ماذا يعني
17 نيسان لذلك "الإنسان" الذي قُبِضت حريّته فما عاد لروحه معنى! سواء كان أسيراً أو معتقلاً أو مختطفاً أو مغيّباً!! ماذا يعني هذا اليوم لهذا "الإنسان"، هذا إن "أبْقوا" من إنسانيته شيئا؟
حتى أدرك وأفهم – حقيقةً لا ادعاء – ماذا يعني هذا؛ ببساطة، تخيّلت نفسي مكانه (على صعوبة أن أكون مكانه، وصعوبة أن أتخيّل!)، فأيقنتُ يقينا يساوي يقيني بالموت أنّه لا يعني شيئا!
كلّ الأيّام عنده سواء! فمنذ اللحظة الأولى التي عُصّبت عيناه وأُدخِل "الجيب" أو "الجيمس" أو "الترحيلات" ... ما التواريخ إلاّ أرقام مجرّدة، وما الأيّام إلاّ ليلٌ يتلوه نهار كالليل! 17 نيسان لا يختلف عن 21 آذار أو 1 كانون ثاني أو 8 كانون أول ... بل تستوي مع 30 شباط أو 31 رجب!! "إن هي إلا أسماء سمّيتموها ..."! لا تعني شيئا في "سلطان"
السجن والسجّان.
لا شي يختلف؛ الأمس عن اليوم أو غدا، أول الشهر، آخره، وسطه، البدر، الهلال، الأيّام البيض، الخميس، الجمعة ... كلّها أيّام مَحاقٍ وليال سوداء! ستبقى الجدران العفنة على عفنها، والقضبان الصدئة على صدئها، و"البُرش" النَتِن على نَتَنِه! و"المسمار" الذي يختلف مع "رفاق" زنزانته أيّهم يعلّق عليه بعض أسماله لن يصبح خزانة في غرفة نوم!!
قد! ولربّما! ويمكن! أن يعني زيادة "أربعة وعشرين ساعة" لـ"آلاف الأيّام" التي مرّت عليه خلف القضبان، أو لعلّها تعني انقضاء "يوم" من عشرات "المؤبّدات" الباقية من الحُكم!
لكنّه بالتأكيد: لن يرى الشمس "ثانية" واحدة زيادة عن الأمس، ولن يعني له نيسان شيئا؛ فلن يرى ربيعه ولا دحنونه ولا زهر لوزه، ولن تمسح جبينه نسمةً من نسماته! لن يضمّ ابنه أو يحتضن ابنته أو يقبّل زوجته أو يغفو على كتف أمّه أو يلثُم جبين أبيه ... لا، ولن يرى أحفاده الذين ولدوا وأصبحوا في عمر أبنائه يوم خُطِف من بينهم!
وبالتأكيد اليقيني، في 17 نيسان - كما في غيره - يُقسِم هذا "الإنسان" - المنتهكة إنسانيته - أنّه لن يتغيّر مسمّى سجّانه ليصبح شريكاً أو رفيقاً أو أخاً! ولن يذكّره هذا اليوم بالصمود والتحدّي فتزيد عزيمته "نبضةً" واحدة ... لأنّ جدران السجن لانت وهو ما لانت له قناة! تماماً كما أنّ قناعته بحقّه وحقّ المظلومين والمقهورين من شعبه وأمّته بالحرية والكرامة والحياة الكريمة لن تنقصَ "همسةً" واحدة!!
ستبقى
فلسطين عنده اليوم كما الأمس وغدا، أزلاً وأبداً، هي فلسطين؛ فهو لا يفهم حدود الرابع من حزيران، ولا غزّة وأريحا، ولا مناطق ألف وباء وجيم! ولا يعرف الخطّ الأخضر ولا الأصفر ولا اللّيْلكي حتى!! كلّها بالنسبة له وهم وسراب، كما كل الظلم والظالمين في نفسه وهمٌ وسراب!!
وسيبقى الفلسطينيّ عنده فلسطينيّ؛ فكلّ العصبيات والحزبيات والقبليات تتبخّر، وكلّ العُصابات" و"الرايات" تُخلَع على عتبة السجن؛ فالمؤبّد هو المؤبّد لايفرّق بين صاحب الراية الخضراء أو الصفراء أو الحمراء، كلّهم عند الصهيوني سواء! كما أنّ "الصهيوني" عندهم سواد وسواء!!
كلّ أيام المظلومين - من كلّ الطغاة والظالمين - سواء! سجون طغاة الصهاينة وأقبية طغاة العُربِ سواء! و17 نيسان عند أسرى فلسطين وأسرى الشام والرافدين والنيل والمحيط والخليج سواء!
مع بعض الاختلاف!!
فلربّما "يُشرق" 17 نيسان هذه المرّة على وجبة جديدة من المؤبّدات والإعدامات لمجموعات من "الظلاميين" والمارقين!! ولربّما تشهد أروقةُ القضاء "الشامخ" قوائمَ جديدة من "الإرهابيين" الذين يتآمرون على قلب أنظمة الحكم "الرشيدة"! ولربّما تُبنى سجون وزنازين جديدة مجهّزة بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا التعذيب وامتهان الكرامة الإنسانية!
لهذا؛ فإنّ 17 نيسان لن يعني شيئا لأيّ مقهور كان، طالما أنّ 364 يوماً لا تشهد آلاف الفعاليات والحملات والحراكات المبصرة والمدروسة بعناية وعلمية وقانونية، للدفاع عنهم وفضح سجانيهم وقضاتهم وطغاتهم.
ولن يعني شيئا طالما لم تتحقّق صفقات تبادل للأحرار والحرائر جديدة.
ولن يعني شيئا ما لم يُجبَر الطغاة والقضاة والعتاة والغلاة أن يتحسسوا "عروشهم" إن فكّروا بأَسْر حرّ أو حرّة من أحرار وحرائر هذه الأمّة الثائرة على ظلمهم وجبروتهم وفسادهم!
إن لم يتحقّق ذلك – وهو أضعف الإيمان – فلن يكون 17 نيسان سوى فرصة لمثلي أن يكتب مقالاً يمجّد فيه بطولات أسرى الحرية، ليظهرَ اسمه في قائمة كُتّاب المقالات، وتبرز صورته "البهيّة" على المواقع اإالكترونية، ويجمع مزيدا من "اللايكات" و"الكومنتات"!! أو مناسبةً للمحللين "السياسيين" والباحثين "الاستراتيجيين" ليحللوا المشهد المعقّد الذي تعيشه الأمّة! أو سوقاً لمزايدة أدعياء حقوق الإنسان ليعبّروا عن أسفهم لهذا "الكمّ" من الأسرى والمعتقلين، ولهذه الأحكام التي غابت عنها الشفافية والنزاهة!!
حذارِ! حذارِ! أن يمضي 17 نيسان ونحن القابضون على القلم قابعون خلف شاشاتنا! لم نفعل شيئا "يهزّ" قضبان الطغاة!
آخر الكلام:
17 نيسان ككلّ الأيام قبله وبعده، باستثناء 25 حزيران و 18 تشرين أوّل!!