انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية، مشروع القانون الجديد للحكومة
التونسية والمتعلق بمكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أن "بعض أحكام القانون المقترح يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
وأوضحت المنظمة، في تقرير لها، الأربعاء، أن مشروع القانون "يسمح بتمديد فترة الإيقاف على ذمة التحقيق، ويقلل من ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص المتهمين بجرائم الإرهاب، وينص على عقوبة الإعدام".
وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إريك غولدستين، إنه "من الضروري أن تتخذ تونس جميع الخطوات الممكنة لمواجهة الإرهاب وحماية السلامة العامة، ولكن بعض أحكام القانون المقترح يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
وأضاف غولدستين أن "احترام حقوق الإنسان يجب أن يكون في صلب القانون، بغية إنجاح جهود مكافحة الإرهاب".
واعتبر أن "الجهود التي تبذلها تونس لتعزيز دولة القانون بعد الانتهاكات في عهد (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي، ستخطو خطوة إلى الوراء إذا اعتُمدت المقترحات الجديدة لمكافحة الإرهاب في شكلها الحالي".
وأشار إلى أن "التدابير التعسفية، مثل الإعدام، والاحتفاظ المطول علي ذمة التحقيق، لا مكان لها في تونس الجديدة، حتى لو كانت بغية مواجهة هذه الهجمات الجديدة البشعة".
ولفت التقرير إلى أنه "وبالإضافة إلى عقوبة الإعدام، وطول مدة الاحتفاظ التي لا تتماشى مع المعايير الدولية، يُبقي مشروع القانون على بعض العيوب من مشروع القانون السابق، إذ يمكن لتعريفه الواسع والغامض للنشاط الإرهابي أن يسمح للحكومة بقمع مجموعة واسعة من الحريات المحمية دوليا".
وتابعت المنظمة: "يمكن استخدامه -على سبيل المثال- لمقاضاة مظاهرة عامة، أدت إلى الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة، أو تعطيل الخدمات العامة، على أنها عمل إرهابي".
من جانبها، تحفظت وزارة العدل التونسية عن إبداء رأيها فيما جاء في بيان "هيومن رايتس ووتش"، وقال مكتب الإعلام بالوزارة إن "تركيزنا منصب حاليا وبصفة كلية على مشروع القانون".
وأرسلت الحكومة مشروع القانون إلى البرلمان في 26 آذار/ مارس الماضي، عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف متحف باردو الوطني بالعاصمة تونس، وأسفر عن مقتل 24 شخصًا، من بينهم 21 سائحًا أجنبيا.
ولم يحدد البرلمان بعد سقفا زمنيا للنظر في مشروع هذا القانون، الذي سيحل محل القانون الحالي الذي تم سنه في 2003.
وخلال الأشهر الماضية تعالت أصوات نقابية وحقوقية في تونس تدعو إلى التسريع في المصادقة على قانون لمكافحة الإٍرهاب، لـ"توفر الحماية القانونية للأمنيين والقضاة".
ويعوض القانون الجديد لمكافحة الإرهاب قانون 10 كانون الأول/ ديسمبر 2003، الذي أصدره نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، وأودع بمقتضاه آلاف الشبان وخصومه السياسيين السجون بتهمة الانتماء إلى مجموعات إرهابية.
ويضم قانون مكافحة الإرهاب 136 فصلا، ناقش نواب المجلس الوطني التأسيسي(البرلمان السابق) ما يقارب عن 40 فصلا منها.
وفي السياق ذاته، قال أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، إن القضية ذاتها أثيرت منذ يومين في ماليزيا، إثر المصادقة على قانون جديد لمكافحة الإرهاب أثار الكثير من ردود الأفعال، خاصة فيما يتعلق بعدم تحديد مدة الإيقاف التحفظي.
وأضاف سعيد: "في تونس تطرح القضية أيضًا من جهة احترام حقوق الإنسان، وضمان محاكمة عادلة، وإجراءات تسبق المحاكمة، تضمن فيها حقوق كل الأطراف".
وأشار سعيد إلى أن "قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003، الذي لا يزال ساري المفعول، وعلى الرغم من عديد الثغرات فيه، لم يؤد للحد من الظاهرة الإرهابية".
واعتبر سعيد أن التشريعات ضرورية، وأن القانون المتعلق بمكافحة الجريمة يجب أن يوضع بشكل يقوم على مقاربة جديدة تنظر في الأسباب العميقة للظاهرة الإرهابية.
وبحسب مراقبين، يعدّ مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب "أسوأ" من الذي سبقه من ناحيتين؛ إذ يسمح مشروع القانون للشرطة باحتجاز المشتبه بهم على ذمة التحقيق لمدة تصل إلى 15 يوما بموافقة من النائب العام، ودون عرض الشخص على القاضي.
كما لن يُسمح للمشتبه بهم خلال ذلك الوقت بالتواصل مع محامين أو الاتصال بعائلاتهم، ما يزيد من خطر التعرض للتعذيب.
فيما يسمح القانون التونسي حاليا للسلطات باحتجاز المشتبه بهم، بمن فيهم أولئك المتهمون بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب لمدة أقصاها ستة أيام.
من ناحية ثانية، يقضي مشروع القانون كذلك بتسليط عقوبة الإعدام على أي شخص أدين بارتكاب عمل إرهابي أدى إلى وفاة، على الرغم من إيقاف تونس لتنفيذ أحكام الإعدام منذ 1991.
وحافظت النسخة الجديدة على التحسينات التي جاء بها المشروع الذي ناقشه البرلمان في 2014، مقارنة بقانون 2003.
وتشمل هذه الأحكام التعويض الذي من شأنه تقديم الدعم لضحايا الإرهاب، بما في ذلك الرعاية الصحية المجانية في المستشفيات العامة والمساعدة القضائية، وفرض الحظر على الترحيل أو تسليم المشتبه بهم إلى بلدان يمكن أن يتعرضوا فيها للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة غير الإنسانية.