يخرج السيد
خامنئي المرشد الأعلى للثورة
الإيرانية ويتباكى على شعب اليمن ويصف (
عاصفة الحزم) بأنها حرب إبادة ضد المدنيين تشنها السعودية وحلفاؤها ضد الشعب اليمني المسكين ويقول إن العالم لا بد أن يرفض هذه المجازر ويؤكد أن إيران لم تتدخل في اليمن وأنها بعيدة عن هذا الصراع!
جاءت تصريحات السيد خامنئي متزامنة مع إعلان القبض على ضابطين إيرانيين يشاركان في المعارك جنبا إلى جنب مع
الحوثيين الموالين لإيران سياسيا وعقائديا، لو قال رجل سياسة ما قاله خامنئي لاعتبرناه عاديا لأن أغلب أهل السياسة كاذبون يلوون عنق الحقائق ويجعلون الضحية مجرما والمجرم قديسا ، لكن الرجل هو أكبر مرجعية دينية في إيران وحين يخرج ليقول هذا الكلام فإن المنطق يفقد القدرة على الدهشة
يقول خامنئي إن عاصفة الحزم تمثل (بدعة سيئة في المنطقة) من التدخل في شئون الدول و تحدى إرادتها ، ويصف العملية بأنها (جريمة وإبادة بشرية قابلة للملاحقة الدولية) ويقول إن أمريكا – التي زج بها في حديثه – بدلا من أن تنصر المظلوم إذا بها تدعم الظالم
والحقيقة أن الرجل قد صدق في كل ما قال لو كان يتحدث عن بلاده التي ينطبق عليها كل ما قاله، فالتدخل في لبنان والعراق وسوريا هو بدعة سيئة سنتها ايران التي صارت أذرعها في البلاد العربية معاول هدم وتدمير وبث للكراهية والطائفية المقيتة ، وما فعلته الميلشيات الشيعية في العراق وما فعله حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا جريمة وإبادة بشرية توجب تقديم السيد خامنئي وأحمد نجاد وكذلك روحاني وكل رؤوس الدولة الإيرانية لمحاكمة دولية كمجرمي حرب شاركوا في دعم سفاح سوريا وفي سفك دماء السوريين وإبادة أطفال سوريا وهذه جريمة مستمرة منذ ثلاثة سنوات حتى الآن باعتراف ايران وحزب الله بكل فجاجة ، كذلك فبدلا من أن تقف ايران – التي ترفع شعار الثورة الإسلامية وتحرير الشعوب – مع الشعب السوري الذى ثار من أجل الحرية إذا بها تنحاز للنظام السوري القاتل وتمده بأشد وأفتك أدوات القتل التي ذبح بها ما يزيد على ربع مليون مواطن سوري !
صدق خامنئي.. فالتدخل في شئون الدول الأخرى أمر سلبى ودعم الحوثيين الذين يمثلون أقل من 10% من الشعب اليمنى وتسليحهم وإغراءهم بممارسة البلطجة ضد شعب بالكامل والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وتحت ضغط الإرهاب وترويع المدنيين هو شيء نبيل من وجهة السيد خامنئي الذى تتساقط دموعه على أطفال اليمن الذين إن سقط منهم شهداء فدمهم في رقبة من أشعل اليمن ومزق شعبها ، أما أطفال سوريا الذين يقتلهم حليفه بشار ببراميل البارود المتفجر وبغاز الكلور السام فهؤلاء يستحقون القتل من وجهة نظره !
إن لم تستح فقل ما شئت وافعل ما شئت !!، ارفع شعارات الثورة الإسلامية وتاجر بشعارات تحرير الشعوب المضطهدة وبعداءك لإسرائيل وأمريكا بينما أنت تنفذ مخططا لن يستفيد منه سوى هؤلاء ، قمت بتفكيك ثاني أقوى دولة عربية وهى العراق ثم انتقلت إلى سوريا وجعلتها محطة لتلاقى القتلة من كل اتجاه وزرعت البغضاء والكراهية بين أبناء الشعب اليمنى وتحالفت مع ديكتاتور قاتل للاستيلاء على السلطة ثم تأتى بعد ذلك وتتحدث عن المبادئ والقيم والسلام ، فأين حمرة الخجل ؟
صناع السياسة الإيرانية أصابهم الصلف والغرور وظنوا أن الإقليم قد دان لهم بالولاء ورضخ لبلطجتهم وممارساتهم لذلك جاءت عاصفة الحزم لطمة قوية لم يتوقعها النظام الإيراني ، أيا كانت النجاحات أو الإخفاقات التي منيت بها العملية المستمرة حتى الان فإنها تكتب صفحة جديدة من تاريخ المنطقة العربية ومن علاقة العرب بإيران ، عاصفة الحزم لن تكون عاصفة لحظية تنتهى تأثيراتها بانتهاء الحرب لكنها كرة لهب انطلقت ولن تتوقف قبل أن تعيد التوازن لمعادلة القوى في المنطقة
لم يعد ممكنا حتى بعد انتهاء الحرب في اليمن استمرار الوضع في سوريا كما هو الأن ولم يعد ممكنا أن يظل المشهد العراقي بنفس التفاصيل الدامية التي تقطر فيها دماء العراقيين السنة ، كذلك لم يعد ممكنا أن تظل داعش وأخواتها تستبيح بلادنا العربية بهذه الفجاجة والدموية
عاصفة الحزم يجب أن تكون نقطة انطلاق لبناء نظام عربي جديد يحمى المصالح العربية ويوقف مخططات تغيير خرائط الشرق الأوسط وهذا لن يتأتى دون توحد عربي حول البديهيات على الأقل وإدراك أن أوراق القوة هي المحدد الأول لمصير أي تفاوض وأي تسوية والعالم لا يحترم إلا الأقوياء ولا يستمع لصراخ المستضعفين والمنهزمين وشكواهم ، إيقاف المشروع الإيراني وغيره من المشاريع المضادة لن ينجح مع قهر الشعوب داخليا وتمزيق الصف الوطني والتعامل مع الديموقراطية كوباء مرضى نحاول الفرار منه ، كل من يعتقد إمكانية بناء نظام عربي جديد بنفس المعطيات التي أدت لانهياره لن ينال إلا مزيدا من السقوط والتردي والتيه الذى يسمح بتمدد الأخرين
إذا كان ثمة حديث عن روح شابة تحرك المشهد العربي الآن فلا بد من الحذر من الوقوع في أخطاء الأجداد والإباء الذين أورثونا هذا المشهد البائس ، التصالح مع الروح التي صنعتها ثورات الربيع العربي واحتضانها والبناء عليها هو ما سيخلق حياة جديدة للعرب أما الاعتقاد أن روح الربيع العربي هي الخطر على العروش وكراسي الحكم وبقاء الدول فهي المغالطة الكبرى لأن انهيار الدول سببه الأول الاستبداد وغباء السلطة وعجزها عن استيعاب جميع الأطياف وممارستها القمع وغرورها بقوة البطش وتوظيف كل الأدوات لقهر الناس وإذلالهم ، إذا لم يستطع العرب اليوم بناء نظام عربي جديد يراعى هذه المعطيات فهناك انفجار كبير ستشهده المنطقة العربية وسيكون تفكيكا وإعادة تركيب ورسما لخرائط جديدة قد لا يتخيلها أحد لكنها ستكون الواقع الجديد الذى سيفرض نفسه على الجميع.