سياسة عربية

إعدامات "بالجملة" في مصر و"غياب لضمانات العدالة"

صدرت أحكام قضائية عديدة بالإعدام بحق 717 من معارضي نظام السيسي - أرشيفية
أثار قرار المحكمة المصرية، القاضي بإعدام دفعة جديدة من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، والحكم على آخرين بالسجن المؤبد في القضية المعروفة إعلاميا بـ "غرفة عمليات رابعة"، جدلا واسعا حول الغاية من وراء ما وصفه ناشطون وخبراء في مجالي القانون وحقوق الإنسان بـ "نهج التصفية المتعمد" بحق معارضي الانقلاب.

ومنذ الانقلاب على النظام المصري المنتخب برئاسة محمد مرسي في الثالث من تموز/ يوليو عام 2013، صدرت أحكام قضائية عديدة بالإعدام بحق 717 من معارضي نظام السيسي، تم تنفيذ حكم واحد منها، إلى جانب سجن أكثر من 1118 معارض آخر، بحسب ما أكدّته تقارير حقوقية محلية ودولية مثل "منظمة العفو الدولية".

4 إعدامات بحق بديع

وكانت آخر حلقات مسلسل قرارات الإعدام في مصر، ما أصدره القاضي محمد ناجي شحاته أمس السبت (12|4)، بحق 14 من قيادات الإخوان، أبرزهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، ليرتفع رصيد الأخير من أحكام الإعدام شنقاً إلى أربعة، بالإضافة إلى قرارات أخرى بسجنه لمدة 104 سنوات، في ست قضايا، يمثل بموجبها أمام المحاكم المصرية، فيما لا يزال متهماً في 34 قضية أخرى لم يصدر فيها أي حكم بعد.

من جانبه، قال خبير قانوني إن ما صدر بحق مرشد جماعة الإخوان، من أحكام متكررة بالإعدام والسجن، يعبّر عن "خلل قانوني"، نظرا لأن الحكم في التهمة ذاتها يستوجب صدور حكم قضائي واحد فقط، معتبرا أن السلطات المصرية تتعمّد ذلك لـ "أسباب سياسية".

وكان حكم الإعدام الأخير بحق بديع هو الأول الذي يتم إصداره بحقه حضوريا، بعد أن قررت محكمة النقض إلغاء حكم مماثل عليه بالإعدام غيابيا في "قضية العدوة"، فيما صدر حكمان آخران غيابيا، ومن المقرّر إعادة النظر فيهما في جلسات مقبلة يمثل خلالها مرشد الجماعة أمام هيئة المحكمة مرتديا زي الإعدام الأحمر.

وجاءت أحكام السجن والمؤبد على المرشد العام في أربع لـ"بحر الأعظم" وأخرى بتهمة إهانة القضاء خلال محاكمة مرسي في قضية "اقتحام سجون"، والأخيرة المعروفة إعلاميا بقضية "أحداث مسجد الاستقامة".

ومن المفارقات في محاكمات رموز الإخوان أن المستشار محمد ناجي شحاته، الملقّب بـ"قاضي الإعدامات"، هو من أصدر الأحكام التي تصل إلى 50 سنة سجنا وحكما بالإعدام بحق المرشد العام للإخوان، كما أنه من قام بإحالة ملف بديع إلى مفتي الجمهورية مرتين، تم تأييده في واحدة فقط، تمهيدا لتنفيذ قرارات الإعدام بحقه.

الإعدام أم المصالحة

رأى الخبير القانوني المصري، السيد أبو الخير، أن الأحكام بحق قيادات الإخوان هي "سياسية"، وأن والغرض منها هو الضغط على الجماعة لـ "القبول بمصالحة ما"، مشيرا إلى أن "العرف القانوني هو صدور حكم واحد على المتهم بعدة اتهامات لا تكرار أحكام الإعدامات كما يجري حالياً، وهو ما يعني تعمّد السلطات فعل ذلك لأسباب سياسية"، وفق تقديره.

وقال أستاذ القانون الدولي في تصريحات خاصة لـ "قدس برس"، "المعروف قانونا والثابت قضائيا أن المتهم المرتكب لعدة جرائم يحكم عليه بعقوبة الجريمة الأشد، وإذا كانت عقوبة الجريمة الإعدام يحكم عليه بها مرة واحدة، فهي تحجب كافة العقوبات الأقل منها".

وأضاف: "تعدّ المحكمة الجرائم الأخرى التي ارتكبها المتهم بالإضافة للجريمة التي عقوبتها الإعدام ظروف مشددة، وتحكم على المتهم بعقوبة واحدة فقط، وهي عقوبة الإعدام عن كل الجرائم، أما أن يحكم على متهم أربع مرات بالإعدام، فهذا ما لم تشهده أي محكمة في العالم"، وفق قوله.

وأشار أبو الخير، إلى أن "أحكام الإعدام التي صدرت في قضية غرفة عمليات رابعة هي أحكام سياسية، للضغط على الإخوان لقبول المصالحة، وتهدئة المظاهرات أو منعها"، معتبرا أن هذا "خطأ مهني جسيم من القاضي يستوجب العرض على لجنة الصلاحية (لجنة بوزارة العدل لمحاكمة القضاة)"، حسب رأيه.

تنديد حقوقي دولي


وقّعت منظمات حقوقية دولية، مقرّاتها في أوروبا، على بيان تندّد فيه بانتهاكات الإجراءات القانونية القضائية في المحاكم المصرية، على حد قولها.

واعتبرت المنظمات أن الأحكام الصادرة عن محكمة "جنايات القاهرة" في قضية "غرفة عمليات رابعة" التي طالت 51 مصرياً (14 حكماً بالإعدام، و37 بالسجن المؤبد) بينهم قيادات في جماعة الإخوان المسلمين وإعلاميين وناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، هي بمثابة "انتهاك صارخ للعدالة، وخلل معيب في الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها القضاء"، وفق تعبيرها.

وأشارت المنظمات في بيانها إلى أن الإجراءات، التي اشتملت عليها المحاكمة منذ بدايتها وحتى صدور الحكم فيها، تضمنت "خروقاً فاضحة لمعايير المحاكمة العادلة، حتى أنه لم يتم إحضار المعتقلين من مقر اعتقالهم في جلسة النطق بالحكم، وأن بعض المحالين لم تُسمع مرافعتهم".

وأضافت: "الأحكام التي صدرت السبت هي أحكام يغلب عليها الطابع السياسي، ولا تتوفر على أي أساس قانوني، كما أن هناك شكوكا كبيرة في استقلال وحيادية القاضي الرئيسي محمد ناجي شحاتة، حيث كان أفصح أثناء جلسات المحاكمة بقناعته بإدانة المتهمين حتى قبل اكتمال مرافعاتهم، وهو نفسه الذي كان أصدر مئات أحكام الإعدام في مصر خلال الأشهر القليلة الماضية، وصلت مع أحكام السبت إلى 210 حكما بالإعدام، وقد سبق لمحامي الدفاع أن طلبوا تنحيته عن نظر القضية، لعدم الحياد"، وفق ما جاء في البيان.

ودعت المنظمات الدولية السلطات المصرية إلى إعادة النظر في هذه الأحكام، كما ناشدت المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالاعتقال التعسفي، والمقرر الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان، إلى التدخل لدى السلطات المصرية وضمان الإفراج الفوري عن المتهمين، ولا سيما الإعلاميين منهم وأصحاب الرأي، إلى جانب تعويضهم "تعويضاً عادلاً".