالم، كما تتفوق بكثير من القيم المتراكمة التي تجعل منها، أي المرأة السعودية، أكمل وأنضج.
كل ما هنالك أن لدى بعض فئات المجتمع، ولنقل المحافظة أو المتحفظة، شيئاً من الوجل تجاه هذه القضية، ولذا نطرح مقترحاً بأن يسمح للمرأة السعودية أن تقود السيارة في مدينة
جدة، ليس لأنها غير، بل لأن جدة مدينة كانت وما زالت وستظل المدينة الأكثر انفتاحاً في السعودية، بحكم موقعها الجغرافي، وطبيعتها كونها مدينة مجاورة لمكة المكرمة التي يحج ويعتمر إليها كل مسلم على وجه الأرض.
كثير من قضايا المرأة، وفي مقدمتها قيادة السيارة، استعصت على أذهان الكثير ممن عاشوا في مناطق وبيئة شبه منغلقة بطبيعتها الجغرافية، حتى أصبح استيعاب الجديد مشكلاً في حد ذاته.
تراوحت قضية قيادة المرأة من قضية دينية إلى سياسية إلى ثقافية حتى استقرت أخيراً قضيةً اجتماعيةً. لم تعد قيادة المرأة للسيارة في الخارج نكرة على كثير ممن يرفضونها في داخل السعودية، بل إن كثيراً من السلبيات التي يماحكون بها غير منظورة لهم خارج السعودية، لكن عندما يصل الأمر إلى قيادتها في الداخل فالأمر مختلف تماماً، ويمكن لنا أن نحسب ذلك أمراً طبيعياً «فالناس أعداء ما جهلوا». ولذا، فإنه من الأسهل والأصوب أن يسمح للمرأة بقيادة السيارة في مدينة جدة بداية لتعميم الفكرة.
معظم الجديد في المجتمع السعودي تطور ونضج في مدينة جدة، فنلحظ أنه إذا ما تم قبول أمر ما في جدة، فذلك يعني أنه اجتاز الحد الأدنى من مقومات النجاح. مجتمع جدة يضم أطياف وفئات المجتمع السعودي كافة، فنجد أن سكان جدة فسيفساء اجتماعية جميلة يأتي أفرادها من مناطق المملكة كافة في الشمال والجنوب والوسط والشرق، كلهم يمتزجون في جدة، وكلهم يشكلون ثقافة جداوية مميزة، ولذا فإن جدة ميزة خاصة ونادرة للمجتمع السعودي، ويمكن الاستفادة من هذه الميزة في كثير من القضايا الاجتماعية، وعلى رأس تلك القضايا قيادة المرأة للسيارة.
التنوع المعرفي والانفتاح الذي يسكن أذهان أهل جدة أو ساكنيها، وحتى ولو كانوا في زيارة أو سياحة قصيرة، يسمح بأن تكون مدينة جدة هي حقل التجربة والمعرفة، خصوصًا في القضايا الاجتماعية الشائكة التي يتوجس منها أو من عواقبها، ومن ذلك قيادة المرأة للسيارة. حيث إن معظم ما يلف موضوع القيادة أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة، وهنا تكمن أهمية التجربة والتدرج في القضايا الاجتماعية.
العمود الفقري والمحوري في جدل المحافظين، أو المتحفظين، ضد قيادة المرأة للسيارة في السعودية هو الادعاء بالخوف على المرأة من طيش بعض الشباب ومضايقة المرأة والتحرش بها في الطرقات والأماكن العامة، وهذا الخوف أو التخوف أمر محمود ومطلوب وحجة مشروعة. لكن إذا كان عقلاء المجتمع يدركون أن المرأة خرجت إلى التعليم والعمل، وسيأتي اليوم الذي ستضطر المرأة فيه إلى الخروج أكثر وأكثر لقضاء حاجياتها ومتطلباتها، إذاً أليس من المنطق أن تبدأ قيادة المرأة بضوابط زمانية ومكانية، يمكن من خلالها تقويم المعوج في التجربة قبل تعميمها على كل مناطق المملكة، على اتساعها واختلاف ثقافاتها وتباين الحاجات من مدينة ومنطقة إلى أخرى؟
الحجة القائلة بوضع المعايير والتعليمات والضوابط والقوانين قبل انطلاق التجربة هي حجة فاشلة وغير منطقية، تلك الحجة كمن يضع العربة قبل الحصان. فقوانين المرور جاءت بعد اختراع السيارة وانطلاقها في الأزقة والسكك والطرق التي كانت مساراً للدواب والعربات.
ومثل ذلك ينطبق على معظم المخترعات الحديثة، تبدأ التجربة أولاً، ثم يتم وضع المعايير والأنظمة والقوانين بعد ذلك، ويستمر تطوير تلك المعايير والأنظمة والقوانين بشكل دائم.
جدة مدينة مميزة، وأهلها وسكانها مميزون أيضاً؛ ولذا فإن انطلاق تجربة قيادة المرأة في جدة سيوفر الكثير من العناء على الحكومة والمجتمع. سلوك المرأة والرجل في جدة يتم بشكل مغاير عن أي مدينة أخرى في السعودية أو غيرها، والبعض يرى في ذلك هبة ربانية منحها الله سبحانه لأهل جدة، إكراماً منه عز وجل لحجاج بيته العتيق، ولكل من يفد قاصداً البيت الحرام. فمثلما نجد خصائص وسمات ومميزات لبعض المدن، نجد أن الانفتاح والأريحية والتعايش سمات تتسم بها جدة وسكانها، بصرف النظر عن مواطنهم الأصلية.
التلاقح الثقافي يتخذ في جدة أشكالاً مختلفة تنعكس في المجمل على ممارسات أهلها وزوارها وكل سائح يمر بها. جدة ذات ثقافة «كولية» -الثقافة «الكولية» هو تعريب من كاتب هذه السطور لمصطلح «Glocal»، أي كوني/ محلي- تبرز تلك الثقافة في أنواع الطعام واختلاف النكهات والأهازيج والموسيقى والرقصات وسائر الممارسات الحياتية التي تجمع بين الحاضرة والبادية في صبغتها المحلية، وتجمع عناصر من الصيغ العالمية والكونية في الوقت ذاته وبالقدر ذاته.
أخيراً، نتمنى أن يلاقي هذا المقترح قبولاً لدى المعنيين في المجتمع والدولة والحكومة، وتتم دراسته بجدية، «فالذي لا يدرك كله لا يترك جله»، كما يقول المثل. الخوف والوجل لدى بعض فئات المجتمع واجب ومطلوب، لكن النظر إلى الواقع الحياتي الذي نعيشه يومياً ونتوقعه في قادم الأيام يفرض علينا ألا نكون كالنعام، ندس رؤوسنا في الرمال حتى يتضخم الأمر وتتراكم الحاجة ونصبح في زاوية «أين المفر؟».
ختاماً، التدرج في القضايا الاجتماعية أمر مهم وحيوي، ومن أهم آيات التدرج هو السماح للمرأة بالقيادة في جدة غير.
يشدو محمد عبده
مذهلة..! ما هي بس قصة حسن
رغم أن الحسن فيها بحد ذاته مشكلة
مذهلة.. تملأك بالأسئلة
هي ممكنة ولا محال؟
هي أمر واقع أو خيال؟
هو سهلها صعب المنال.. أو صعبها تستسهله؟
ينشد غازي القصيبي
ورجعت للدنيا أجر كآبتي
خلفي.. أقوم مع الجموع وأقعد
أخفيت عن كل العيون مواجعي
فأنا الشقي على السعادة أحسد
وأنا العليل أحس أدواء الورى
وأنا المرقط بالجراح أضمد
وأنا المقيد والعناة تحف بي
وأنا البخيل يزوره المسترفد
(اليمامة 12/2/2015)