سآخذكم اليوم في جولة على صحف
إيران، لأتابع حجم الاعتراضات التي واجهت الشيخ علي
يونسي وخاصة كلام مرجعية النجف الشديد بحقه، حيث انعكس الأمر على نطاق واسع في سجالات طهران وداخل برلمانها، حتى ان 21 نائباً إيرانياً وقعوا رسالة لرئيس الجمهورية حسن روحاني، كي يقوم بتنحيته من منصب المستشار الخاص لشؤون الأقليات، بعد أن تحدث عن"الامبراطورية الإيرانية"ونسب إليه أنه قال إن"العراق هو عاصمة إيران ومركزها وهويتها"، وأشار إلى امبراطورية واسعة كانت تشكل بلدانا عدة في المنطقة.
والمفارقة أن يونسي محسوب على المعتدلين المطالبين بالاصلاحات السياسية، وكان وزيراً في حكومة محمد خاتمي التي قامت على مبدأ"نزع التوتر في الشرق الأوسط". والمفارقة الأخرى أن المعترضين على كلامه هم الجناح الإيراني المتشدد المتعم بتصدير الثورة والموالي للولي الفقيه والمعارض لتيار الإصلاح الخاتمي!
يونسي حاول أن يدافع عن نفسه ونشر بياناً يقول فيه"كنت أقصد أن المنطقة الواسعة التي نعيش فيها، شهدت ظهور امبراطوريات عدة منها الحخامنشية والساسانية.. أما اليوم فليس هناك مبرر لعودة الامبراطورية العثمانية ولا العربية، ولا نفكر كذلك بعودة الامبراطورية الإيرانية، بل بديل ذلك كله هو ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدان الكثيرة التي هي اليوم جزء من المساحة الواسعة لحدود الامبراطوريات القديمة".
أيضا فإن رئيس برلمان إيران علي لاريجاني حاول الدفاع عن يونسي، وقال"لعل الأمر يتعلق بخطأ في الترجمة". لكن المشكلة لاتبدو كذلك حسب ترجمة خاصة بـ"المدى"عن الفارسية، لعبارات المستشار التي نقلتها وكالات أنباء إيرانية رسمية، إذ قال السيد يونسي، إن"نتانياهو اعترف بصراحة بقوة إيران ونفوذها العظيم، حين ادعى بأننا ابتلعنا أربعة بلدان في المنطقة، وفي الواقع فإننا ساعدنا هذه البلدان... العراق اليوم لا يمثل مجرد مجال حضاري لنفوذنا، بل العراق هو هويتنا وثقافتنا ومركزنا وعاصمتنا. وهذا أمر يتعلق بالحاضر وبالماضي. وذلك لأن جغرافيا العراق وإيران لا يمكن فصلهما. وليس أمامنا مع العراق سوى أن نتحارب أو نصبح حالة واحدة".
ولذلك فإن النواب"المتشددين"خاطبوا رئيس السلطة القضائية وطلبوا أن تجري ملاحقة يونسي قضائياً، قائلين إن يونسي"لا يتحلى بروح الاستماع للنصيحة، كما أنه معروف بتصريحاته المثيرة للجدل بين الحين والآخر".
وقد بحثت في المواقع الفارسية عن نموذج لتصريحاته المثيرة للجدل، ووجدت أن المتشددين منزعجون مثلاً من زيارة يونسي، لدار العبادة اليهودية في شيراز، حيث قال هناك مقارناً بين الديانات إن"الثقافة الإيرانية تتحرى العرفان والتصوف، وتركز على جوهر الدين وروحه وبواطنه أكثر من عنايتها بالطقوس الظاهرية، أما اليوم فنجد أن الناس يخصصون وقتاً للطم الصدور، أكثر من الوقت المخصص للتعبد والصلاة".
وشخصياً لا اعتراض لدي على روح هذا الكلام، سوى أن اللطم والأناشيد تقترب من الروح الصوفية ولا تتعارض معها، وهي مثل أذكار الطرق العرفانية المعروفة وموسيقاها ورقصاتها الفنية، بوجه من الوجوه!
أخيراً فإن السيد عشرت شائق، وهو عضو هيئة حكومية عليا خاصة بمعاقي الحرب في إيران، قال قبل يومين"لم تكن كلمات يونسي نوعاً من السهو، بل كانت متعمدة لإلحاق الضرر بسمعة النظام الإيراني، وفي الحقيقة فإنها جاءت لتشوه النوايا الصادقة للمجاهد الحاج قاسم
سليماني، الذي يقوم بمساعدة إخوتنا في العراق ضد الوحش المسمى داعش".
وقد أتيح لي أن أدردش مع باحث إيراني في أربيل قبل يومين بهذا الشأن، ونبهني إلى هذه الملاحظة، لكنني علقت بالقول إننا كعراقيين غائصون في تخوين بعضنا وتبادل الشتائم واللعنات، بحيث يمكن لداعش أن تحطم المعنى الثقافي لآشور ونمرود، ويمكن لأي متحدث إقليمي أن يتجاهل وجودنا منذ سومر وأكاد بالمعنى الثقافي والسياسي والتاريخي، دون أن يكلف نفسه أي إشارة لنا. نعم نحن غائصون في شتم بعضنا حتى إننا لا ندري، هل أن يونسي ضد سليماني حقاً، أم إن سليماني ضد يونسي!
(نقلاً عن صحيفة المدى العراقية)