سواء في سياق هجمات 11 سبتمبر او بعدها كان الصراع المثالي دائما بالنسبة للارهاب هو ضد عدو "نصراني" على اراض اسلامية. يعرف الوجه البشع للارهاب ان تخفيه وراء صراع ضد اجانب يخلق له حاضنة شعبية. وكان ذلك موقفا معلنا للقاعدة في تبريرها لهجمات 11 سبتمبر حيث تحدث بن لادن بوضوح عن حاجة القاعدة الى استدراج الولايات المتحدة الى معركة مباشرة على اراض اسلامية. وكانت الحرب في العراق وضعا ايضا نموذجيا بنت عليه "السلفية الجهاية" رافعة للتعبئة.
من الامثلة التي شهدتها بشكل مباشر من خلال عملي مع الرئيس المرزوقي الاستهداف المتعمد وسط سبتمبر 2012 من قبل "انصار الشريعة" التونسية لمبنى السفارة الامريكية. صيغة استهداف موقع متقدم للسلطات الامريكية يأتي في اطار خلق ظروف ملائمة لتدخل اجنبي ومن ثمة صناعة حالة رأي عام محتقن ضد ذلك. وهذا ما جعل اكثر المهام الحاحا توفير حماية امنية عاجلة حصرا من قبل السلطات التونسية للسفارة بشتى الطرق وانقاذ الطاقم الديبلوماسي الامريكي.
في المقابل لا يمكن محاربة الارهاب بتهرئة
السيادة الوطنية. هناك خبر نشرته صحيفة بلجيكية منذاسبوع يخص مشاركة عسكريين بلجيكيين في عمليات في تونس. اعتقد ان تطوير قدراتنا العسكرية اولوي وهو امر ممكن عوض الاستعانة بقوات اجنبية على اراضينا. خاصة ان بلجيكا غير معروفة بتميز خاص في مقاومة الارهاب.
وكان الرئيس الباجي قائد السبسي المح في احد حواراته الاخيرة بعد العملية الارهابية التي استهدفت متحف باردو أنه يأمل في تفعيل الاتفاق مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) ما يجعل من تونس شريكا مميزا مثل الأردن ومصر في مجالات الدفاع والأمن والتنمية والتعاون. وحول التعاون مع فرنسا التي تمثل الشريك الأوروبي الأول لتونس، قال السبسي «إذا اقترحت فرنسا مرتبة الحليف المميز فسنقبل ذلك». في الحقيقة هناك "حوار متوسطي" ينشطه "الناتو" منذ سنين واخذ وتيرة سريعة منذ ربيع 2011 ويشمل دولا مثل تونس. ومن غير الواضح ما هي الالتزامات التونسية كـ"شريك مميز" ازاء دول "الناتو" في هذه الحالة. وهل يعني ذلك فتح المجال الجوي وحتى الترابي لعمليات يقودها "الناتو".
على كل حال من المعروف ان العقيدة العسكرية للجيش الوطني التونسي تقوم اساسا على رفض حضور اي قوات اجنبية على اراضيه. من جهة اخرى لن تكون السلطات الجزائرية مرتاحة لذلك وفق عقيدة "الوحدة الترابية" المستقلة السائدة في عقل النظام هناك. الجزائر التي تتقاسم معها تونس حدودا طويلة ومصالح مشتركة عميقة، ابرزها انبوب الغاز الذي يمر من الاراضي التونسية الى اوروبا، محدد اساسي في اي ترتيبات امنية في المغرب العربي.
أيضا من الضروري وفي سياق الوحدة الوطنية ان لا تقوم الحكومة باي تعهدات للاتحاد الاوروبي في السياق الراهن حيث الجميع مشدود برعب الى هجمات الارهاب.
امضاء وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش الاسبوع الماضي بروتوكول الاتفاقية مع الاتحاد الاروبي والذي مر في صمت ليس مسالة شكلية. في الفصل السادس من البروتوكول نجد تنصيصا واضحا على أن الاتحاد الاوروبي من حقه وفقا للبروتوكول القيام بمراقبة مالية مباشرة للمعاملات المالية للحكومة التونسية وتدقيقا فيها. للتذكير فإن البروتوكول لم يتم مناقشته ولا يخضع حتى الان لرقابة مجلس نواب الشعب رغم انه اصبح محل تنفيذ بمجرد توقيعه مثلما ينص الفصل العاشر من البروتوكول (نطالب الان بمراقبة وليس مصادقة حتى الان مثلما حاجج السيد زياد كريشان ردا على نص كتبته في هذه الصفحة). للتذكير ايضا المفاوضات مع الاتحاد الاروبي تم تسريعها بمجرد قدوم حكومة التكنوقراط.
امضاء البروتوكول يبدو في رأيي مرتبطا بالقرض الاوروبي الاخير. اذ انه يتيح للاتحاد الاروبي التدخل بشكل مباشر لمراقبة مدى تطبيق شروط القرض.
في نفس الزيارة الى بروكسل تعهد وزير الخارجية الطيب البكوش بامر اخر خطير لم تقبل به الحكومات السابقة وهو الموافقة على احتضان تونس "مراكز استقبال" للمهاجرين غير الشرعيين وهي تسمية ملطفة لمعتقلات المهاجرين غير الشرعيين. وهي عملية مناولة امنية لمصلحة الاتحاد الاوروبي. والمعروف ان هذه النقطة ورقة اساسية في التفاوض مع الاتحاد الاوروبي والتعهد بها بدون تطوير سياسة الهجرة في اوروبا واستقبال يد عاملة من جنوب المتوسط هو تنازل في غير محله. وهو ما يبرر وصف نشرية "افريكان انتليجانس" المختص في الاخبار السرية البكوش بـ"التلميذ النجيب" للاتحاد الاروبي.
يخلق الارهاب اجواء موضوعية تدفع الدول ذات الاجهزة الامنية والعسكرية الهشة الى مزيد التواكل والتعويل على القوى الغربية. في المقابل يستفيد الارهاب من اي تقارب مماثل لأنه يحقق نبوءته في "هجمة صليبية" وتلك اداة اساسية للتعبئة بما هي "معركة ضد الاجنبي". دائرة جهنمية في مصلحة الارهاب ويجب كسرها من خلال تفادي اهتراء السيادة الوطنية في هكذا ظروف. علاوة على انها لن تحل المشكل. التخوف المشروع من توسع الارهاب والحاجة للتعاون مع دول اخرى لتطوير القدرات الذاتية لا يجب ان تكون مصدرا في تراجع قبضة الدولة الوطنية.