يعيش أهالي مدينة
دوما في الغوطة الشرقية من دمشق ومنذ أكثر من أسبوعين، مأساة وكارثة حقيقية، على وقع المجازر المتكررة التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد يومياً في حقهم، فدوما تتعرض إلى حملة إبادة منظمة، بكل وسائل العنف والوحشية؛ من قصف مدفعي وبراميل متفجرة وغارات جوية بصواريخ مدمرة محرمة دولياً؛ أدت إلى مقتل وسقوط المئات.
عدد كبير من
الضحايا، معظمهم من النساء والأطفال، ممن اتخذوا من أقبية الأبنية
ملاجئ لهم، فكانت تلك الأقبية مدافنهم، دمرت أحياء بأكملها، حتى أصبحت دوما كومة من الدمار يحاصر بداخلها قرابة 200 ألف نسمة، كل ذلك يحصل أمام صمت العالم بأسره والمجتمع الدولي، الذي يقف مكتوف اليدين أمام المجازر اليومية التي ترتكب على مرأى ومسمع الجميع، وحتى الأمم المتحدة والدول المدافعة عن احترام الشرعية الدولية، أصبحت تبخل على الشعب السوري بمجرد الحبر على الورق، الذي تدين به جرائم الإبادة الجماعية اليومية والتدمير المنهجي للمدن السورية، وبلغت الحال من الخذلان بأن يقول مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا وفي عز القصف والمجازر للغوطة بأن بشار الأسد الذي يمارس تلك الوحشية والاجرام: «هو جزء من الحل في سورية»، فلا غرابة بعد ذلك أن نسمع من أحد شبيحة ومجرمي النظام، وهو المدعو نضال قبلان السفير السابق في تركيا الدعوة والمطالبة «بمسح وحرق مدينة دوما»، وما صرح به هذا المجرم هو عين ما يمارسه ويقوم به فعلياً النظام بأهالي الغوطة الشرقية.
إن مدينة دوما عاصمة الريف الدمشقي، هي من أوائل المدن التي انتفضت في وجه نظام بشار الأسد، الذي ارتكب فيها عدداً من المجازر منذ أيام الثورة الأولى، وتقبع المدينة منذ أكثر من عامين مع بقية مناطق الغوطة تحت حصار خانق، فجميع المداخل المؤدية إلى غوطة دمشق الشرقية مغلقة، لا دخول ولا خروج، إذ تمنع الحواجز التابعة للنظام دخول أي مواد غذائية أو طبية، كما تمنع خروج المدنيين المحاصرين.
يعاني أهلها شحّ المستلزمات الضرورية للحياة، ولم يبقَ شيء من ضرورات الحياة متوافراً بيُسر فيها، لا الماء ولا الغذاء ولا الدواء ولا المحروقات ولا الكهرباء، ولا حتى الهواء الذي ملأه نظام الأسد بغازات الكيماوي مراراً، كل ذلك لأن موقع دوما القريب من العاصمة دمشق، فضلاً عن طبيعة ساكنيها، وهو ما يؤرق ويهدد النظام ويدفع به منذ عامين لاستخدام مختلف الأساليب الوحشية لاقتحامها.
إذ ارتكب نظام الأسد ما لا يقل عن 17 مجزرة بحقهم، منذ تاريخ تحرير المدينة من أيدي النظام، لكنَّ
هناك تاريخاً واحداً لا يمكن لأهل دوما أو أحد من السوريين نسيانه وهو يوم مجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام السوري على «الغوطة الشرقية» في 21 آب/ أغسطس 2013، واستهدفت مناطق دوما وجوبر وما حولها، وهذه المرة جاءت مجازر النظام وقصفه للمدنيين بالغوطة الشرقية، ومحاولة اقتحامها من جيش النظام بمؤازرة من الميليشيات الشيعية الإيرانية واللبنانية، التي تم حشدها على أطراف دوما، بعد أن تم استهداف العديد من المواقع العسكرية والأمنية في العاصمة دمشق بعدد كبير من الصواريخ من جيش الإسلام، بقيادة زهران علوش أهم وأبرز فصيل مقاتل بريف دمشق.
إذ أمطر جيش الإسلام بصواريخه عدداً من المواقع المهمة والحساسة، وقد أعلن جيش الإسلام قبل البدء بعمليته أن العاصمة دمشق أصبحت منطقة عسكرية، ومسرحاً للعمليات العسكرية حتى إشعار آخر، ووجهت نداءً إلى المدنيين كافة في العاصمة؛ للابتعاد عن ثكنات ومواقع جيش النظام والمراكز الأمنية والعسكرية التي سيتم استهدافها، وحذرت من التجول أثناء أوقات الدوام في شوارع العاصمة، وشمل التحذير أيضاً طلاب المدارس والجامعات، وقد أكد الثوار أنهم لم يقدموا على قصف المواقع العسكرية إلا بعد التأكد من دقة الصواريخ وقذائف المدفعية، إضافة إلى تحذير المدنيين، وقد أثارت عملية وحملة جيش الإسلام جدلاً حول أثر ونتائج العملية، وهل خسائرها أكبر من مكاسبها، وما قد يترتب عليها من آثار سلبية متعلقة بسقوط مدنيين، وبحجم رد فعل النظام، الذي قد يستغل عملية جيش الإسلام ويقوم بقصف المساجد والمدارس، وإلصاق ذلك بالثوار وهو ما قام به فعلاً، وقد تفطن إلى ذلك جيش الإسلام، وأكدوا أن النظام يقوم بالتزامن بإطلاق قذائف تجاه مواقع سكنية، ولكن يجب عند النقاش والجدل الأخذ في الاعتبار بأن النظام السوري لم يكن ينتظر حجة قصف دمشق، بعدد كبير من الصواريخ، حتى يقوم بارتكاب مجزرة جديدة في الغوطة الشرقية.
من جهة أخرى فإن استهداف دمشق بالصواريخ أرسى قواعد اشتباك جديدة، تقول بعدم تحييد أي منطقة سورية، فحتى العاصمة دمشق قد أصبحت مسرحاً للقصف والأعمال العسكرية في كل الأوقات، وهي التي يدّعي النظام أنه يمسك بوضعها بالكامل، وهو ما تكذبه المعطيات، بدليل أن صواريخ جيش الإسلام خلقت حالاً من «الفوضى والارتباك»، وشلّت الحركة في دمشق، وأدت إلى توقف الدوام في كثير من المدارس والجامعات، وتوقفت معظم المصالح الحكومية، وهو ما دعا الأستاذ برهان غليون إلى التأكيد على أن أهم ما يتعين الآن هو «الرد على مواقع نيران الأسد بالقوة نفسها التي يتعرض بها للمدن والأحياء المحاصرة، وإبلاغ الأمم المتحدة والعواصم الدولية الكبرى بأنها تتحمل مسؤولية كل ما يحصل بسبب هذا الرد، نتيجة سكوتها على النظام الطاغية، وتخليها عن مسؤولياتها، والعمل السريع من جميع الكتائب المقاتلة على توحيد الفصائل المقاتلة، ودمجها ضمن هيكلية عسكرية مركزية».
إن أهلنا في الغوطة الشرقية وبعد أن بلغ بهم اليأس مكمنه؛ لم يعودوا يطلبون من العالم تدخلاً عسكرياً ولا تحالفاً من 60 دولة للدفاع عنهم، وإنما يطلبون فقط وقف قصف النظام وفتح وفك الحصار المفروض عليهم، وتمكين وتسليح من يدافع عنهم، فهم أهل للدفاع عن أرضهم والصمود بعزيمتهم أمام نظام القتل والإرهاب.
(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)