يتشابه نظاما الحكم في
مصر والجزائر كثيراً. هما النظامان «الجمهوريان» الوحيدان اللذان نجيا مما سمي الربيع العربي، مع استثناء الفترة العابرة التي شهدت حكم الإخوان المسلمين في مصر. ما يجمع النظامين قبل 2011 وبعد 2013، أكثر مما يفرقهما، ناهيك عن انهما يتعلمان أحدهما عن الآخر، والوضع الدولي والإقليمي يجعل منهما حليفين أكثر من الماضي.
الاسبوع الماضي حمل فرصتين تثبتان مدى التشابه والتقارب. الاثنان مأزومان داخليا، والاثنان يبحثان عن متنفس في الخارج للمناورة داخليا وربح الوقت. وكلٌ وجد فرصته، ولا أحد فوّتها.
النظام المصري اتجه إلى ليبيا ليمتص قليلا من أسباب العجز والغضب الداخليين، والنظام
الجزائري اتجه إلى واشنطن عارضا استضافة ورشة دولية حول مكافحة التطرف كتكملة لمؤتمر عالمي احتضنته العاصمة الأمريكية حول الموضوع. هذا أيضا يمكن أن يُسمى
الاستقواء بالخارج، ولكن بطريقة مختلفة.
كل أنظمة الحكم في كل الأزمنة والأمكنة تعمل على الإفلات من أزماتها بالبحث بعيداً عنها. وهذا مشروع ومقبول إلى حد ما في لعبة السياسة والحكم. لكن قليلة هي أنظمة الحكم التي افتقرت للحرفية والذكاء السياسي في محاولة استغلال ظرف ما لصالحها.
في مصر أراد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يلعب دور الزعيم الذي ينتفض لأرواح وكرامة شعبه فأمر بشن غارات على مواقع داخل الأراضي الليبية قال الإعلام المصري إنها لتنظيم الدولة الإسلامية.
في حقيقة الأمر لم يكن ما حدث أكثر من عملية علاقات عامة تفتقر للدقة والرصانة والحرفية. عملية بروباغاندا أملتها حالة الصدمة والذهول التي خلّفها إعدام 21 مصريا في ليبيا، وتطلع عامة المصريين والجيران إلى رد الفعل المصري وحجمه وتوقيته.
لكن الذي حدث أن القصف الجوي حدث في في الساعات القليلة التي أعقبت جريمة إعدام المواطنين المصريين الـ21. كيف ومن أين ومتى حصل الجيش المصري على المعلومات الدقيقة والكافية لمواقع تنظيم الدولة في درنة بشرق ليبيا؟ هذا ما لم يجب عليه أحد من الحكومة المصرية، ولم يُقنع الرئيس السيسي أحداً بجوابه في الخطاب المسجل الذي بثه التلفزيون المصري الليلة قبل الماضية.
أسئلة كثيرة تحيط بالغارات الجوية والأهداف المقصودة، منها: إذا كانت المخابرات المصرية حصلت على معلومات دقيقة عن مواقع تنظيم الدولة، فلماذا انتظرت إلى أن ذُبح 21 مصريا لكي تتصرف؟ هل تقاسمت تلك المعلومات مع جهة أجنبية أو محلية، خصوصا ولها في شرق ليبيا حليف عسكري يبدو أنه يسيطر على الأرض؟
النظام الجزائري الذي يتنفس اصطناعيا منذ عقد من الزمن أو أكثر، اغتنم فرصة انعقاد مؤتمر واشنطن العالمي حول التطرف نهاية الأسبوع الماضي ليعرض خدماته. اقترح ان تستضيف الجزائر ورشة دولية مكملة للمؤتمر، فنال الموافقة من حيث المبدأ.
ليس مستغربا ان تحصل السلطات الجزائرية على الموافقة، فالحكومات الغربية تبحث باستمرار عن حلفاء ووكلاء تدير بهم وعن طريقهم الحرب على المجموعات الإرهابية.
والحلفاء والوكلاء موجودون في سوق شبه كاسدة لأن الإرهاب يهدد العالم منطلقا من منطقتنا التي أغلب حكوماتها مأزومة داخليا تتحين الفرص الخارجية عساها تمنحها متنفسا.
وليس مستغرباً أيضا لأن الانطباع السائد في دوائر غربية أن الجزائر تمتلك رصيداً وتجربة كبرى في محاربة الإرهاب على الرغم من أن هذا الإرهاب أودى بأكثر من مئتي ألف جزائري وشرّد الملايين (لو لم يكن لديها رصيد كان الإرهاب سيقتل عشرة ملايين؟). كما باعت السلطات الجزائرية (واشترى الغرب) وهْمَ أنها نجحت في احتواء الجماعات المتشددة وإعادة إدماج عناصرها في المجتمع من خلال مصالحة وطنية أنهت اقتتالا داخليا شنيعا، بينما الحقيقة هي إعادة إدماج قتلة ومجرمين، والقفز على صفحة تاريخية بلا مساءلة وبلا عدالة.
كيف يرعى نظام الحكم الجزائري ويستضيف ورشة دولية حول التطرف وهو يمارس التطرف وينتجه؟ صحيح هو ليس تطرفا دينيا أو عقائديا، لكنها ممارسات تؤدي إلى النتيجة ذاتها: الإخفاق واليأس الاجتماعيان وهما وصفتان تفتحان أبواب التطرف الديني.
ومثلما وظّف النظام المصري الغارة الجوية على مواقع في درنة وسوّقها كما لو أنها انتقمت لأرواح الضحايا المساكين، سيوظّف النظام الجزائري الورشة الدولية حول التطرف إلى أقصى الحدود، وستلعب وسائل الإعلام الحكومية دوراً رياديا وإن لن يرقى إلى مستوى الإعلام المصري.
سيكون التسويق لفكرة الاستقرار والأمن على يد الرئيس بوتفليقة، على رأس الأهداف المبتغاة من استضافة الورشة، لكن الهدف الأهم سيكون ربح مزيد من الوقت من خلال حرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي يواجهها نظام الحكم الجزائري بقيادة بوتفليقة والتي تمتد جغرافيا في كل التراب الوطني، وبالخصوص الصحراء الهادئة المسالمة، وتشمل أغلب القطاعات الاجتماعية والوظيفية.
( نقلا عن صحيفة القدس العربي)