من حقنا، أبناء الشعب المصري، أن نعرف الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة التي تقطع الشك باليقين، بعد أن أصابنا الشتات والدوار من مرار الكارثة المروعة، وأصبح كل من هب ودب يفتي بعلم وبغير علم في واقعة غرق "الصندل" الميري المحمل بالفوسفات في مياه النيل بقنا.. بالطبع هي كارثة بيئية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، ولا يستهان بها أو يُعوّل على أنها مجرد "طلبيه" غارقة تحت السيطرة، وكأنها "حمولة بطيخ" أطاحت بها السفينة في عرض النيل، وتم انتشالها ثم تحميلها على قطيع من الإبل، وكله تمام يا فندم.
نرجو من السادة المسؤولين والمعنيين بهذا الشأن أن يخرجوا علينا من أبراجهم العاجية، ومقاعدهم المكيفة الذهبية، ويعلنوا علينا حقيقة الواقعة بكل وضوح وشفافية، حتى يدرك الشعب المصري حجم المأساة، ولا يدعونا للتخبط بين قناة فضائية تؤكد أن الفوسفات لا يذوب في مياه قنا خوفا من الأخذ بالثأر.. وقناة أخرى تزعم أن الفوسفات يعطى فحولة للرجال وقوة تعادل الجينسينغ والفياغرا، وقناة تزعم أن الفوسفات لا يشتعل ولا يساعد على الاشتعال، وصحيفة قومية كبرى يتصدر مانشيت الصفحة الأولي لها "مصر تتفسفت"، وشيخ متأزهر يزعم أنها لعنة إلغاء مولد "أبو حصيرة"، ومطرب "شعبولي" سخر جميع إمكانياته ليتغنى بالفوسفات ومشتقاته.
الجدير بالذكر أن البعض أنكر وجود فوسفات في مصر، فمن أين هبطت علينا هذه "الحمولة" الثقيلة؟ وإلى أين كانت وجهتها؟ هل كانت في رحلة نيلية وإصابتها لعنة الدوار فغرقت؟ وكيف تناول الإعلام بهالة من التضليل هذا الحادث، ولم يستضيف أحد المسؤولين في برامج "التوك شو" ليتناول تفصيلا أبعاد هذا الحدث الذي أربك المشهد، وأصاب المصريين برعب تسمم المياه؟ ولا ننسى إصابة أكثر من 481 مواطنا من أبناء الإبراهيمية شرقية بتسمم صباح يوم الجمعة الماضي، وما "زاد الطين بلة" أنه خرج علينا بالأمس ناشط سياسي زعم أنها ليست بفوسفات وإنما هي كادميوم ويورانيوم ومشتقات أخرى.
ثم، كيف حدثت الكارثة أو الحادثة؟ أكثر من ألف علامة استفهام تحيط بالحدث الذي شغل الرأي العام على مدار الساعة، ربما كان من ضمن الأسئلة التي تدور في الأذهان وليس لها جواب شافٍ: هل غلب على قبطان "السفينة" سنة من النوم فخلد له، وتركها تسير في عرض البحر بسم الله مجريها ومرساها؟ أم انه اصطدم بشعب مرجانية على غرار "التيتانيك"؟ أم أن القوم الذين في الطابق السفلي خرقوا خرقا في القاع فهبطت السفينة على جانبها الأيمن؟ أم أن السفينة المنكوبة تحرش بها قروش قنا أو غرروا بها؟ أم أنها كانت تنتمي إلى أسرة "نور ماندي 2" مع الاعتذار لعمنا ونجمنا الراحل "عبد الفتاح القصري؟
نرجو من الإعلام المصري – غير النظيف - أن يحترم عقولنا، ولا يستخف بالواقعة المروعة.
بالطبع هي كارثة تُصنف من الدرجة الأولى، ويجب ألا تمر مرور الكرام على مجالس اللئام، والأمر يجب ألا يتعدى حادثا عابرا أو أن النوه كانت شديدة فأغرقت السفينة ومن عليها. يجب أن يحاسب الجميع تحت طائلة أو مظلة القانون على التقصير والاستهانة، ومن طالبوا أو سنوا مؤخرًا تشريعات وقوانين صارمة تجرم من يلوث مياه النيل بالسجن يجب أن يمثلوا أمام العدالة، بداية من أكبر وزير حتى أصغر خفير، وحتى لا ندع فرصة للمتشدقين بأن القوانين والفرمانات شُرعت لمن ليس لهم ظهر ليجلدوا على بطونهم، فهل نرى في صباح الغد خبر إدانة القطط السمان أو الحِيتان؟ أم أن الليلة سيحملها "كبش فداء" ليحيا السادة معالي الوزراء وليذهب إلى الجحيم السمك الصغير؟!
أما من وجهة نظري المتواضعة بصفتي مواطنا أصيب في رأسه بثقوب من أكاذيب الإعلام المصري المضلل، فإن الحادث "برُمته"، وهذا هو الاحتمال الأرجح، أن يكون مجرد دعابة من النوع الثقيل تحت مزحة "كذبة إبريل" ؟!