حين خلصت
تركيا عشرات من جنودها من حصار
تنظيم الدولة في سوريا، تفادت الحكومة أزمة محتملة، وأثبتت قدرتها على
المناورة وسط أطراف متناحرة، بما في ذلك التنظيم المتشدد.
ونفذ مئات من جنود القوات البرية التركية تدعمهم الدبابات وطائرات بلا طيار العملية التي جرت ليل السبت واستمرت ثماني ساعات، لإجلاء 38 جنديا كانوا يحرسون
ضريح سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، وأعادتهم بسلام إلى تركيا.
وتشير حقيقة عدم وقوع أي اشتباكات، إلى أن تركيا إما أن تكون قد حذرت مقاتلي تنظيم الدولة الذين يطوقون الموقع من محاولة تعطيل العملية أو أنها أجبرتهم على ذلك.
وكان هذا أول توغل من نوعه تنفذه القوات التركية داخل سوريا منذ بدء الصراع هناك عام 2011.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة بالعاصمة أنقرة أمس الاثنين: "تم إفساد لعبة من حاولوا استغلال الضريح وجنودنا لابتزاز تركيا"، دون أن يذكر من يقصدهم تحديدا بكلامه هذا.. "الدولة" أم المقاتلون الأكراد أم جيش النظام السوري.
ورغم نبرة أردوغان الشديدة، فقد بدت العملية -التي سهلتها المكاسب التي حققتها قوات الحزب الوطني الديمقراطي الكردي داخل سوريا- بدرجة كبيرة عملية تكتيكية تنفذ لمرة واحدة، لا تشددا دائما في الخط الذي تنتهجه تركيا إزاء تنظيم الدولة.
وكان الجنود الأتراك محاصرين عند الضريح منذ ثمانية أشهر، وهو موقف إذا ظل دون حسم كان يمكن أن يضر بالحكومة في وقت تستعد فيه للانتخابات البرلمانية في حزيران/ يونيو.
وقال سنان أولغن رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية في إسطنبول: "كانت هذه طريقة عملية لإزالة هشاشة عالقة".
وأضاف أنها "لا تشير حقا إلى تحول ضد الدولة ولا أعتقد أن التعاون الضمني مع الحزب الوطني الديمقراطي مؤشر على تغير في علاقة تركيا بالأكراد السوريين".
قنوات فعالة
وفي مؤشر على غضب سوريا، قال وزير السياحة السوري بشر رياض يازجي، إن العملية التي جرت في مطلع الأسبوع تكشف عن تنسيق كامل بين تركيا وتنظيم الدولة، مشيرا إلى أن كل الرهائن الأجانب بخلاف الأتراك ذبحوا بأيدي المتشددين.
ووصفت الحكومة السورية العملية بأنها "عدوان سافر"، واستنكر إبراهيم قالين المتحدث باسم أردوغان ذلك قائلا إن السلطات السورية فقدت كل شرعيتها.
ويقول دبلوماسي غربي في أنقرة، إن المرجح هو أن أنقرة اتصلت بأعضاء التنظيم مسبقا.
وأضاف أنه "من الواضح أن لديهم قنوات مفتوحة وفعالة (مع تنظيم الدولة) ما من شك في ذلك. جرت بالقطع بعض المناقشات معهم لتفادي أي سوء تفاهم وإن كنت أتصور أن النغمة السائدة كانت الوعيد لا التنازل".
وتفاوضت تركيا مع تنظيم الدولة من قبل. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي نجحت في إطلاق سراح 46 رهينة احتجزهم المتشددون ثلاثة أشهر في شمال العراق. ووصف أردوغان العملية في ذلك الوقت بأنها عملية إنقاد سرية.
وفي تناقض مع عملية إنقاد الجنود ليل السبت، فقد امتنعت تركيا عن استخدام القوة العسكرية حين فرض تنظيم الدولة حصارا طويلا على بلدة كوباني الكردية السورية القريبة من حدودها، وكانت الدبابات التركية تطل على البلدة من التلال المحيطة، لكنها امتنعت عن التدخل المباشر بينما كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ينفذ ضربات جوية ضد التنظيم المتشدد.
وظلت تركيا عضوا متمنعا في التحالف، وهو ما أزعج واشنطن في أحيان. وتقول أنقرة إنه يجب إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة وإنه حتى إذا ما تسنى إجبار تنظيم الدولة على التقهقر فقواته أو القوات الكردية هي التي ستملأ الفراغ.
وأوضح قالين المتحدث الرئاسي التركي، أنه رغم خطط نقل ضريح سليمان شاه إلى أراض سورية يسيطر عليها الحزب الوطني الديمقراطي الكردي، وهو حزب قريب من حزب العمال الكردستاني الذي خاض حملة مسلحة ضد الحكومة التركية طوال 30 عاما، فإن أنقرة لا تزال تعتبر الحزب الكردستاني "منظمة إرهابية".
وقال أرون ستاين ومايكل ستيفنز من المعهد الملكي للخدمات المتحد ومقره لندن على موقع تدويني مشترك: "أثبتت تركيا مجددا أنه لا يمكن تجاهل دورها في الصراع السوري".
وأضافا: "لديها صلات بكل اللاعبين الأساسيين العاملين في شمال سوريا، وهي قادرة بشكل عام على تحقيق ما تريد مع غالبيتهم، وإن كان ذلك يحدث في أحيان مع وجود بعض الخلافات".