كتب إبراهيم قرة غل: في ظلّ التطوّرات والأحداث المتزاحمة التي تعيشها المنطقة وتركيا، يحاولُ المتآمرون في الداخل التركيّ مع حلفائهم وأسيادهم في الخارج قطع كلّ يدٍ تركية تدخل لنشر الطمأنينة في أيّ مكان كان. بحقدهم الكبير يحاولون تدمير الاقتصاد التركيّ وإزالة كل أثرٍ إنسانيّ نقشته
تركيا على مدى عقود. إن مشروعهم يعوّل على تخريب الانفتاح الجيو سياسي لتركيا بإنشاء منطقة شبيهة للحقبة التي تلت الحرب العالمية الأولى. فبإشعالهم المنطقة كانوا سيشعلون تركيا، وكلما زادوا في خراب تركيا كان سيزيدون من خراب وفوضى المنطقة بأسرها. انقسام الدول الكبيرة ونشر النزاعات ضمن كل دولة هو جزءٌ من سياساتهم التي يتبعونها معنا.
في هذا العصر لم نرَ سوى مشاريع واستراتيجيات الأمن والديمقراطية وتحوّل المنظمات الأهلية إلى رؤوس أموال واستثمارات الثقافة الإرهابية التي يتاجرون بها، والنزاعات الطائفية والسياسية، واعطاء الشرعية للمنظمات الإرهابية، وتغيير أنظمة بأكملها... كل هذه اللوحة السوداء نراها الآن أمام أعيننا ونتعايشُ معها.
هذا النوع من الظلام شاهدناه قبل مئة عام. عندما كانوا يتقاسمون تركات الدولة العثمانية، كانت تركيا في قلب الحدث آنذاك. وكما في الأمس فإن تركيا الآن في قلب الحدث كما كانت، يحاولون رسم الخريطة الجديدة للمنطقة عبر تركيا. لذلك فالدور التركيّ مهمٌ جداً، ولذلك فإنه يجب على تركيا ألا تخسر أمام أعدائها لأن مصير المنطقة متعلقٌ بها. إن نجحت تركيا في صدّ كلّ
المؤامرات فإن المنطقة ستنجو من مؤامرة كبرى برمّتها. وإن خسرت فستخسر معها. فدولُ المنطقة متعبة منهكة لا تجد وقتاً للوقوف، وبخاصة أن أمامها تحدياتٌ كبيرة مثل قوى الوصاية عليها ومنظماتٌ تتصارع معها منذ زمن، وهي لا تملك القدرة على مواجهة الجميع. لذلك هم يحاولون ضرب تركيا من الداخل بمحاولاتهم الانقلابية مرّتين، وزرع النزاعات والشروخ بين الشعب.
من هم الذين يحاربون تركيا من الداخل؟ منذ تأسيس الجمهورية التركية تحاول بعض القوى التي لديها تأثيرٌ كبير في الدولة ضرب تركيا من الداخل مع أعوانهم من طبقة ما يُسمى بعائلات النخبة. وهم في تنسيقٍ تام مع العملية الانقلابية الأخيرة الفاشلة عام 2013، ومع الدعم والزخم الإعلاميّ الكبير حاولوا التسلّق على شرعية الشعب. والآن يشّنون حرباً قذرة جديدة ضدّ تركيا. وهذه الحربُ التي يخوضونها لا تملك هوية سياسية فهي ليست يسارية أو يمنية أو إسلامية! إنما هي حربٌ مفتوحة على جميع الجبهات من الإعلام والطائفية والمنظمات الأهلية منها والسياسية. والآن أصبحنا نشاهد عودة الانقلابيين الذي أعدموا رئيس الوزراء الأسبق عدنان
مندريس. هؤلاء
الانقلابيون يبحثون الآن عن قائدٍ جديد ليعدموه كما أعدموا مندريس.
يحاولون زرع الفتنة والشبهات في رأس كل فرد عبر جيوشهم الجرّارة من الإعلاميين. شاهدناهم في أحداث حديقة غزي بارك، وكانوا ينتظرون أن تقام المحاكم الاستثنائية ويحاكم الحاكم الذي اختاره الشعب بالإعدام الميدانيّ التعسفي. وبالدعم الذي أتى من وراء الأطلسي، حاولوا أن ينفّذوا تلك الأحكام التعسفية.
هؤلاء الذين يتّهمون بعض الإعلاميين بالعمالة للدولة، لم يتذّكروا أنهم كانوا عملاء للإعلام الأجنبي وصوّروا الواقع وهم يحاولون قلبه ليصيغوه بلغةٍ جديدة بعيدة عن الأخلاقية والمهنية في العمل الإعلامي، وقدّموه على طبق للمتآمرين على تركيا. وكما قلنا، فإن أيديهم متلطخة بدم مندريس، وبمجرد التطرق لهذا العنوان نراهم في حالةٍ من الهلع والرعب والاتهامات والشتائم! لكن لماذا يهلع هؤلاء عند ذكر قضية إعدام مندريس؟ الجواب بسيطٌ جداً؛ لأنهم خائفون من أن تنكشف ألاعيبهم وخططهم الانقلابية أمام الشعب.
رأينا منهم الهلع عندما قامت صحيفةٌ بنشر وثائق تعود لتلك الحقبة، وكيف أنهم سارعوا إلى السخرية السياسية لتغطية تآمرهم القبيح على الدولة. وذلك الهلع أتى بمجرد وثيقةٍ واحدة نشرتها صحيفة، فما بالك بوثائق تتعلق بالانقلاب وخطط الاستحواذ على رأس مال الدولة والرسائل السريّة المشفرة بينهم، وأجهزة التنصّت لبعض رجالات الدولة وآثار الدولة العميقة فيهم..؟ كل هذه المواضيع هي قيد البحث والأيام ستُظهر لنا المستجدات القادمة.
(عن صحيفة يني شفق- ترجمة وتحرير: تركيا بوست، خاص لـ عربي21)