كتب كمال أوزتورك: إذا نظرتم إلى مدينة ما من مكان مرتفع أو من طائرة مثلاً، سترون خطوطه الرئيسية ومبانيه الضخمة، وكلما انخفضت الطائرة أكثر سترون شوارعه والمباني الأصغر والأشجار، وحين تهبط الطائرة سترون الشوارع الصغيرة والحياة داخل المباني.
لا يمكنكم أن تعرفوا طبيعة مدينة ما وطبيعة ساكنيها إن لم تتجولوا في شوارعها، فإذا كانت الشوارع هي شرايين المدن، فإن شوارعه الفرعية هي شعيراته الدموية.
أسئلة غزة في الشوارع الفرعية للمدينة
السياسية أيضاً كذلك، وكل يوم أتأكد من هذا... أتجول في شوارع وأحياء مدينة "ساكاريا" وأتحدث مع ساكنيها، ورغم عملي في السياسية لسنوات طويلة في أنقرة، ورغم معرفتي القوية بالشرايين الرئيسية لها، أتعرف الآن على شعيراتها الدموية التي تمدها بالدم؛ الشباب، والنساء، والشيوخ... أرى أحجار الأساس للسياسة واحداً واحداً.
أتواجه مع تطلعات وآمال الفلاحين والقرويين والموظفين من السياسية والحكومة والحياة.. النور واللمعان والحزن الذي في أعينهم علمني الكثير! في هذه البلدات الصغيرة، التي قد لا يعرف الكثير اسمها صدمتني أسئلة تشكيلات حزب "
العدالة والتنمية" عن ميدان "رابعة"، وشوارع غزة، وميادين سوريا.
أعتقد أنه لا يوجد في العالم اهتمام بأمر الأمة، وحساسية، ومحبة مثل الموجودة في
تركيا.
فهمت لماذا تخسر المعارضة دائماً.
أعتقد أن السياسيين لا يمكنهم فهم تركيا جيداً دون التجول في الشعيرات الدموية في المدن، والتنفس من هوائها... الآن أفهم أكثر سبب خسارة المعارضة في كل مرة... هل تملك أحزاب المعارضة خيالاً ورؤية لتركيا؟ هل تملك خططاً لمستقبلها؟
إذا لم يكن هناك مشاريع وأفكار وأهداف تؤمل الشعب، فهذا يعني أن الدم لا يجري في شعيرات المدينة الدموية. كلما زادت المعارضة من نقدها لـ"أردوغان" و"داود أوغلو" وحزب "العدالة والتنمية" فإن الخيبات تزداد في قواعدهم أكثر! لقد انتقدموهم بما فيه الكفاية، ولكن ما هي مقترحاتكم لأجل سياسة الشرق الأوسط؟ وما هي خططكم الاقتصادية؟ وما هو تصوركم لتركيا؟
لو أن المعارضين تجولوا في شوارع المدن والقرى لرأوا أن هذه الأسئلة ستوجه لهم، وسيُنتظر منهم جوابٌ لها. ولكن روح هذه المعارضة المنفصلة عن المجتمع، والمنحبسة في أنقرة ميتة وشعيراتهم الدموية منفجرة.
وإذا كان هناك أشخاص من حزب "العدالة والتنمية" سعيدين بهذا، فهذا يعني أنهم مخطئون أيضاً! ففي السياسة قوة المعارضة تعني قوة
الديمقراطية، والمعارضة القوية تُبقي النظام على قيد الحياة، وتوسعه وتساهم في تقدمه، والمعارضة التي تعمل بمصداقية ومنطق تساهم في تطوير أنظمة الحقوق ووعي الشعب، ولكن تركيا تعيش نقصاً مؤلماً في المعارضة.
حجر الأساس لتركيا الجديدة والأمة
عندما تعرفت على الشعيرات الدموية للمدينة/للسياسة في "ساكاريا" زاد تفاؤلي بالمستقبل؛ فهؤلاء الذين يحملون هم الأمة على أكتافهم، ويفتحون منازلهم للاجئين، وتملأ الدموع أعينهم والإيمان أفئدتهم هم حجر الأساس لتركيا الجديدة، وخيال تركيا الجديد سيتغذى من هذه الشعيرات الدموية، ويمد الأمة كلها بالدم!
(عن صحيفة "يني شفق" التركية، مترجم خصيصاً لـ"عربي21"، 27 شباط/ فبراير 2015)