قضايا وآراء

عاصفة الحزم.. هل تقود القمة العربية إلى تحولات كبرى؟

عاصفة الحزم
يعيش العالم العربي اليوم مشهدا سياسيا مختلفا عبر تدخل تحالف القوات العربية بقيادة السعودية في عملية أسمتها بعاصفة الحزم، تستهدف تمدد مليشيات الحوثي في اليمن.

وقد وصفت العملية العسكرية، والتي بدأت وظهرت في شكل تدخل جوي سريع، بالموفقة في طبيعتها وتوقيتها وعبرت قيادة المملكة عن الحال الذي وصلت إليه الحكومة الشرعية المطاردة في اليمن وطبيعة التعنت الحوثي الذي أدى بدوره للانسداد السياسي والعبث بأمن اليمن والدول المجاورة له، وفي الوقت الذي تتواصل فيه غارات التحالف العربي على مواقع حوثية يعيش الشارع العربي حالة تشبه في تعبيرها فرحة الناجي من خطر عدو طرق عليه الباب وسل سيفه لينقض عليه.

وبالتزامن مع القمة العربية في شرم الشيخ تدخُل الأمة العربية مرحلة تحول ضد عدو بان منه العداء حده حتى بلغ به إلى الاستيلاء على أربع عواصم عربية والوقوف خلف النظام السوري الفاشي وميليشيات عراقية تصبح وتمسي على إبادة أهل السنة، فعلى مدار قمم عربية مضت تأتي قمة هذا العام بحالة استثنائية وروح عربية مختلفة.

فقوات التحالف العربية تقود مواجهة ضد إيران في اليمن وإجماع شعبي يكاد يفجر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يقف وراء ما يصفه المغردون والمشاركون في هذه المواقع بحالة العزة وردع المارد والتفاف الجسد العربي على بعضه.

ولعل تلك الروح التي سرت في جسد كل عربي ظل ينظر للإرهاب الإيراني في المنطقة بعد عملية عاصفة الحزم تمثل اختبارا حقيقيا لقمة شرم الشيخ، فخلال أعوام سابقة وأطراف الجسد الإيراني تتمدد خاصة ما كان منها في العراق وسوريا والتدخل العلني في إدارة الصراع السوري ودعم الميليشيا الدموية العراقية قد ذهب بالمحللين السياسيين إلى القول بأن هذا التمدد والإرهاب لن يتوقف على تلكما البلدين.

والحقيقة هو ما أطلقته مرجعيات إيرانية وقيادات شيعية بأن القادم هي بلاد الحرمين الشريفين ويمكن أن يكون الإمداد الإيراني بالسلاح لجماعة الحوثي المنقلبة على الرئيس هادي واقترابها من السيطرة على عدن بمثابة رسالة واضحة للسعودية التي نادت بدورها للحوار والعودة إلى مربع الشرعية وإيقاف الحوثي مواصلته الاستيلاء على كل اليمن بعد أن سيطر على حوالي 70% من اليمن فبات التدخل حلا لابد أن يتجرعه الحوثي وقد أتت عملية عاصفة الحزم سريعة وبضربات مركزة كما جاء على لسان المتحدث باسم العملية.

على مشهد القمة العربية والتي يتوافد لها الزعماء العرب ومن ضمنهم منصور هادي الذي نأى بنفسه من مرمى الأحداث ولكنه يعيش في قلبها، تمر بالمنطقة العربية أحداث جسام كانت آخرها عاصفة الحزم وليس الصراع في سوريا والعراق واليمن بأولها لكن المثير هو رد الفعل العربي الذي حمله التحالف العربي الرامي لإعادة الشرعية في اليمن عبر ضرب قوة الحوثي المنتهكة لتلك الشرعية.

 فما كان من مبادرة سعودية ومشاركة من دول الخليج والأردن والسودان ومصر والمغرب ومساندة من تركيا وباكستان يعتبر جديدا بل محل إشادة في السياسة العربية تجاه ما يحيط بالمنطقة من أخطار وبالتحديد مشروع إيران الصفوي التوسعي، بل إن مجاوزة الحوار على الطاولة مع إيران والبحث عن حل دبلوماسي والحديث حول إنهاء لعب إيران بالنار في المنطقة إلى ضرب معاقل الحوثي الذي تسانده إيران والتوحد العربي العسكري يعد انتقالا من مقعد المراقب والمتفرج والخائب أحيانا إلى موقع لبس الخوذة وصنع الفعل ومع من؟ مع إيران.

بل ذهب الأمر إلى أبعد ما يمكن وصفه بالشجاعة العربية حيث أكد السيناتور الأمريكي جون ماكين إلى عدم علم الولايات المتحدة الأمريكية بعملية عاصفة الحزم في وقت ينتشي فيه الإيرانيون والأمريكيون بتقارب دبلوماسي يضفي على ملفات حساسة كالملف النووي الإيراني طابع الارتياح والسلوك نحو صفقات قادمة بين البلدين.

وتلك على حد قول السيناتور "هي المرة الأولى منذ أربعين عاما تقوم فيها قوى عربية بعملية كهذه من دون التنسيق معنا" فعلا هو فكر جديد لا يمكن الحكم عليه من خلال عاصفة الحزم ولكنه تطور استراتيجي في تحرك الدول العربية التي طالما باركت الأفعال الأمريكية في المنطقة دون أن تستقل في قرار حرب كهذا ووسام أيضا للعسكرية السعودية فقد صاحب ضربات عاصفة الحزم دقة عالية واستقلال في تحديد الأهداف.

ولربما انتشت السياسة العربية بهكذا فعل خاصة مع قيادة سعودية جديدة حملت في طيات فعلها الحزم ولعل تأكيد الملك سلمان في خطابه الأخير للشعب السعودي على سعيه نحو الوحدة العربية وتبني قضاياها قد برهنه فعل المبادرة السعودي.

تحول آخر ملحوظ قدمته لنا عاصفة الحزم وهو لغة الدفاع عن الشرعية وحماية الرئيس المنتخب حيث عاش اليمن موجة تقلبات من حين قيام الثورة الشبابية ضد حكم الرئيس المخلوع، علي صالح، كان خلفها المخلوع وتزعمها مع الحوثيين، وما يمكن التمسك به من خطاب دول التحالف العربي وفي مقدمتها السعودية هو الالتفات إلى إرادة الشعوب وخياراتها والعمل على عودة المياه إلى مجاريها.

والسعي لاستقرار البلاد العربية عبر فسح المجال لمن اختارته تلك الشعوب والقتال لأجل المحافظة على مكتسباتها وما أفرزته صناديق الاقتراع وعدم السماح لميليشيات دموية ذات ولاءات خارجية بالعبث بسلطات ومقدرات الدول العربية.

 ولعل ما تنتظره الشعوب العربية في قمة شرم الشيخ هو استمرار في سبيل مساعدة الشعب السوري للخلاص من حرب حصدت مئات الآلاف أمام مرأى العالم لسنوات خمس مضت، والشعب العراقي ليس ببعيد من تجبر ميليشيات تساندها إيران وتعمل على ترويع أهل السنة وروح الانتقام التي تحملها أسلحتهم تشير إلى مسلسل دموي مستمر ما لم تنهض القمة القادمة وتضرب على صدرها دفاعا عن أهل السنة والعرب.

ما يمكن الإمساك به أيضا من بوادر مذهلة لعاصفة الحزم هو قوة التكتلات وإن شئت فسمها تكتل القوى العربي والالتفاف الإسلامي على قضايا الأمن العربي، فالشكل الذي بدا فيه التحالف العربي عسكري هجومي يدافع عن مصالح شعب عربي، ومساندة كل من تركيا وباكستان قد أغلق الطريق أمام إيران.

فيمكن القول بأن سياسة التحالف السعودي الخليجي العربي ومنطلقه بات إيجابيا عبر اختيار روابط تمثل مصالح مصيرية وإستراتيجية للعرب ولباكستان وتركيا، وما يجب أن يتلوه مقرر القمة العربية في شرم الشيخ هو الدعوة لحلف استراتيجي عميق يمثل العرب منه جانبا وثقله الآخر تمثله تركيا وباكستان انطلاقا للدفاع عن مصالح الأمة العربية والشرق الأوسط .

ما يجب على قادة الدول العربية هو النظر في مصالح دولهم الإستراتيجية والإقليمية والعمل على تأسيس جبهة موحدة ليس من باب النفل بل هو صلب عمل المرحلة، وما يسير إليه وضع المنطقة لا يحتمل التأخر في قرار مثل هذا، ولعل القدرة على خلق أفق عربي جديد موحد يرسم بيده ويلون بيده لا بيد غيره هو أمل الشعوب العربية فمستقبل الأمة العربية سيحدد لها إن لم تسعى هي لتحديده وتقوده قبل أن تقاد إليه.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع