"سبعة أيام عجاف على حلب، وعشرات الضحايا في غارات للنظام" بهذه العناوين تبدأ إذاعة ألوان السورية الخاصة عناوين نشرة أخبارها الرئيسية من منفاها في اسطنبول.
و كغيرها من
الإذاعات السورية التي ولدت من رحم
الثورة، تنتج ألوان برامجها وأخبارها من دول "اللجوء" لتُحمل على الإنترنت، ليصار فيما بعد بثها من الداخل السوري عبر "هوائيات" في المدن والأرياف السورية.
ولتركيا الحصة الأكبر من الإذاعات السورية الجديدة؛ إذ تتوزع على مدينتي اسطنبول وغازي عنتاب في جنوب تركيا، ما يقارب عشرين إذاعة سورية، بينما يوجد في الأردن إذاعة واحدة هي أورينت، وتبث إذاعة روزنا من باريس عبر الإنترنت، ومن الولايات المتحدة تبث إذاعة سوريالي، بينما توجد إذاعتان في الداخل السوري راديو فرش في مدنية كفرنبل، و راديو آرتا الناطقة بالكردية من مدينة عامودا .
ورغم الإمكانيات المتواضعة والكوادر غير المؤهلة في بعض الأحيان، استطاعت هذه الإذاعات الوليدة كسر احتكار الطيف الإذاعي والإعلامي من النظام السوري، الذي فرض لونا واحدا من
الإعلام طيلة أربعين عاما.
واخترقت إذاعة وطن ومقرها اسطنبول ولأول مرة
أثير العاصمة دمشق عام 2011، عندما لجأت لبث ما تنتجه من برامج وأخبار من خلال سيارة بث متنقلة من ريف دمشق ليصل صداها لمسامع المؤيد والمعارض للنظام السوري، الذي قام بقصف معدات بث الإذاعة مرارا في أكثر من موقع، إلا أن الإذاعة استطاعت أن تبث في أحياء دمشق القديمة ( شارع بغداد – الجسر الأبيض – البرامكة – المهاجرين – ركن الدين ).
ولم تسلم إذاعة صوت راية أيضا التي تبث عبر موجة FM على تردد 89.8 في كل من أدلب، حماة، من غارات الطيران الحربي الذي يتتبع إشارات الهوائيات للإذاعات الوليدة، التي تحاول أن تستهدف جمهورا مازال يقف على حياد وخدمة جمهور آخر تحت القصف والحرب.
اليسار حسن المدير العام لراديو صوت راية ترى أنه "بالرغم من حداثة تجارب الإذاعات السورية المجتمعية، إلا أنها "تجارب جديدة تقوم بعمل عظيم ومهم في مواجهة معارك مع الأطراف كافة؛ لمحاولة إسكاتها" معتبرة ذلك "تحدِياً حقيقياً يُحسب لها ولاستمرارها وعدم انصياعها لمحاولات الإسكات".
تضيف اليسار لـ"
عربي21" أن " عدم انصياع هذه الإذاعات لجهات محددة، جعلها تجسد صوت الديمقراطية الحقيقي الذي نحلم به كسوريين، وهذا يزيد من خبرتها نحو استقرار هويتها".
ورغم حداثة التجربة ترى اليسار أن هذه الإذاعات ومن بينها صوت راية تميزت في برامجها وطريقة معالجتها للقضايا والأخبار، استطاعت أن تحقق موضوعية لا يمكن إلا أن تتوقف عندها، وشكلت مصدرا أساسيا لوسائل الإعلام العالمية المهتمة بسوريا، ومصدرا للمعلومة والتوعية والتوجيه للناس داخل
سوريا من جهة، ومصدرا للترفيه من جهة أخرى، في ظل غياب وسائل محلية تهتم بالناس وتكون قريبة منهم، ليس كإعلام النظام الذي يتجاهل كل ما يحصل بمحيطة ويتحدث عن حالة الطقس بأنها مشمسة بشكل دائم وأن السياحة والليرة مازالت مستقرة".
وتسير الإذاعات السورية الجديدة في حقل ألغام، حيث حاولت جهات عديدة وفصائل مسلحة السيطرة على معداتها آو منع بثها، كما حصل مؤخرا مع راديو ألوان الذي صادرت جبهة النصرة جميع معداته في مدينة إدلب ومنعته من البث، وسبق ذلك اعتقال تنظيم الدولة لطاقم إذاعة " فرش" و تحطيم ممتلكات الإذاعة في بلدة كفرنبل .
تقول مديرة إذاعة صوت راية إن تحديات كبيرة تواجه الإذاعات السورية في زمن الحرب، من أبرزها: التشويش على البث، سرقة المعدات والأجهزة من قبل جهات يزعجها صوت الديمقراطية، إضافة للملاحقة والتهديد، قصف أماكن البث من قبل النظام السوري، التضييق على أماكن البث، اقتحام وإغلاق مكاتبها من الأطراف كافة، ويبدو أن الإذاعات استطاعت أن تزعجهم ليتفقوا على محاولة إسكاتها على أبسط سبب".
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحسب اليسار - يضاف إلى ذلك أن "الإذاعات تعاني من تقنيات ضعيفة أمام تقنيات بث الجهات المتطرفة جدا والنظام السوري بتقنيات قوية، هذا إضافة لمعاناة الصحفيين بالتحرك بسبب عدم توفر بطاقات صحفية تساعدهم بالتحرك لتغطية الأحداث".
وحسب إحصائيات المنظمات الدولية، قتل في سوريا منذ اندلاع الثورة 274 صحفيا، بعد استهدافهم من قبل النظام السوري والفصائل المسلحة المتطرفة، إلى جانب عدد كبير من المغيبين قسريا من قبل النظام وهذه الجماعات المتطرفة ".
ورغم هذه التحديات الخطيرة التي تستهدف في الغالب حياة العاملين في هذه الإذاعات، يرى مدير عام راديو ألوان أحمد قدور أن "الإذاعات اكتسبت خبرة مع الوقت في حرب البقاء والاستمرار" من خلال العمل بمرونة، وإيجاد حلول وطرق للاستمرار حيث اكتسبت خبرة في العمل بالفترات السابقة في أثناء وجود النظام في التخفي والعمل بسرعة والتحايل على الظروف".
ويتفق قدور مع اليسار في أهمية هذه التجربة ودور الإذاعات السورية المجتمعية في نقل الأحداث في الداخل السوري، "حيث احتلت الإذاعة المرتبة الأولى في نقل الأحداث من الداخل وإلى الداخل، ونقل ما يجري من أحداث تهم المواطن السوري الذي يعاني من انقطاع الإنترنت والكهرباء، حيث لجأ سوريون إلى الراديو الذي يعمل على الطاقة الشمسية كوسيلة مهمة لتلقي الأخبار والتركيز على المشاكل التي تواجه المجتمع من خلال استضافة مختصين في إيجاد حلول مناسبة لها وإيصال صوت المواطن ".
ويدير قدور راديو ألوان من اسطنبول، إلا أن الإذاعة تملك مكاتب لها في مدينة سراقب وريف إدلب، كانت عرضة لهجمات الطيران وتضييق الكتائب المسلحة، ولا يشكل التهديد الأمني التحدي الوحيد، حيث يشكل انقطاع الإنترنت والكهرباء وصعوبة إيجاد خبرات في سوريا، وخاصة بعد هجرة عدد كبير من الصحفيين تحديا كبيرا لأغلب هذه الإذاعات"
وتلجأ جميع الإذاعات للمولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود، لضمان استمرار عمل أجهزة البث والهوائيات بعد انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 45% من المدن السورية.
ورغم تعدد الصعاب، يعتبر مدير البرامج في راديو وطن علي رجب في حديث لـ"
عربي21" أن "إذاعات الثورة السورية عانت من الاضطهاد الأسدي، بيد أن هذه الإذاعات مازالت بحاجة لرفع مستواها المهني وتنسيق الرسالة الإعلامية الصادرة عنها بما يخدم أهداف الثورة ومطالب الشعب السوري".
وقال: "من أهم التحديات التي تواجه الإذاعات هي مشكلة البث في الداخل وتأمين المحطات المسؤولة عن ذلك، التي كانت هدفا صريحا لطيران الأسد ، وكذلك كانت هذه المحطات هدفا لبعض القوى المتطرفة على الأرض ، مما جعل الكادر المسؤول عنها تحت خطر دائم، ومن التحديات التي تواجهها الإذاعات مشكلة انقطاع التمويل أو استغلال بعض هذه الإذاعات للجهات الممولة" .
وتتلقى جميع الإذاعات السورية الجديدة تمويلا من جهات أجنبية، جعل بعضها عرضة للزوال مجرد زوال التمويل في ظل غياب الإعلانات التجارية.
لتخوض حربا على جبهة أخرى هي إمكانية الاستمرار والتطور في ظل شح المساعدات في بعض الأحيان وغياب التأهيل والتدريب.
ورأى رجب " يقع على كاهل هذه الإذاعات " تطوير المهارات الإدارية والمهنية للقائمين على هذه الإذاعات ليواكبوا عظم المهمة التي يحملونها ".
ولا ينكر أن "أداء الإذاعات في نقل الحدث مازال بحاجة إلى تنمية أكثر وتوجيه أكبر ، خصوصا أن الدور الفعلي لهذه الإذاعات هو نقل أحداث الداخل إلى الداخل ، كما أن هذه الإذاعات مازالت تفتقر إلى التفاعل الحقيقي مع أبناء الداخل أنفسهم ونقل أصواتهم ومطالبهم عبر أثيرها" .
أصوات أخرى متشائمة من تجربة الإذاعات الوليدة، ترى أن مصير هذه الإذاعات سيؤول إلى الزوال أو الشلل.
الكاتب الصحفي السوري ماجد محمد قال لـ"
عربي21": "أعتقد بأن مصير معظمهم إلى زوال طالما استراتيجيتهم مبنية على العطايا في ظل غياب الخطة الاقتصادية المستقبلية للإذاعة، وهذا للأسف ليس مرتبط بالإذاعات فقط، إنما كل وضع المعارضة السورية على المحك طالما لا مؤسسات إنتاجية لديها، فمعظمها مهدد بالشلل ومن ثم الانهيار إذا لم يسعفوها بخطط اقتصادية حقيقية".
في خطوة تهدف للتنسيق وتطوير العمل، قام تجمع إذاعات سورية جديدة بإطلاق مشروع " أبراجنا " لتوحيد الموقف والتنسيق وإطلاق حملات مشتركة، ونجحت إذاعات سورية بإطلاق حملات لمناهضة التعذيب في سجون النظام والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، و حملات أخرى لتوثيق أوراق اللاجئين الرسمية.