نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا تحليليا للدكتور منقذ الداغر، المتخصص في استطلاعات الرأي، حول شعور
السنة في
العراق تجاه
تنظيم الدولة، بناء على الاستطلاعات التي أجرتها شركته على مدى عشر سنوات الماضية.
ويقول الداغر إن كثيرا من السنة العراقيين يعيشون الآن تحت حكم تنظيم الدولة، وأي جهد لهزيمة التنظيم يعتمد على فهم كيفية تحفيز من هم محصورون تحت حكمه ليؤدوا دورا رئيسيا في هزيمته، كما أدت الصحوات دورا في هزيمة تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار عام 2007.
ويشير التقرير إلى أن استطلاعات الرأي، التي أجريت على مدى عشرة أعوام، تبين لنا لماذا تحمل العراقيون السنة تنظيم الدولة إلى الآن، وكيف يمكن لهم أن يدعموا الجهود للتخلص منه.
ويذكر الكاتب أن شركة الاستطلاعات التي يرأسها قامت باستطلاعات للرأي في العراق على مدى أكثر من عشرة أعوام، وأجرت أكثر من مليون مقابلة.
ويفيد الداغر بأن استطلاعات الرأي تأخذ عينات عشوائية من العراقيين، ممن هم فوق سن الثامنة عشرة. ومنذ دخول تنظيم الدولة إلى العراق قامت الشركة بإجراء المزيد من المقابلات مع شيوخ العشائر ووجهاء المجتمع في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، بالإضافة إلى مقابلات هاتفية مع سكان في الموصل، بعد سقوطها بأيدي التنظيم. وقد أجرت الشركة أربعة استطلاعات وعشر مقابلات تفصيلية في النصف الثاني من عام 2014، للتحقيق في قضية تنظيم الدولة في العراق.
وتلفت الصحيفة إلى أن الشركة أجرت على مستوى المنطقة ثلاثة استطلاعات حية "وجها لوجه"، واحد في ليبيا واثنان في سوريا، ويحتوي كل منها على أكثر من ألف مقابلة، وتظهر نتائج الاستطلاعات بأن فكر تنظيم الدولة متنافر مع فكر معظم الناس، حيث إنه يبسط سيطرته بقوة، لكنه استطاع توظيف حالة الاستياء العميقة تجاه الحكومة لصالحه.
ويؤكد الكاتب أنه بالرغم من ادعاء التنظيم بأنه يمثل الصوت الحقيقي للإسلام، إلا أن الدين لم يكن هو العامل الرئيسي في ارتقائه، وخاصة في العراق. والعامل المحتمل الأهم هو شعور السنة بالسخط الشديد تجاه الحكومة المركزية العراقية، وفي عام 2013 قام سكان محافظتي الأنبار وكركوك بمظاهرات سلمية للاحتجاج على المعاملة السيئة التي يلاقيها المسلمون السنة. وقبل احتلال التنظيم للموصل في حزيران/ يونيو 2014 بأيام قليلة، أجاب 91% من المستطلعة آراؤهم في تلك المناطق بأن الأمور في العراق "تسير نحو الأسوأ"، مقابل 60% على مستوى العراق، و55% على مستوى المجتمع الشيعي.
ويوضح الكاتب أنه "لم نجد فرقا مشابها عندما تعلق الأمر بالدين، فعندما سألنا الناس عن الدين والدولة، أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم أجاب بأنه يجب فصلهما، وهذا يعني أن مشروع تنظيم الدولة في إقامة خلافة يتعارض مع رأي من هم تحت حكمه".
ويبين الداغر أنه إن لم يكن لأسباب دينية، فهل يمكن أن تكون الخدمات التي يقدمها التنظيم أفضل، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين، حيث إن كلا التنظيمين نال الدعم السياسي على مدى العقد الماضي؛ بسبب تقديمهما لخدمات فشلت السلطات الحاكمة في تقديمها بسبب الفساد.
ويعلق الكاتب بأن "استطلاعاتنا لا تبدي فروقا في الرضا أو عدمه عن الخدمات بين السنة والشيعة، كما أنه لا توجد فروق كبيرة في التوظيف بين السنة والشيعة في العراق".
ويرى الداغر أن الأمر مختلف عندما يتعلق بالأمن والعدالة، حيث شعر العراقيون السنة بأن الحكومة المركزية لا تهتم بهم، فمن بين السنة الذين استطلعت آراؤهم قال 60% إنهم لا يثقون بالنظام القضائي، بينما 30% من
الشيعة يحملون الرأي ذاته.
ويورد التقرير أنه قبل سقوط الموصل بأسبوع، قال 80% من المستطلعة آراؤهم في المدينة إنهم لا يشعرون بأمان في مناطقهم، وتظهر نتائج الاستطلاعات أن نسبة الذين لا يشعرون بالأمان من السنة أعلى بكثير من نسبتهم بين الشيعة. كما أن النسبة ارتفعت بين السنة بين عامي 2013 و 2014، وقد يفسر هذا بخوف السنة من الميليشيات الشيعية في الفترة المؤدية إلى الانتخابات البرلمانية.
ويقول الداغر: "مع هذا فإن من يعيشون تحت حكم التنظيم في العراق اليوم سيشعرون بالفرحة إذا تم طرده، ففي استطلاعنا للمناطق السنية، وجدنا أن نسبة 90% من السكان يعدون التنظيم إرهابيا، ونسبة 80% يؤيدون الجهود الدولية لإزالته".
ويرى الكاتب أن التأييد للتحالف الدولي قد يعكس انعدام الثقة في القوات العراقية، التي لم تتمتع بثقة عالية قبل أن يدحرها تنظيم الدولة من خمس محافظات، كما أنهم لا يحبون وجود ثقل مؤثر لدولة واحدة مثل إيران، حيث ينظر إليها السنة بعين الريبة، ويرون أن أثرها قد يزيد من التمييز الذي عانوا منه في الماضي، فسنة العراق اليوم يطمحون إلى نوع من التوازن.
ويتساءل الداغر إن كان لا يمكن تفسير القبول الظاهري بتنظيم متطرف، مثل تنظيم الدولة، بأنه قائم على أسس دينية لا اقتصادية ولا خدمية، فما هو سبب البغض للحكومة القانونية في العراق؟".
ويجيب قائلا: "وجدنا بالتجربة والخطأ أن هناك قلة ثقة في الحكومة، وشعورا عميقا بالظلم، وتوجها نحو العزلة، الذي يقود إلى إنكار الهوية الوطنية؛ ولذلك لم يعد غريبا أن نرى تراجعا في عدد المشاركين في الاستطلاعات، الذين يعدون أنفسهم عراقيين قبل كل شيء من 80% عام 2008 إلى 40% عام 2014".
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الأمر يمكن ملاحظته بعمق عند السنة، الذين شهدوا تراجعا منتظما خلال العقد الماضي، فقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كان السنة يسيطرون على المواقع الرئيسية في الحكومة، وكان ضباط الجيش في المعظم منهم، وتحت الاحتلال الأمريكي تم تطبيق سياسة اجتثاث حزب البعث، واستخدمت هذه السياسة بشكل واسع لحرمان مئات الآلاف من السنة من وظائفهم، التي كانوا مؤهلين للقيام بها. كما أن سيطرة أحزاب شيعية دينية على الحكومة العراقية بعد انتخابات عام 2005، أدى إلى توزيع الغنائم بينها وحرمان السنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور الذي تمت كتابته في ذلك العام عَدّ في مقدمته أن مشكلات العراق السابقة تسبب بها السنة، لتبرير إعطاء مكانة خاصة لرجال الدين الشيعة، ومأسسة اجتثاث حزب البعث.
وينوه الداغر إلى أنه في عام 2010، مع اكتساب الائتلاف الذي قاده إياد علاوي عددا أكبر من المقاعد في البرلمان، إلا أن مفاوضات ما بعد الانتخابات جاءت لصالح ائتلاف نوري المالكي، وبقي في السلطة. وهذه النتيجة أدت إلى زيادة الشعور بالظلم بين السنة في المجتمع العراقي. وعندما تجاوبت حكومة المالكي للمظاهرات السنية السلمية عام 2013، ربما كانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر الجمل.
ويعتقد الكاتب أن هزيمة تنظيم الدولة تحتاج إلى تغيير الظروف تحت أقدامه على الأرض، وهذا يتطلب تغيير الظروف السابقة، التي أدت إلى عدم مقاومة قدومه. وفي أقل من عام رأى الناس معاملة التنظيم للعراقيين من الطوائف والأديان كلها، بالإضافة إلى تدميره متحف الموصل والمواقع الأثرية الآشورية، وهو ما يساهم في تشويه ما تبقى من الهوية العراقية، كما كان تدمير مسجد العسكري في سامراء عام 2006.
ويخلص الداغر إلى أنه "من أجل أن يقف العراقيون معا لطرد تنظيم الدولة، يجب أن يكون هناك سبب للاعتقاد بأن الأمور لن تعود إلى حالها الأولى غير المقبولة. ولتطبيق هذا عمليا يجب القيام بإصلاحات جادة لقطاعي الأمن والقضاء في الحكومة العراقية، وفتح سبيل واقعي لبناء هوية تشمل العراقيين كلهم دون استثناء".