نشر موقع "ديلي بيست" تحليلا للصحافية روث ماكميلان، حول الأوضاع
الاقتصادية في
مصر.
وتبدأ ماكميلان بالحديث عن عروض الكمبيوتر الفخمة، التي تم عرضها في المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، وركزت على الفعالية العالية والعمليات التجارية السلسة.
وتقول الكاتبة إن هذا كان في منتصف شهر آذار/ مارس، ولم تكن هناك إشارة إلى القتال في اليمن وازدياد تهديد تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، وكان من المفترض أن يكون المؤتمر حاول بث الأمل في السلم والرفاه. ولا يزال هذا هو موقف الحكومة عندما تتحدث عن المستقبل، ولكن الأحلام لن تنقذ الاقتصاد المصري، ولن ينقذه السخاء السعودي، بينما تتورط البلدان في مستنقع اليمن.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه
"عربي21"، إلى أن الفيديو المعروض في شرم الشيخ في المؤتمر الاقتصادي كان يهدف إلى إعلام الجمهور بخطة الحكومة المصرية لتطوير قناة السويس، حيث ذكر الفيديو أن "هذا المشروع الجريء يسير بحسب ما هو مخطط له نحو الإتمام"، ولكن لا يذكر الفيلم متى سيتم هذا الإنجاز، ويكتفي بعرض خيالي لعمال مصريين يعملون في المشروع ويجتمعون لرفع علم مصر، فالفيلم يصلح لأن يكون دعاية من أيام الاتحاد السوفييتي.
ويبين الموقع أنه خارج قاعة المؤتمر يقف نموذج لمدينة فيها أنوار متلألئة، لتعكس وقت الغروب على مدينة حديثة فيها ناطحات سحاب، ويتم إخبار المشاركين في المؤتمر بأن أول هذه المناطق سيتم الانتهاء من بنائها خلال سبع سنوات.
ويفيد التقرير بأن فكرة المشروع هي أن تصبح هذه أكبر مدينة متعددة الأهداف في العالم، مع أن مصر ستملك منها 24% فقط بتقديم الأرض، أما الملكية الخاصة لـنسبة الـ76% المتبقية فسيتم الاتفاق عليها من خلال شركة "سيتي بارتنرز لميتد" ومقرها الإمارات. وكان النموذج محاطا بأكشاك للبنوك وصناديق الاستثمار، حيث أثقلت الطاولات بملفات الاستثمار والشوكولاتة الفاخرة.
وتستدرك ماكميلان بأن الوعود التي قدمتها الحكومة المصرية كانت كبيرة وغير عملية، وكانت الأرقام تمر أمام الحضور بسرعة تخطف الأنفاس، 12.5 مليار من السعودية والكويت وعُمان والإمارات، و12 مليارا صفقة مع "بريتش بتروليوم".
ويلفت الموقع إلى أن الرئيس عبد الفتاح
السيسي ركز في خطابه الختامي على فكرة أنه فاوض المستثمرين العالمين كلهم على القيام بمشاريعهم في وقت أقصر وبكلفة أقل، وكأن العالم كله على باب مصر يطرقه، ويحاول الدخول إليها في الوقت ذاته. وعندما وصف مفاوضاته مع "جنرال إليكتريك" ضحك الجمهور بصخب، حيث قال: "قلت لماذا لا تجعلها ثمانية أشهر، فقال نعم ممكن أن نعملها في ثمانية أشهر، وقال لن ننام إذن، فقلت له حسنا".
وتجد الكاتبة أنه قد يكون هناك الكثير من السهر في مصر في المستقبل القريب، وخاصة في الحملة العسكرية مع السعودية في اليمن، وربما في أماكن أخرى للمساعدة في "مواجهة الوطن العربي للمخاطر المختلفة" (من وجهة نظرهم إيران وتنظيم الدولة)، ولكن الدعم الداخلي للسيسي مرهون بتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أنه بشكل عام هناك غياب واضح للحقائق والأرقام حول المقترحات الاقتصادية الجديدة، وبالذات الجدوى الحقيقية منها.
ويورد التقرير أن السيسي كان قد قال: "لا تظنوا أن مصر تحتاج إلى أقل من 200 إلى 300 مليار دولار لإعادة بنائها، ولكي يستطيع 90 مليون مصري العيش والعمل والاستمتاع". ولكن ثلث تريليون دولار ليس بالرقم السهل، وتأمل الحكومة المصرية في الحصول عليه، من خلال تسويقها لقانون استثمار جديد لم تنشر تفاصيله بعد. وكما أوضح أحمد مروان من شركة "سيغما كابيتال" فقانون الاستثمار السابق عانى من مشاكل، ولكن المشكلة الآن أن لا أحد يعرف تفاصيل القانون الجديد ليحكم عليه.
وتبين ماكميلان أن سجل مصر في الاستثمارات الأجنبية الفعالة ليس جيدا، حيث ذكر تقرير من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عام 2013 أن مصر "تجذب الاستثمارات التي لا تعود على اقتصادها بالفائدة"، كما أن المركز ذاته أشار إلى خسارة ستة مليارات دولار سنويا بسبب الفساد، وقال أيضا إن "مصر قد فشلت في جذب استثمارات حقيقية ومفيدة، يضاف إلى ذلك أنها إحدى الدول الأربع الأولى في قائمة الدول التي تواجه قضايا في المحاكم الدولية من مستثمرين أجانب".
ويذكر التقرير، الذي ترجمته
"عربي21"، أن حكومة السيسي تحاول جذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال مشروع توسيع قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، وكلاهما يهدف إلى إعادة إطلاق الاقتصاد المصري، ولكن التوقعات من العائد الاقتصادي للمشروعين ليست واعدة.
وينقل الموقع عن الزميل غير المقيم في معهد التحرير لدراسة سياسات الشرق الأوسط محمد الدهشان، قوله: "إن لم أكن مخطئا فليست هناك أي أرقام متعلقة بمشروع العاصمة الجديدة.. والرقم الوحيد الذي وجدته في كراسة المشروع هو إمكانية توظيف ما بين 500 ألف إلى 1.5 مليون، دون تفاصيل أخرى.. غالبا ما ستكون هذه الوظائف في البناء، وهذا لا يعطي قيمة إضافية لهذه الوظائف، وهذا ليس ما هو مطلوب لبلد يرغب بالوصول إلى معدلات النمو التي تتوقعها".
ويشير التقرير إلى أن المحلل في معهد كارنيغي للسلم العالمي سابقا، والباحث في جامعة سينت أندروز حاليا أحمد مرسي يرى أن 66 مليار دولار كان يمكن استخدامها في إعادة الحيوية لبنية القاهرة المتداعية، حيث يعيش 20 مليونا، ويقول: "إن أحد الأسئلة الكبيرة بالنسبة لي هو لماذا لا يتم إنهاء خطوط المترو التي نحتاجها لتقليل الضغط على المدينة؟".
ويذكر الموقع أن السيسي قد قال يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، إن مصر لن تقدم أموالا للمشروع الذي سيكون تمويله من الاستثمارات الخارجية، ويرى الناقدون هذا الإعلان مخرجا للحكومة لتنأى بنفسها عن المشروع، وربما تهجره تماما.
وتستدرك ماكميلان بأن المشروع الأكثر شهرة، وهو توسعة قناة السويس، فهو مستمر، وهو عبارة عن إضافة قناة أخرى باتجاهين، والفكرة هي زيادة العائدات من القناة من خمسة مليار دولار إلى 13 مليار دولار في السنة.
وترى الكاتبة أنه مع أن القابلية قد تكون موجودة، إلا أن الخبراء منقسمون حول كيفية استغلال تلك القابلية، خاصة أن النمو المذكور لا يتطابق مع التجارة الدولية المتوقعة، وقد أخفقت الحكومة في أن تقوم بدراسة جدوى قبل بداية هذا العمل دون ذكر احتمال أن تتدهور عائدات القناة إذا تطورت الأزمة في اليمن.
وفي مقابلة مع التلفزيون الحكومي في أيلول/ سبتمبر الماضي، قال حازم حسني من جامعة القاهرة إن "حجم قناة السويس ودخلها ليسا مرتبطين بعلاقة بسيطة، فدخلها يعتمد على عوامل كثيرة، فلو قمنا بزيادة عمق القناة بنسبة 10% لا يعني ذلك أن مدخولها سيرتفع 10%"، بحسب الموقع.
وينقل التقرير عن الدهشان قوله إن
المشاريع الضخمة المتعلقة بالبنية التحتية عادة ما تعود بفائدة كبيرة على الاقتصاد، ويضيف: "ولكن هذه حالات معدودة، وتحتاج إلى ظروف خاصة، فما احتمال أن يحصل هذا في مصر؟ نعرف أن إضافة مسرب سيزيد من الحركة الملاحية، وبالتالي رسوم المرور، ولكن ما لم يكون حديثنا عن مدى طويل جدا وتوقعات كبيرة، فإن الأرقام المطروحة تبدو مبالغا بها".
وتؤكد ماكميلان أن وعود النمو الاقتصادي هي سياسية، كما يرى مرسي الذي يقول: "أظن أن السيسي ومجموعته يريدون نموا وتطورا، ولكن بحسب قواعدهم هم.. فهم يعلمون أنها الطريق الوحيد لتجنب
المعارضة والانتفاضات".
وينوه الموقع إلى أن الضغط على السيسي لإطعام الشعب واضح في بلد يعيش 52% من شبابه على خط الفقر أو قريبون منه، ولكن غياب المساءلة يجعل من الصعب تقدير النجاح الحقيقي لمقترحات الحكومة، أو لإيجاد طرق لحل المشاكل.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى أنه بحسب مرسي، فإن الشعار المرفوع هو "أنا أعرف ما هو جيد لكم فقط عليكم اتباعي". وإلى الآن فإن الاستقبال الشعبي الجيد للسيسي، الذي تبع مؤتمر شرم الشيخ، يشير إلى أن تلك الاستراتيجية آتت أكلها، ولكن هذه المشاريع سوقت للشعب المصري على أنها ستحل مشاكله الاقتصادية بشكل سحري وسريع، والواقع غير ذلك؛ لأنها قد تكون سريعة الزوال كتلك الأضوية على نموذج العاصمة التي قد لا تبنى أبدا.