على الرغم من الصوت العالي الذي يصدح به اليسار والوسط
الإسرائيلي وحتى بعض أعضاء اليمين، بضرورة الإطاحة بـ بنيامين
نتنياهو من رئاسة الحكومة، إلا أن طريق الأخير تبدو سالكة – ولو بصعوبة - نحو تجديد الثقة به، في ظل عدم وجود قيادات حقيقية شعبية تحاكي الزعامات التاريخية الصهيونية.
فإسرائيل التي قدمت على مدار تاريخها (67 عاماً) قيادات مؤثرة استطاعت المرور بمنعطفات غيرت من المعادلة السياسية لا في فلسطين فقط بل بالمنطقة بأكملها، تشهد نضوباً في إبراز قيادات تتصدر المشهد، الأمر الذي جعل نتنياهو الذي خسر حربين، أو على الأقل لم يحسمهما بانتصار واضح، يرشح نفسه لدورة رابعة في الانتخابات.
وفي القراءة التاريخية لمصدر القيادة في إسرائيل، يقول الباحث الفلسطيني زياد ابحيص، إن هناك مصدرين هامين شكلا أساس تلك القيادات وهما: الجيش الإسرائيلي الذي صدّر قيادات مثل إسحاق رابين وموشي دايان وحاييم هرتسوغ وأريئيل شارون؛ والثاني أروقة
المنظمة الصهيونية التي أنتجت نخبتُها السياسية –ما بين سلطة ومعارضة- بن غوريون وغولدا مائير وحتى مناحيم بيغين.
ويبين ابحيص في حديثه لـ"
عربي21" أنه "من الواضح أن الفارق الزمني بين تجربة المنظمة الصهيونية وعمر الدولة البالغ اليوم 67 عاماً قد أنهى دور المنظمة كمصدر للنخبة، إلا أن نضوب قدرة الجيش على توليد القيادات التاريخية أمر يحتاج لمزيد من البحث لفهم أسبابه".
ويشير إلى أنه بالرغم من أن الجيش الإسرائيلي "يخوض حرباً كل 3 سنوات تقريباً منذ عام 2000 إلا أنه يعجز عن تصدير نخب فعالة ومؤثرة وصاحبة رؤية".
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في السابع عشر من الشهر الجاري.
تأثير شخصية الزعيم في الانتخابات
ويوضح استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن 27% من الناخبين يولون أهمية لشخصية رئيس الحزب في أثناء انتخابهم (مركز الزيتونة للدراسات).
ووصل الاهتمام بشخصية الحزب إلى ذروته في انتخابات سنتي 1996 و1999 عندما كان ينتخب رئيس الحكومة من الشعب. وعلى الرغم من إلغاء هذا النظام في الـ2011، إلا أن هناك تأثيرا حقيقيا للزعيم.
ويظهر هذا الأمر في الدعاية الانتخابية، حيث اعتمد حزب الليكود في شعاره الانتخابي سابقاً على شخصية نتنياهو "الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو"، بينما يعتمد خصوم الليكود اليوم، وبالتحديد تكتل المعسكر الصهيوني، على هز صورة نتنياهو رافعين شعار "كله إلا بيبي"، بمعنى انتخبوا أي شخص عدا نتنياهو.
ويقول رئيس مركز الزيتونة للدراسات، محسن صالح، إن هناك نوعا من التداخل في الكيان الإسرائيلي ما بين البرامج والشخصيات، "والمؤكّد، أن الشخصيات هي جزء أساسي وفارق في تصويت الانتخابات، والتجربة الأخيرة مع يائير لبيد هي دليل على ذلك".
ويوضح صالح في حديثه لـ"
عربي21" أن الرموز لها دلالات وقوة؛ أغلب التيارات لديها كتل تصويتية ثابتة صلبة ولا تتزحزح من 10 إلى 15 مقعدا، "ثم بعد ذلك يأتي دور الزعيم الرمز الذي يستطيع ترجمة البرنامج بشكل مرضٍ ومقنع، يثير الآمال والتطلعات ويعطي الأمل لدى الناس، ما يرفع أسهم الحزب لدى العامة، مثل شخصية شارون في كاديما".
ويشير إلى أنه عندما جاءت زعامات أقل رمزية، أصبح الجمع ما بين الشخصية والبرنامج لدى الناس أساسًا في الانتخابات.
ويعتبر رئيس الوزراء الشخصية الأقوى في إسرائيل بحسب الصلاحيات التي بحوزته بموجب القانون، وهو مسؤول عن تحديد السياسيات وتنفيذها في الشؤون الخارجية والأمن الداخلي والاقتصاد والشؤون الأخرى.
خط السير يجمع الكل
وعلى الرغم من عدم وجود شخصيات قوية لقيادة إسرائيل، إلا أن المدرسة الإسرائيلية تبدو قوية، وقد شكلت توجها عاما يسير فيه كل من يعمل بالسياسية، سواء كان من اليمين أم من اليسار.
ويقول صالح إن "للكيان الاسرائيلي بنية مؤسسية إلى حد كبير، ولا تزال قوية، ولم تعد تعتمد أكثر على شخصية رئيس الوزراء".
ويضيف أنه "نعم؛ فقد خف الدور المتعلق بالقيادة التاريخية، لكن الفكر والولاء والمنهج وديناميكية العمل وبنية المؤسسات لا تزال قوية".
من جهته، يقول المختص في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر، في حديثه لـ"
عربي21"، إنه ما من شك أن هناك منظومة إسرائيلية قوية ومنظمة، "لكنّ القائد يبقى له دور كبير في توظيف هذه المؤسسة الكبيرة".
ويدلل أبو عامر، الذي يشغل منصب عميد كلية الإعلام في جامعة غزة، على كلامه بما حصل مع شارون في قرار "اقتحام قطاع غزة رغم وجود معارضة كبيرة، وأسحاق رابين وتوجهه لأوسلو رغم وجود معارضة يمينية كبيرة، ومناحيم بيغين الذي قام بقصف مواقع عراقية رغم معارضة جارفة".
ويلفت إلى أن الأحداث السياسية القائمة تؤكد أن غياب القائد من نوع جيل التأسيس له أثر كبير في حالة التخبط في اتخاذ القرار، والقدرة على حسم الصراعات السياسية والعسكرية.