• بالعودة لمقال الدكتور محمد عياش الكبيسي، في جريدة السبيل، يوم السبت 7/ آذار/ 2015 بعنوان "أريد أن أتحدث إلى الإخوان"، ومقال الدكتور رحيل الغرايبة الذي أشار إليه في جريدة الدستور يوم 8/ آذار/ 2015م بعنوان "
الإصلاح الفكري أولا"، نحب أن نُناصح أنفسنا، وإخواننا في أجواء الارتباك والأزمة، التي نعانيها على كل الصُّعد، وبقليل من الموضوعة، لنقف على الفائدة المرجوّة، من مثل هذا العطاء الفكري المخلص، لتصويب الفهم، واستدراك الخلل.
• القارئ لمقالة الكبيسي يرى الموضوعية، والوعي العميق بالحالة، والتجرد للفكرة بعيدا عن الاتهام، أو اللمز أو التخطئة، التي تدفع المنصوح إلى رفض النصيحة قبل سماعها، وهو يشير بوضوح، وبنظرة تشريحية مبصرة، إلى مداخل الخلل، والثغور التي يمكن أن ينزلق إليها العاملون للإسلام، وهم لا يشعرون، أو يتسلل منها الآخر؛ لضرب الإسلام ذاته، متذرعا بمسلكيّات العاملين له، والتي دائما ما تصلح متّكأ لهدم الفكرة الإسلامية ومحاربتها.
• إن ما ذهب إليه الكبيسي، ومِن قبله الهضيبي، وقبلهما الندوي في تهذيب الطروحات، وترشّد الأفكار المتشددة، التي قال بها المودودي وغيره، تشكل في جملتها حقيقة ما استقرت الفكرة الإخوانية، من نهج رشد وتوسط في الفكر والعمل، حتى هذه اللحظة، رغم مسلسل الأذى، الذي طالها وما يزال، وهو غاية المنى، والمقصد الأسمى، الذي تدعو إليه كلّ العاملين للإسلام، رغم أنها تلاقي منهم التهمة، بالتقصير فيه، والتخاذل عن ترجمته، والميوعة في تنزيله في واقعها، بصورة تُذهب حقيقته، حسب رأي منتقديها!!
• تنبيهات الكبيسي مهمة وجديرة أن تكون مدارا للبحث والحوار، في صفوف كل المهتمين بالشأن الإسلامي، وليس في دائرة الإخوان وحدهم، فتضخُّم عنوان الحاكمية، وسيطرته على الفكر - أي فكر إخوانيا أم غير إخواني- سيفضي إلى حالة الاجتزاء المسيء للفكرة الإسلامية، سواء في اتجاه التصوف المنعزل، أم التبليغية الوعظية، أم السلفية بتفاريقها: الإرجائية التبريرية، أو النّخبوية التأصيلية، أو الجامحة تكفيرية أم جهادية.
• كما أن إشارته إلى أهمية الروحانية الإيمانية، والإعلاء من شأنها، واعتبارها الأساس الأول للصلاح الفردي، الذي هو المقدمة الأولى، والشرط الأساس، لبناء المجتمع الصالح، والمدنية الفاضلة، التي كان الإسلام حاضنتها، ومنبتها، وراعيها طوال حقبته التاريخية، حتى في أوقات ضعف حامليه، والجهات العاملة له، مما يُحتِّم على العاملين في حقل الدعوة، ضرورة تعظيم مفهوم «الاستعلاء الإيماني»، ليحاصر بدوره فكرة «الاستعلاء التنظيمي»، في وجدان الأفراد المنخرطين في واجهات العمل الإسلامي، وتداعيات ذلك؛ ولتنتفي من المسلكيّات كل مظاهر التطاول والإساءة، التي تصدر من بعض الأغرار، وهي إنما ترشح إليهم من سقطات الكبار، في محطات الاختلاف، ثم يُصار إلى قبول الآخر: رأيا وعملا وإنجازا خيرّا، وإن كان آتيا من خارج الإطار التنظيمي للجماعة.
• وأن يدرك الناس بعد أنهم جزء من المشروع الإسلامي، وأنهم معنيّون بشأن إسلامهم بالانتصار له، ونشره والدفاع عن قيمه وتعاليمه، وأن تُشطب من ذاكرتهم هذه المغالطة، مغالطة الحياد، مما جعلها منطلقا لدى البعض، لحرب كل ما هو من الإسلام، لا لشيء إلا لأنه مطروح من قبل الإسلامي، في جدليّة عقيمة، مما يوجب العمل الفعلي على ردم هذه الهُوّة، التي بات يُتعامل معها كحقيقة؛ لكنها بالتأكيد بالغة الضرر للعمل الإسلامي كله.
• بينما لو ذهبنا لتعقيبات الدكتور رحيّل الغرايبة حول المقالة الآنفة، لَلمسنا بشكل واضح، أنه ينطلق بها من رحم الأزمة التي تعيشها الحركة، وهو جزء منها، وأحد أطرافها البارزة، إلا أن كلامه يتركّز على الفريق الذي يقف منه على الجانب الآخر، يُحمّله التّبعات كلها، وليبدو هو في حِلّ ممّا يشوب المشهد من التباسات!!
• ونحن هنا مع الدكتور في تأكيده على ضرورة العودة إلى الأصول التي تقول: إن الإخوان روح جديد يسري في جسد الأمة، وهي الحقيقة التي لا جدال فيها، في تشخيص دور الجماعة، وما زالت تثبتها كل المحطات الصعبة، التي مرت بها الأمة، رغم وجود الأخطاء، التي يرتفع منسوبها أو يتراجع، بحسب الظروف التي توضع فيها الحركة.
• وأما كون الإمام البنا لم يرد الإخوان حزبا بعقلية الأحزاب وعِللها، فهذا أيضا حق لا جدال فيه، فقد أردها جماعة لا حزبا ولا جمعيّة، لأن مهمتها وبرنامجها أوسع من هذه الأطر والمسميات، فتراه ترشّح بنفسه للانتخابات عام 1942م، وانسحب أمام ضغوط النظام حينها بشروط، ونصّ في رسائله على صلاحية النظام الدستوري للمهمة الإصلاحية التي جاء بها، وجعل جزءا من برنامج عمله إصلاح الحكومة، وتصويب أداء السلطة، والحد من انحرافاتها، بكل السُّبل، بما فيها المشاركة في السلطة، إذا توفرت شروطها، وهذا ما جرى عليه أتباعه في كل الأقطار!!
• ولا بد أن نشير هنا، أنه لم يقل أحد من الإخوان، أو قادتهم أنهم فوق الناس-كما ذكر الدكتور- كما أنهم لا يتهمون الناس بالجاهلية، ولا يرمونهم بالكفر- وهم مادتهم وميدان عملهم- ولا يكْفرون بالعملية الديمقراطية، ولا يُحرّمونها، ولا ينبغي له أن يطلق هذا الحكم على حالة شاذة -إن وجدت- علما أن جُلّ القيادات الحالية، كانت جزءا من العملية الديمقراطية، حتى 2007م، يوم انتفت مبررات وجودها، بعد أن أفرغتها السلطة التنفيذية من محتواها بالتزوير الشهير!
• أما مسألة تجنيد قيادة الحركة للأتباع، من أجل عد الأصوات في العملية الانتخابية، بغض النظر عن مدى فهمهم للفكرة، ومستوى استيعابهم لها، فهي الخطيئة التي طالت الجميع، بما فيهم الفئة التي يدافع عنها الدكتور، مع ما في مثل هذا القول، من أذى وامتهان للأعضاء، حين يُصور الكوادر على أنها مجرد قطيع، يتلاعب به فريق دون آخر، علما أن كوادر الإخوان في معظمها نخبوية نوعية، بصورة لا تتأتي لأي مكوّن فكري آخر! مضيفا لهذه قضية أخرى، هي تراجع مستوى الأدب في الحوار، والتعبير عن الرأي، والتي اشترك بها الجميع من كلا الطرفين، كونهم يخضعون لذات الظروف غير المريحة في الأداء، في السنوات والشهور الأخيرة! مع تأكيدنا رأيَ محمد إقبال: أن عيوب الديمقراطية الغربية ستبقى حاضره، حتى نجترح البديل الأفضل، حين قال: «إن مئة رأس حمار، لا تساوى رأس إنسان»، وهو يعني: أنها تعُد الرؤوس، ولا تعُد الأفهام، ونحن معه فيما ذهب إليه إلى حد كبير!!
• كما إن تُهمة المصالح، والحرص على المواقع القيادية، وتسخير الفكرة لنيل بعض المكاسب، تُهمة مفتوحة، ويمكن لأي طرف أن يدّعيها في الطرف الأخر، ويَصِمُه بها، ويمارس في حقه التشهير، ومحاولة الاغتيال الاجتماعي، ما دام هذا وذاك - من كلا الفريقين- يُفسح المجال بمواقفه وأفعاله؛ لما يثبت مثل هذه المزاعم بحقه أو ينفيها!!
• ومثل هذا يقال في مستوى الشعور الذي أشار إليه، وأنه بات يلمسه لدى العامة، مشوبا بالخوف والرعب من قدوم هؤلاء (ملْمِحا لقادة الحركة) إلى السلطة، وزحفهم إلى مراكز القرار، وامتلاكهم القدرة على إيقاع الأذى والعقوبة في خصومهم، مغلفة بغلاف الدين، والحق الإلهي، وهنا لا ندرى كيف تمّ استشعاره لهذا الأمر، وما زلنا نرى هؤلاء الناس يقدمون الإخوان برغبة ووعي، لملء هذه المواقع، في الهيئات والنقابات والجمعيات، حتى في ظل الاستهداف الرسمي والتحريض الإعلامي، إلا إذا كان للدكتور وسائل أخرى، لاستشعار هذا الأمر لدى العوام، علما أن الأقرب للفهم من هذا القول، أنه شكل من أشكال التحريض ضد المعنيين بالكلام، سواء باستعداء الرسمي عليهم، أو تنفير الشعبي منهم؛ ليتوقف عن تأييدهم! وهذا مُجانبٌ للموضوعية، ويعكس رغبة خفية في الثأر لا نقبلها، ممن نصبوا أنفسهم مصلحين وقادة مجتمعيين، وهو الذي ألمح غير مرة، أنه لا يقبل نهج أولئك في هذا الباب، ليعود هو فيمارسه بصورة من الصور!
• على كل حال المقالة -بالفعل- تستحق التوقف، والتحليل والتنقيب عن الحكمة فيها، ونعدُ مِن طرفنا أن تبلغ النصيحة من الفاضلين- مبلغها، وتصل لكل المحاضن الإخوانية بكل مستوياتها، لمناقشتها بعمق، والانتفاع بما جاء فيها من ملاحظ مهمة، يقتضي هذا منا الأمانة، وتقتضيه المصلحة في آن معا!!!
a_dooory@yahoo.com