نشر "المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية"، بالقاهرة، ترجمة لمقالة صدرت في مجلة "شؤون الخارجية" (Foreign Affairs) الأمريكية، عدد شهري آذار/ مارس الماضي ونيسان/ أبريل الجاري، اعتبرت أن الاستراتيجية المعتمدة حاليا في الحرب على "تنظيم الدولة" لن تحقق أهدافها.
المقالة التي كتبتها "أودري كورث كرونين" واطلعت عليها صحيفة "عربي21"، ترى أن تنظيم الدولة ليس تنظيما إرهابيا مثل تنظيم "القاعدة"، ولكنه أصبح "شبه دولة" يقودها جيش اعتيادي، وتستولي على أراض في العراق وسوريا، وتسيطر على خطوط اتصال وبنية تحتية للقيادة، وتمول نفسها.
وترى "كرونين" في المقالة التي عنونتها بـ"داعش ليست منظمة إرهابية.. لماذا لن توقف مكافحة الإرهاب التهديد الجهادي الأخير؟"، أن تنظيم الدولة يختلف عن تنظيم القاعدة، وترجع ذلك للنشأة التاريخية لكلا التنظيمين؛ فمن المعلوم أن تنظيم القاعدة كان وليد الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، أما تنظيم الدولة، فقد كان وليد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكان يطلق عليه تنظيم "القاعدة في العراق" ويقوده "أبو مصعب الزرقاوي".
واستغل في العراق ضعف الدولة المركزية، والصراع الطائفي في البلاد الذي ازداد حدة بعد انسحاب القوات الأمريكية، ما إلى انضمام قيادات قبلية سنية، وضباط عراقيين سابقين "علمانيين"، إلى التنظيم لاستعادة السلطة والأمن الذي تمتعوا به خلال حقبة صدام حسين.
وتشير المقالة إلى التوسع الكبير لتنظيم "داعش" في الأراضي العراقية؛ حيث تقدم نحو بغداد، بعد استيلائه على الموصل وتكريت وعدة بلدات عراقية أخرى، وقد غير التنظيم اسمه إلى "الدولة الإسلامية"، وأعلن أن المناطق التي تقع تحت سيطرته تشكل نواة دولة "الخلافة" الجديدة.
في الوقت نفسه، وحسب ما قدرت الاستخبارات الأمريكية، توافد 15 ألف مقاتل أجنبي من 80 دولة على المنطقة للانضمام إلى "داعش"، أي بمعدل 1000 شخص شهريا.
ومن ثمة يتضح الاختلاف بين "القاعدة" و"داعش"، فالقاعدة تسعى إلى محاربة الحكم العلماني في العالم، أما داعش فيسعى إلى تكوين دولة الخلافة، وممارسة دور السلطة السياسية والدينية والعسكرية الوحيدة على جميع مسلمي العالم.
وتضيف الكاتبة، أن اختلاف تنظيم "القاعدة" عن "داعش"، يبرز عدم جدوى الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة "داعش".
وسجلت أن الاستراتيجية الحالية لا تتناسب مع مواجهة التحدي "الداعشي" الجديد في منطقة الشرق الأوسط؛ لأن "داعش" أصبح "شبه دولة" ذات هيكل إداري معقد، ويندمج مع المدنيين؛ ما يصعب معه تبني الإستراتيجية التي كانت تعمل بها واشنطن ضد "القاعدة".
وأوضحت أن الهيكل الإداري لـ"داعش" يأتي على قمته "أبو بكر البغدادي"، ونائبان كلاهما خدم في وقت سابق برتبة "جنرال" في الجيش العراقي وقت صدام حسين؛ هما: "أبو علي الأنباري" الذي يسيطر على عمليات "داعش" في سوريا، و"أبو مسلم التركماني" الذي يسيطر على عمليات "داعش" في العراق.
ويشرف على البيروقراطية المدنية داخل "داعش" 12 إداريا يحكمون المناطق في العراق وسوريا ويشرفون على مجالس تتولى أمورا مثل الأموال والإعلام والشؤون الدينية.
ويتفوق "داعش" على "القاعدة" في قضية التمويل، فالقاعدة اعتمدت على غسل الأموال وتلقي أموال تحت غطاء الأعمال الخيرية؛ لذلك استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض حصار على تمويل القاعدة من خلال تأسيس شبكة دولية لمكافحة تمويل الإرهابيين تدعمها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومئات الحكومات المتعاونة.
ولا يعتمد "داعش" على التمويل الخارجي فقط، بل وعلى السيطرة على حقول النفط والأراضي في كل من سوريا والعراق أيضا؛ حيث يسيطر التنظيم على 60% من إمكانيات إنتاج النفط في سوريا، كما يستولي على سبعة مواقع من إنتاج النفط في العراق، ومن ثمة يعتمد التنظيم على بيع النفط في السوق السوداء، وتهريبه عبر تركيا والأردن، وتقدر موارده من النفط بين مليون واحد وثلاثة ملايين دولار يوميا.
ويتوفر تنظيم الدولة على مصادر تمويل أخرى، مثل سيطرته على البنوك ونهب الآثار وبيعها واحتجاز الرهائن وطلب الفدية، فضلا عن السيطرة على طرق المواصلات الكبرى غرب العراق وفرض رسوم على حركة المرور، والضرائب على شركات المحمول وتوصيل الكهرباء والماء.
وترى "كرونين" أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسعى إلى إزالة الشرعية عن تنظيم "القاعدة" بالتعاون مع حلفائها؛ وذلك بنشر أخطائها في الاستهداف وإفراطها في العنف، وقد نجحت في ذلك بالعمليات الإرهابية التي قامت بها "القاعدة" في المغرب والسعودية وتركيا والأردن وإسبانيا والمملكة المتحدة، وراح ضحيتها العديد من المسلمين؛ الأمر الذي قلل تأييد "القاعدة" عبر العالم الإسلامي.
في المقابل، نجد أن "داعش" يعتمد على "الوحشية المفرطة" من خلال أفلام قطع الرؤوس، وهذا يؤدي إلى إحاطة التنظيم بهالة من القوة.
ومن المفارقات الأخرى في هذا الصدد، انضمام العديد من الشباب المسلم إلى التنظيم تحت دعوى مزيفة، وهي التضحية من أجل الأمة الإسلامية، ولكن لهذا الأمر أسبابه الأخرى التي تتمثل في أن "داعش" يوفر شريكات من النساء لمجنديه من أجل ممارسة الجنس معهن.
ومع أن بعض النساء قد اخترن القيام بهذا الدور، فإن أغلبيتهن أكرهن عليه، ومن هنا، يمكن القول إن "داعش" يوفر إشباعا قصير المدى وبدائيا، على عكس القاعدة التي لا مكان فيها للخمور والنساء؛ حيث إن الجنس يأتي بعد الزواج فقط.
تضيف "كرونين" أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت في عام 2006 على سياسة فرق تسد من أجل القضاء على التمرد السني في "الأنبار"، الذي أرسل على إثره "جورج بوش" الإبن 20 ألف جندي أمريكي إضافي إلى العراق، لكن هذه الإستراتيجية أصبحت في الوقت الحالي غير مجدية لمواجهة تنظيم "داعش"، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تحتل العراق، فضلا عن تداخل "داعش" مع القبائل السنية الموجودة هناك.
وتشير الكاتبة إلى أن دولا مثل "الفلبين" و"إندونيسيا" قد اعتمدت على إستراتيجية مغايرة لمكافحة تنظيم "القاعدة"، من خلال مزج عمليات مكافحة الإرهاب مع بناء علاقات في المجتمعات المحلية، وتأسيس برامج مجابهة الراديكالية، وتوفير تدريب ديني في السجون باستخدام متشددين سابقين أعيد تأهيلهم كمتحدثين باسم الحكومة، وأحيانا حل المظالم المحلية.
واقترحت الكاتبة إستراتيجية رأتها مثلى لمواجهة "داعش" في الوقت الحالي قد أضحت متمثلة في الاحتواء الهجومي؛ أي المزج بين حملة عسكرية محدودة مع مجهودات دبلوماسية واقتصادية؛ لإضعاف "داعش" وتحقيق التناسب بين مصالح الدول الكثيرة التي يهددها تقدم "داعش".
فيجب على واشنطن ألا تتصرف على أنها تستطيع أن تحل مشكلات المنطقة بالقوة العسكرية؛ فبدلا عن ذلك عليها إعادة إحياء دورها كقوة دبلوماسية كبرى.
من هنا وجب على واشنطن أن تستمر في دعم الجيش العراقي ومساعدة القوة الإقليمية، مثل "البشمركة" الكردية، وتوفير مساعدات إنسانية للمدنيين الهاربين من مناطق "داعش"، وكذلك عليها أن تتوسع في المساعدات للدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان اللذين يناضلان للتعامل مع التدفق الكبير للاجئين من سوريا.
كما يجب على القوى الكبرى واللاعبين الإقليميين، أن يتفقوا على تشديد الحظر الدولي على تدفق الأسلحة إلى "داعش"، والقيام بدوريات حدودية مشتركة، وتوفير معونات أكثر للمهجرين واللاجئين، وتقوية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الدول المجاورة للعراق وسوريا.
ومع أن بعض هذه الآليات يتقاطع مع مكافحة الإرهاب، فإنه يجب أن يوظف في خدمة إستراتيجية موحدة لمحاربة عدو أكثر شبها بالدولة؛ فـ"داعش" ليست قوة نووية، بل مجموعة تشكل تهديدا للاستقرار الدولي، توازي ما تمثله كوريا الشمالية، ويجب ألا تعامل بقدر أقل من الجدية.