نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا تحليليا لروبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في دمشق، حول دور أمريكا في
سوريا، يقول فيه إن الثوار المعتدلين يعانون، بينما يتمدد
تنظيم الدولة وجبهة
النصرة، مبينا أن جهود أمريكا التي تبذل بالتقسيط لا تساوي شيئا.
ويقول السفير السابق إن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا لم تؤت ثمارها، وبالرغم من الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة، إلا أن الأخير لا يزال يملك عمقا استراتيجيا في سوريا لدعم حملته في العراق. وفي الوقت ذاته فإن نظام بشار
الأسد لا يقاتل تنظيم الدولة، ولكنه يقاتل المعارضة المعتدلة، وبالرغم من أمل أمريكا في تحقيق حل سياسي بعيدا عن الأسد، إلا أنه لا مؤشرات على إمكانية التوصل إلى هدنة، والأمل أقل في حل سياسي شامل.
ويرى فورد أن على الاستراتيجية الأمريكية التركيز، ودق إسفين بين النظام وقاعدته التي بدأت تتراخى في دعمها له، للتمكن من إنشاء حكومة سورية مقبولة لدى معظم السوريين تعمل على محاربة تنظيم الدولة.
ويجد السفير أنه يجب على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما القيام بمجهود دبلوماسي وتقديم مساعدات، أو أن تترك سوريا وشأنها، لأن مجرد الاستمرار في ضخ كميات صغيرة من المساعدات والرجال لن يؤدي إلى وقف تقدم الجهاديين ولا إلى تواصل المفاوضات السياسية، كما تأمل الإدارة.
ويشير فورد إلى أن آخر فشل للسياسة الأمريكية تمثل في فشل حركة "حزم"، التي وصلها الدعم متأخرا وبالقطارة حتى هزمت أمام المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة، الذين سيطروا على مساحات جديدة ونقاط حدودية. ولم تكن "حزم" الحركة المعتدلة الوحيدة التي عانت من التعثر في الأشهر الأخيرة، فغيرها يعاني من ضربات النظام الذي يتمتع بدعم إيران وحزب الله، حيث يمدّانه بالرجال والعتاد، ومن ضربات جبهة النصرة وتنظيم الدولة.
ويبين السفير أن أمريكا لم تقدم الدعم للمعتدلين عندما احتاجوا إليه، ولكن كانت المساعدات قليلة وغير منتظمة، كما أن تقسيم مجموعات الثوار المعتدلين من القوى الخارجية وتوزيع المساعدات عليهم، جعل تلك المجموعات تتنافس على التمويل، كما دفعها للتعاون أحيانا مع جبهة النصرة، ما أثار المخاوف لدى الدول الخارجية، وأي عناصر في النظام قد تفكر في التفاوض للتوصل إلى حل، ما يطول من حرب الاستنزاف لمصلحة تنظيم الدولة.
وينتقد فورد إدارة أوباما؛ لأنها بدلا من تقوية المجموعات المقاتلة المعتدلة، قررت بناء قوة جديدة، وبالرؤية الموجودة ستكون هذه القوة شيئا قليلا ومتأخرا جدا، وستكون الوحدات المقاتلة فيها أصغر بكثير من قوات تنظيم الدولة التي تعمل في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوة المقترحة ستقسم قوى المعارضة المعتدلة، ولن تقدم شيئا لإبطال مفعول أكبر أداة تجنيد لدى تنظيم الدولة، ألا وهي وحشية نظام الأسد.
ويضيف أن الأسد سينفذ تهديده الذي جاء في مقابلة له مع فورن أفيرز، بأن قواته ستهاجم القوات المدربة أمريكيا، وهذا ليس بالجديد، فكثيرا ما هاجمت قوات النظام المجموعات المقاتلة التي تحارب تنظيم الدولة في شمال سوريا على مدى العامين الماضيين.
ويذكر السفير أنه إذا أرادت الإدارة الأمريكية مساعدة هؤلاء المقاتلين المحاصرين لإنجاحهم، عليها تمديد مهمتها الجوية في سوريا لحماية هذه الوحدات الصغيرة من غارات طائرات النظام حتى في شرق سوريا، حيث هناك حاجة لمنطقة حظر طيران، وهذه الخطوة قاومتها الإدارة الأمريكية إلى الآن. وإن استطاعت الإدارة القيام بمثل هذه الخطوة، عليها أيضا أن تقوم بالتفاوض على صفقة سياسية تحظى بقبول المعارضة السورية والحلفاء الإقليميين لإضعاف تنظيم الدولة، وتحقيق حل تفاوضي للأزمة السورية.
ويعتقد فورد أن زيادة الدعم المادي للمقاتلين المعتدلين في شمال وجنوب سوريا، حتى لو بكميات كبيرة، لن يكون كافيا، والمفتاح المقترح هو الاتفاق على استراتيجية جديدة تقوم بإنشاء قيادة موحدة للمعارضين اللاجهاديين.
ويفيد السفير بأن هذه القيادة الموحدة يجب أن تكون هي القناة الوحيدة للدعم الخارجي والتسليح والتدريب، ويجب أن تتضمن المجموعات الثورية اللاجهادية الرئيسية، ويقودها سوري يحظى بالدعم الواسع من المقاتلين السوريين على الأرض، والقبول لدى الدول الأجنبية. وأولئك الذين يرفضون الانصياع للقيادة الموحدة يجب منع المساعدات عنهم. وهذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء التشرذم الذي تعاني منه المعارضة، والتأكد من أنها ستدعم أي مفاوضات نهائية.
ويعتقد فورد أن المقاتلين السوريين، وخاصة العرب السنة، هم المؤهلون لمواجهة العرب السنة المتطرفين في بلدهم، والحد من المد المتعصب، وهذا يعني أن الجماعات المعارضة الإسلامية المحافظة يمكن أن تكون جزءا من الحل.
ويرى السفير أن على أمريكا وتركيا أن تجدا أرضية مشتركة في الاستراتيجية الجديدة، وأن على تركيا إغلاق طرق التهريب عبر الحدود لتنظيم الدولة ولجبهة النصرة، وقد كانت حيوية بالنسبة للمجموعات الجهادية.
ويلفت فورد إلى أن أنقرة حاولت استغلال المتطرفين لمحاربة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، الذي يعد شقيق حزب العمال الكردستاني الإرهابي. ووجود استراتيجية أمريكية جديدة، تقدم المزيد من الدعم للمعتدلين من الثوار الذين يقاتلون الأسد والجهاديين، وتوقف الأعمال الأمريكية التي تتبنى الانفصاليين الأكراد في سوريا، قد تقنعان تركيا بترك هذا السبيل.
ويوضح السفير أن الدعم العسكري الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا لمحاربة تنظيم الدولة في كوباني شمال سوريا، يتبنى أيضا طموحات الحزب الانفصالية، وقد أعلن الحزب من طرف واحد عن منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، ما جعل القبائل العربية في تلك المناطق تتجه إما إلى دعم النظام السوري أو دعم تنظيم الدولة.
ويذهب فورد إلى أن تركيز أمريكا على استخدام أكراد سوريا ضد تنظيم الدولة لن يقضي على التهديد الجهادي، ولكنه سيزيده وسيزيد من الصراع على الحدود السورية. وطلب الأكراد السوريين للحكم الذاتي قد يكون هو السبيل إلى تجميع سوريا ثانية، ولكن الآن على أمريكا وحلفائها أن يقولوا لحزب الاتحاد الديمقراطي إن مناطق الحكم الذاتي لا يمكن أن تكون إلا بعد مفاوضات سياسية طويلة تجمع السوريين كافة.
ويتابع السفير أن زيادة الدعم الأمريكي للمعارضة السورية يجب أن يكون مرتبطا بشروط، بل الكثير من الشروط. فمقابل المزيد من المساعدات يجب أن تلتزم المعارضة السورية بالشروط الستة الآتية:
1- المجموعات المقاتلة التي تستلم الدعم من القيادة المركزية الجديدة ستلتزم بأوامر هذه القيادة فقط.
2- إن المعارضة المسلحة ستمتنع عن ارتكاب جرائم ضد المجتمعات المدنية التي دعمت نظام الأسد، وعلى قيادة المعارضة المسلحة تحمل مسؤولية المجموعات التي تنضوي تحت قيادتها.
3- أن تقطع المعارضة المسلحة أي علاقات تربطها مع جبهة النصرة.
4- أن تؤكد قيادة المعارضة المسلحة أنها لا تسعى إلى تدمير المسيحيين أو العلويين أو أي أقلية أخرى، وأن تكون على استعداد للتفاوض على الترتيبات الأمنية المحلية، حتى مع عناصر من الجيش العربي السوري لحماية السوريين جميعهم.
5- أنها ستتفاوض على صفقة سياسية لإنهاء الصراع دون اشتراط مسبق لذهاب الأسد.
6- على أي تحالف معارض يدعي أنه يمثل السوريين أن يشتمل على ممثلين عن الأقليات، وعن التجار الكبار من المجتمعات، التي كانت بشكل عام مؤيدة للأسد، وألا يكون التمثيل فقط من المغتربين السوريين الذين طال اغترابهم.
ويرى فورد أن تطبيق هذه الخطوات سيساعد في إيجاد قوة ثوار قادرة على محاربة تنظيم الدولة وجبهة النصرة، ويمهد الطريق أمام مفاوضات سياسية. وإن لم يوافق حلفاء أمريكا في المنطقة على الاستراتيجية الجديدة، وإن لم تقم إدارة أوباما بتوسيع مستوى مساعداتها ومهمتها الجوية، فعلى واشنطن أن تتخلى عن هدفها بإضعاف قوة تنظيم الدولة على مدى السنوات القليلة القادمة.
ويعتقد السفير أنه أفضل بكثير للمصداقية الأمريكية أن تترك سوريا وشأنها من أن تتخذ نصف إجراءات.
ويختم فورد قائلا إنه بعد تجربة سنتين يجب علينا أن ندرك بأن الأفعال المحدودة ليست كافية لمعالجة المخاطر الكبيرة النابعة من سوريا، فشركاؤنا الأجانب تلزمهم الرؤية والقيادة الأمريكية لاحتواء المتطرفين وإطلاق مفاوضات ناجحة للتوصل إلى حكومة وحدة وطنية سورية، التي هي الحل الوحيد لمعالجة خطر المتطرفين.