بدأت
اللغة العربية منذ سنوات تتمتع بمكانة مميزة على الخريطة الإفريقية، حيث أظهرت شرائح واسعة في المجتمعات الإفريقية، وتحديدا في
السنغال وغامبيا ومالي، وأجزاء من النيجر، اهتماما متزايدا باللغة العربية، خصوصا في الأوساط الدينية التي ترى في معرفة اللغة العربية ضرورة لمعرفة تعاليم الإسلام.
تاريخ اللغة العربية بإفريقيا
في حقب ماضية انتشرت اللغة العربية بشكل كبير في ربوع إفريقيا، مع وصول الإسلام للقارة، واستخدمت اللغة العربية حينها كلغة للتواصل والمراسلات والثقافة، جنبا إلى جنب مع اللهجات المحلية الإفريقية.
ويقول الباحث والكاتب السنغالي، محمد جوب، إن الأمر تغير بشكل جذري مع وصول الاستعمار للقارة، حيث فرض المستعمر لغته، ما تسبب في اختفاء اللغة العربية تقريبا وبشكل تدرجي، لتحل محلها لغات المستعمر، وتحديدا اللغة الفرنسية والإنكليزية، فتوقف الامتداد الذي حققته العربية خلال عصور التفوق الحضاري الإسلامي، وبدأ انحسار وتراجع اللغة العربية أمام تقدم اللغات الأوروبية.
ويقول جوب، في حديث خاص لـ"عربي21"، إن السنوات القليلة الماضية شهدت عودة قوية للغة العربية في إفريقيا، بمبادرة من حكومات إفريقية وتحت ضغط الحركات الإسلامية المعتدلة التي بدأت تأخذ لنفسها موطئ قدم بالقارة السمراء.
غامبيا... النموذج الإفريقي
وتعد
غامبيا من الدول الإفريقية الأكثر اهتماما بلغة الضاد، فقبل أكثر من سنة، وفي خطوة وصفت بالجريئة، أعلن الرئيس الجامبي يحيى جامي، إلغاء العمل باللغة الإنكليزية، قبل أن يعلن لاحقا اعتماد اللغة العربية لغة رسمية، مع تعزيز وتطوير اللهجات المحلية في البلاد، فيما يستمر الحديث هناك عن عزم الرئيس جامي تحويل البلد إلى مملكة تحت اسم: "مملكة غامبيا الإسلامية".
وحظي قرار يحيى جامي اعتماد للغة العربية لغة رسمية بترحيب شعبي واسع النطاق، وساهم في ذلك تزايد النفور الشعبي من "لغة الاستعمار".
لهجات إفريقية بأحرف عربية
ومن مظاهر الاهتمام الإفريقي المتزايد باللغة العربية، حرص الأفارقة على كتابة بعض لهجاتهم بالأحرف العربية، كما هو حاصل في اللهجة "الماندينغية" المنتشرة في أنحاء واسعة من إفريقيا.
ويقول الكاتب محمد جوب إن السنغال اعتمدت مؤخرا خطة حكومية لتدريس اللهجات المحلية في المدارس الرسمية، وهو يشكل عاملا آخر للحد من سيطرة اللغة الفرنسية، التي هي اللغة الأولى ولغة العمل والإدارة في السنغال، حسب قوله.
ويقول محمد جوب لـ"عربي21" إن تأثير اللغة العربية في تزايد مستمر في الدول الإفريقية، مضيفا أنه في السنغال مثلا، تم اعتماد مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية في المقررات الدراسية بشكل رسمي، كما تم استحداث ثانوية عربية، وقسم للغة العربية بجامعة داكار، فضلا عن عشرات المدارس الخصوصية المهتمة بتدريس اللغة العربية.
واعتبر محمد جوب أن نسبة "المستعربين" في البلاد قفزت مؤخرا لتصل إلى حدود 15 في المئة من مجموع سكان السنغال المصنفة ضمن الدول الفرانكفوينة.
وفي جمهورية مالي، تشكل معاهد اللغة العربية أهم روافد الثقافة العربية في البلد. وتشير أرقام إلى أن المعاهد المختصة في تدريس اللغة العربية باتت تقدر بالعشرات، في مناطق الجنوب وفي العاصمة باماكو، أما في الجزء الشمالي من البلاد وتحديدا في إقليم أزواد، فإن اللغة العربية هناك باتت تنافس اللغة الفرنسية بشكل كبير، وذلك بفعل الدور الثقافي الذي تلعبه القبائل العربية في الشمال المالي.
إحباط النخب الإفريقية
ويرى الباحث الموريتاني محمد سالم ولد الخلفية، الذي سبق أن أعد بحوثا عن أصول وتقاليد مجتمع "الفلان" الإفريقي، أن النخب الإفريقية باتت محبطة من التبعية الثقافية للمستعمر، وهو ما انعكس من خلال الدعوات المتزايدة لإحياء اللهجات المحلية ومد الجسور نحو العرب.
وقال ولد الخليفة لـ"عربي21"، إنه ورغم أن حضور اللغة العربية في إفريقيا لا زال محدودا بالمقارنة مع اللغتين الإنكليزية والفرنسية، إلا أن التوجه الإفريقي الجديد يؤشر على عدوة قوية للثقافة العربية والإسلامية، منتقدا غياب العرب عن هذا التحول الإفريقي.
واتفق جوب وولد الخليفة، في حديثيهما لـ"عربي21"، على ضرورة أن يواكب العرب العودة الجديدة للأفارقة إلى اللغة العربية، من خلال مشاريع ثقافية وتأسيس مدارس معاهد عربية بالدول الإفريقية وفتح الباب أمام الطلاب الأفارقة الراغبين في تعلم لغة الضاد.