كتاب عربي 21

فاروق الشرع: دخيلكم.. لا تجعلوني منتحراً

1300x600
يريد الشرع من خلال الرواية أن يسجل شهادة "خارجية"، ويكاد يتضرع فيها لمن يحاصرونه، مذكراً بشخصية المسرحية الشهيرة عباس التي كان فيها يردد عبارة: "أنا فاروق.. وزير الخارجية اللي تحت"، لكنه في ملتي واعتقادي التي لا ينفع فيها "نوح باك، ولا ترنم شاد" أنّ الرجل يريد أن يقول إنّه  كان من صحابة الرئيس "رضوان الله عليهم"، وشاهده مرة بالروب دي شامبر، ولا يستحق أن يموت تحت التعذيب، أو أن ينتحر برصاصتين. والرجل يعتبر نفسه من "آل البيت"، فهو يذكر الرئيس بلا كلفة، غير مسبوق بلقب "السيد"!

 سأقوم بتلخيص رواية الشرع المفقودة على طريقتي، فكل ما ورد فيها من وثائق مهمة حول مفاوضات السلام، في فنادق الخمس نجوم، والتي عبر فيها فاروق الشرع أكثر من مليون كيلومتر بين الغيوم، ومدريد، وواشنطن والعواصم العربية، والفندق الأخير الذي لم يكن به لوحات وأثاث... لا تهم السوري في شيء، وباتت معلومات  لمتاحف الشمع. 

 وأنا أؤمن مثل ملايين المراقبين العرب والمسلمين، أنّ المفاوضات مع إسرائيل علكة، وعليها يمكن تفسير أسباب شيوع صناعة العلكة في سوريا، وتطورها إذ كانت هي سيدة الإعلانات التلفزيونية، ولها أنواع في سوريا تفوق الأنواع الأمريكية، وإن كانت لا تغسل غضباً أو تخفف توتراً، لذلك لاتهم السوري وقائع التفاوض البعثية العبثية،  والتي من خلالها يبين الشرع أنّه وزير خارجية قدير، وصاحب طرفة يحل بها المشاكل الدولية!

ما يهم السوري من الكتاب بضعة وقائع داخلية، أولها أنّه ابن موظف جوال دار القطر كله، وحفظ بضعة أجزاء من القرآن، وهو يرسل من خلال المعلومة رسالتين، الأولى: هي أنّ القرآن "فولكلور". و الثانية: هي أنّ الله نزّل الكتاب من أجل تقويم اللسان، لا من أجل شيء آخر. والثالثة: أنّه رجل لا يعرف من القرآن كثيراً، مع أنّه حفظ بضعة أجزاء عند "الخجاية" التي تعني الكتّاب، فلا تزال هناك أشياء لايفهمها، لكنه بطل في فهم الدبلوماسية العالمية!

ودليل علمانية الرجل أنّه يستغرب طلب الرئيس النيجري حسين كوتشي، الذي زار سوريا في 1980، وطلبه زيارة مقام  الصحابي (من غير رضي الله عنه طبعاً)، فاستغرب الشرع الذي دار سوريا، أنه لم يسمع بمقام بلال الحبشي! ويروي بحياد علماني من طراز فولتيري، كيف أنّه راقب صلاة الرئيس النيجري، ودعاءه الخاشع عند المقام! 

 فالرجل يفصل بين المقام والمقال، وبين الدين والدولة، وبين بلال الحبشي وكوتشي النيجري!.
 والكتاب، غير التوثيق الجيد للمفاوضات، مكتوب للثأر من جهة، وللتملق الحصيف، من جهة أخرى، فالكاتب لا يترك مناسبة، إلا وينتقم من عبد الحليم خدام، الذي حل الشرع محله لاحقا في منصبي وزير الخارجية، ونيابة الرئيس، وغالباً ما يذكره بكنيته "خدام"، بتشفٍ مبطن، فيشير إلى تملقه لجماهير الحزب، ولرفعت الأسد، ويروي بانتشاء حكاية خطف "شيخ عين التينة" لسُبحة غالية، يعادل سعرها آلاف الدولارات، من يد علي عبد الله صالح، الذي طارده لاستخلاصها، لكن من يسبق يأكل البندق.

 يكرر أكثر من مرة أنّه ليس بينه وبين رفعت شيء، أما الهجاء الناعم فيرويه، كناقل على لسان حافظ الأسد، وناقل الكفر ليس بكافر، و المعلومة المروية هي أنّ رفعت الانقلابي، ليس أكثر من متورط طائش، وليس متآمراً، ولم يذكر أي شيء عن سكوت الرئيس لنهب أخيه البنك المركزي السوري، ولا المذابح التي ارتكبها (بأوامر منه) مع إشارة إلى طموحات تجارية "شرعية" لعائلة الشقيق المدلل.. ويذكر كيف نجا الأسد من محاولة الاغتيال في المطار بقنبلة بدائية، وكبر يومها في عينه، كما كبر جمال عبد الناصر، ولعلها كرامة من كرامات الرئيس، الذي نجا.... لقد "قام.. حقا قام".

 كما يذكر مصرع باسل الأسد في صفحة واحدة، مبدياً أسفه وألمه، ويقرر أنّه حادث، وليس محاولة اغتيال، من غير ذكر لأسباب الحادث، السرعة والتهور مثلاً، ويقول أنّ الأسد أبدى صلابة إيمانية، ولم يخلط بين الألم الشخصي، وعمل الدولة، هذا على صعيد الخارجية، أما الشعب، فقد بقي أربعين يوماً محنطاً في البيوت، وخيام العزاء، والحج إلى القرداحة  معبراً عن الحزن "العفوي" على ولي العهد الجمهوري!

 يسخر الشرع من دكتاتورية حسني الزعيم، والشيشكلي، ويلمح عدة مرات إلى تواضع الأسد، وتجواله من غير حرس، وعيشه في بيت فقير، ولا يذكر شيئاً عن صلاح جديد، تلميحاً على الأقل، وضرورة محاكمته، أو يشير  إلى موته  في السجن، ولا إشارات إلى صور وأنصاب الرئيس المتواضع  الفخمة، ولا إلى هدر أموال الشعب في الاحتفالات و العزاء!

الرجل في المذكرات: يمشي جنب حيط الخارجية، ويقول يا رب السترة، ويرصد المذكرات بمعظمها  للصراع العربي الإسرائيلي والجولان، الذي لو عاد لكان مدمراً مثل بقية المدن السورية بالبراميل، وهو يستهبل علينا، عندما يقول إنّ مؤتمره الصحفي الصاخب في اتحاد الكتاب العرب بعد مؤتمر مدريد، لم ينقل عبر التلفزيون السوري! وببساطة كان النظام حريصاً ألا يغني مطرب سوري مثل شعبان عبد الرحيم أغنية مشابهة لفاروق الشرع.

  كما أنّه يثني على جهود حسن هويدي النائب العام السابق للإخوان المسلمين في إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا، واقتراب أربكان من حل المشكلة العالقة بين النظام والإخوان، لولا المتطرفين من الطرفين! وهذا غير صحيح  بشهادة عبد الفتاح أبو غدة، وعصام العطار. ويسرد جانباً من اتفاقية أضنة، واضطرار الأسد إلى إخراج صديقه أوجلان، "المقاتل من أجل الحرية" مكرها! 

فالحرية، التي هي شعار من شعارات البعث، كانت في سورية بالقناطير المقنطرة! ويقول أنّه جامل مطالبات تركيا بحل مشكلة أجانب تركيا (الأكراد غير المجنسين)، لكنه يذكر تململ الأسد من استجابة طلب مسعود يلماز التوسط لدى بلغاريا، التي كانت "تبلغر" الأسماء الإسلامية، فالأسد  كان بسبب "معاشرته لبعض المؤرخين والأكاديميين"، وليس لأنّه علوي، يكره الدولة العثمانية السنية الاحتلالية. لكن الشرع يزعم أنّه أقنع الرئيس بالشفاعة لدى البلغار، فالأسماء القومية والإسلامية في النهاية حق طبيعي للشعوب، مغفلاً أنّ الكرد كانوا ممنوعين من الأسماء الكردية، فضلاً عن  الجنسية التي كانوا محرومين منها. 

 يختم النائب السابق، بوفاة الأسد وتوريث الابن، ويزعم أنّه  كان فكرياً ضد التوريث، لكنه بسبب ذكريات محاولة انقلاب رفعت الأسد، والبشائر التي حملها بشار بالإصلاح والتحديث.. وافق.

قد نكتشف يوما أنّ اسمه هو محمد فاروق الشرع، كما كان اسم خصمه عبد الحليم خدام الجامع!
"يا مسكين يا أبو مرعي شو  وجعو تقيل".