يقترب الموعد المزمع للانتخابات
الإسرائيلية العشرين في تاريخ الدولة الصهيونية، والمقرر في 17/3/2015، وقد ترافقت مع هذه الانتخابات مجموعة ظواهر تؤثر في شكل تلك الدولة ومستقبلها، لا بد لكل من يخوض صراعاً معها أن يفهمها ويقدر أبعادها، ويقرأ الكامن فيها من فرص ومن تحدياتٍ وتهديدات.
أولاً: نضوب مصادر القيادات التاريخية:
هذه الانتخابات هي الرابعة منذ غياب أريئيل شارون عن المشهد السياسي، وما يزال شارون آخر القادة الذين يوصفون بالـ"تاريخيين" بالنسبة للدولة الصهيونية، لناحية القدرة على التأثير والحسم والإنجاز، والقدرة على حسم أغلبية كبيرة ومؤثرة في الانتخابات. على مدى عشر سنوات مضت، وأربع دورات انتخابية، لم ينجح النظام السياسي الإسرائيلي في توليد أي قيادة مؤثرة، ولم تتمكن القيادات القائمة من التنظير لأي أفق واضح لإنهاء الصراع، ويبقى "حل الانسحاب الأحادي" الذي نظّر له شارون آخر حل متكامل طُرح إسرائيلياً، وما قدمته الحكومات الإسرائيلية المتتالية لم يتعدّ محاولة إدارة هذا الحل وتداعياته.
القراءة التاريخية لمصادر القيادات المؤثرة تنبئ بوجود اثنين من المصادر الهامة، أولهما الجيش الإسرائيلي الذي صدّر قيادات مثل إسحاق رابين وموشي دايان وحاييم هرتسوغ وأريئيل شارون، أما المصدر الثاني فكان أروقة المنظمة الصهيونية التي أنتجت نخبتُها السياسية –ما بين سلطة ومعارضة- أنتجت بن غوريون وغولدا مائير وحتى مناحيم بيغن.
الواضح أن الفارق الزمني بين تجربة المنظمة الصهيونية وعمر الدولة البالغ اليوم 67 عاماً قد أنهى دور المنظمة الصهيونية مصدرا للنخبة، إلا أن نضوب قدرة الجيش على توليد القيادات التاريخية أمر يحتاج لمزيد من البحث لفهم أسبابه، ورغم أن هذا الجيش يخوض حرباً كل ثلاث سنوات تقريباً منذ عام 2000، إلا أنه يعجز عن تصدير نخب فعالة ومؤثرة وصاحبة رؤية. مرشحو اليوم يتراوحون تقريباً بين مهنتين: المحاماة والصحافة، ولا يظهر في الموقع الأول لأي حزب مرشح من الجنرالات القدامى.
ثانياً: معركة الكتل الصغيرة:
استطلاعات الرأي حتى الآن تعطي أكبر الكتل 25 مقعداً، من أصل 120 مقعداً هي إجمالي مقاعد الكنيست، وهذا يعني أن هذه الكتلة ستحتاج إلى تحالف مع 36 نائباً حتى تتمكن من تشكيل حكومة بأغلبية بسيطة. هذا يعني باختصار أزمة حكم على المدى القريب، وربما على مدىً أبعد، لأن صاحب الحزب الأكبر سيكون مضطراً للائتلاف مع 3-4 قوى أخرى، وسيكون مكبلاً بشروطها وابتزازاتها، وسيكون تحالفه هشاً ومهدداً بالانفراط عند أي خلاف، وغالباً أن النظام السياسي الإسرائيلي سيضطر إلى انتخابات بعد سنتين أو سنتين وبضعة أشهر على الأكثر من الانتخابات الحالية، بناء على هذا التركيب.
إن غياب الكتل الحاسمة مرتبط بغياب الرؤية السياسية، فإسرائيل تواجه معضلاتٍ وجودية حقيقية تحتاج إلى إجابات، ولا تقدم الكتل الحالية إجابات مقنعة سوى أنها قادرة على إدارة الأمور على ما هي عليه، وبالتالي، فالظرف الإقليمي والعالمي هو ما يخدمها في الاستمرار، وليس قدرة النخبة السياسية على اجتراح الحلول. وإذا ما أضفنا لذلك أن هذه الأحجام متوقعة بعد رفع عتبة الحسم –وتقليل عدد الأحزاب الصغيرة المشاركة بالتالي- فإن تقديرنا لحجم أزمة الرؤية والمشروع السياسي لدى هذه الأحزاب يصبح أعمق.
ثالثاً: معركة اليسار الأخيرة:
يشعر اليسار الإسرائيلي بعد 12 سنة خارج سدة الحكم أو الموقع الأول، و4 هزائم متتالية في الانتخابات بأنه يخوض معركته الوجودية الأخيرة لإثبات وجوده كشريك في إدارة هذه الدولة، ولتحقيق ذلك ائتلفت كتل اليسار والمركز معاً فيما سمي "المعسكر الصهيوني"، واستخدمت في هذه المعركة كل أبواقها الإعلامية –وهي أعلى صوتاً من إعلام اليمين في إسرائيل- كما استخدمت نفوذها الواسع في البيروقراطية المدنية والعسكرية، واستخدمت حتى علاقاتها الخارجية لإزاحة
نتنياهو، معتبرةً إزاحته الهدف المشترك لها. بعد كل هذا الصخب، تعطي استطلاعات الرأي لليسار-الوسط المتمثل بالمعسكر الصهيوني تقديراً بالفوز بـ25 مقعداً مقابل 20 لليكود. الأزمة الحقيقية التي سيواجهها هذا اليسار في حال فوزه هي قدرته على تشكيل الحكومة: فالأحزاب التالية في القائمة ستكون "البيت اليهودي" من اليمين، و"إسرائيل بيتنا" من اليمين، وحزب "كلنا" من اليمين، إضافة للأحزاب الدينية.
هذا يعني أن الليكود حتى لو فاز بمقاعد أقل، سيكون أقدر على تشكيل ائتلاف أغلبية، واحتمالية عودته للحكم ستكون أكبر، لكن بخضوع أعلى لحلفائه الأكثر يمينية منه. في واقع الأمر هناك سابقة لفوز حزب كاديما بقيادة ليفني بأغلبية المقاعد، وفشلها في تشكيل ائتلاف أغلبية، بينما تمكن نتنياهو من تشكيله رغم فوزه بمقاعد أقل في انتخابات 2009، وإن كان احتمال قدرة اليسار-المركز على تشكيل حكومة يبقى قائماً، خصوصاً إذ ما فكروا بالضغط على القائمة العربية للائتلاف معهم، وهذا بحد ذاته يحتاج لبحث منفرد حول خيارات فلسطينيي الـ48 في هذه الانتخابات.