تقترب حكومة
الحبيب الصيد من إنهاء مئة يوم الأولى من عملها، وسط تباين في التقييمات حول أدائها. فبعد العثرة التي رافقت تشكيلها، والاضطرار لتحوير تركيبتها قبل تمريرها في مجلس نواب الشعب، انطلق وزراء الصيد في عملهم وعلى الطاولة ملفات ثقيلة، كارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الدينار في الأسواق المالية، بالإضافة إلى تواصل الحركة المطلبية، سواء من طرف العاطلين عن العمل أو بشأن رفع أجور الموظفين.
التونسيون متشائمون
ووفق دراسة لمؤسسة "سيغما للاستشارات" المختصة في سبر الآراء تم نشرها منذ أيام، ارتفعت نسبة المتشائمين من
التونسيين الذين يعتقدون بأن البلاد لا تسير في الطريق الصحيح، من 37.7 في المئة في شهر شباط/ فبراير، إلى 53.8 في المئة في شهر آذار/ مارس.
وبحسب
الاستطلاع، فإن 60.9 في المئة من التونسيين يرون أن وضع البلاد الحالي سيئ، كما أعرب 58.8 في المئة عن عدم رضاهم على الطريقة التي تسير بها البلاد اليوم، في حين كانت هذه النسبة في حدود 44 في المئة خلال شهر شباط/ فبراير الماضي.
وفي شأن ثقة التونسيين في الشخصيات التي تقود الدولة في تونس اليوم، سجل الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، تراجعا في نسبة رضا التونسيين عن أدائه بخمس نقاط بالمقارنة مع الشهر الماضي، في حين تراجعت نسبة الرضا على مردود محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب، بأحد عشر نقطة.
مردود سيئ وضرورة تغيير بعض الوزراء
وعلق بشير النفزي، النائب بالمجلس التأسيسي وعضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية المعارض، في تصريح لـ"عربي21"، بأن أداء وزراء الحكومة وسياستها العامة أبعد ما يكون عن تطلعات التونسيين، وهو ما أرجعه إلى ضعف القرارات، وعدم الانسجام، والفشل في التعاطي مع الوضعيات العامة في كل الوزارات، لا سيّما السيادية منها.
وأضاف النفزي بأنهم في حزب المؤتمر لم يلمسوا استراتيجية واضحة أو خطة عمل آنية قد تؤشر على كفاءة حكومة حبيب الصيد وجديتها في السعي لإيجاد حلول لمختلف التحديات والرهانات.
وأشار عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر إلى ما رآه تدهورا على المستوى الأمني (مثل حادثة باردو) وسوء إدارة ملف العلاقات الخارجية، مشيرا إلى تصريحات وزير الخارجية الأخيرة حول العلاقة مع ليبيا وتركيا، بالإضافة لأزمة المساجد التي تسبب فيها وزير الشؤون الدينية، و"فشل" وزير التربية والتعليم في التعاطي مع المطالب النقابية، وهو ما كان سيؤدي إلى "كارثة حقيقية في تاريخ التعليم في تونس" حسب تعبيره.
وتحدث النفزي أيضا عن تدهور في مستوى الحريات "بشهادة الصحفيين والإعلاميين" وغلاء المعيشة، والحالة المأساوية للقطاع الصحي، وتفاقم الدَين، محملا "حكومة النداء"، كما وصفها، كامل المسؤولية.
وقال المعارض التونسي إن المطلوب هو "مراجعات حقيقية لأداء الوزراء، والتخلي عن بعض الأسماء التي أثبتت أنها أبعد ما تكون عن الكفاءة"، حسب تقديره. وأكد أن على الحكومة السعي لإيجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية التي تمسّ المواطن ومصالحه، والشروع في المؤتمرات الوطنية لطرح أمهات المشكلات، كالإرهاب والسلم الاجتماعي والتحكم في الطاقة والثروات الطبيعية وتفعيل آليات العدالة الانتقالية.
تنسيقية لدعم الحكومة وانتقادات من داخل الائتلاف
وكان ممثلو أحزاب الائتلاف الحاكم في قد عقدوا يوم الجمعة الماضي اجتماعا في مقر حركة "
نداء تونس"، بهدف بحث السبل والآليات الكفيلة بمزيد التنسيق بينها في ما يتعلق بالعمل الحكومي، إضافة إلى التنسيق بين هذه الأحزاب وكتلها البرلمانية.
وجاء في بيان مشترك لأحزاب الائتلاف الحكومي بعد الاجتماع أن هذا الهيكل يهدف لتدارس الوضع الوطني، والانتقال نحو إرساء مؤسسات الجمهورية الثانية، وإلى توحيد المواقف من القضايا الوطنية الكبرى، ودعم العمل الحكومي والبرلماني، والتفاعل الإيجابي مع مكونات المجتمع المدني.
وقال راشد الغنوشي، زعيم
حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحاكم، خلال تظاهرة حزبية في مدينة بنزرت يوم الأحد، إن إحداث مجلس للتنسيق بين الأحزاب المشكلة للحكومة يعد خطوة في الطريق الصحيح من أجل تحسين الأداء الحكومي، داعيا رئيس الحكومة إلى اتخاذ جملة من الإجراءات التحفيزية الشجاعة التي من شأنها تنشيط الاقتصاد واستيعاب عدد أكبر من الأيدي العاملة وأصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل، حسب قوله.
وفي السياق ذاته، قال عبد الكريم الهاروني، الوزير السابق وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في تصريح لإذاعة "صراحة إف إم"، إن الحكومة الحالية في حاجة لإرادة سياسية واتخاذ القرارات التي يجب أن تأخذها، ورأى أنها لم تسجل أرقاما أفضل من حكومة الترويكا، رغم صعوبة الظروف التي عملت فيها الأخيرة، لكن شدد في المقابل على عدم الشروع في الحكم على هذه الحكومة أو ربطها بمئة يوم الأولى.
وأضاف الهاروني: "ليس لدينا عقلية إقصائية، ومستعدون للعمل مع الجميع، ولكن هناك مع الأسف من قام بإقصاء عديد الكفاءات بسبب عملها مع الترويكا. ومثل هذا المنطق من شأنه ان يفشل التجربة ويهوي بالبلاد". وأوضح أن الحوار بين الرباعي الحاكم ضروري لتفادي التعيينات التي تتعرض للنقد من ناحية الكفاءة، حسب قوله.
ولئن تم نفي ما راج في الأوساط الإعلامية حول إمكانية مضي الصيد في تعديلات وزارية قد تشمل الوزراء الذين أثاروا جدلا واسعا في المجتمع التونسي، خاصة وزير الخارجية ووزيرة السياحة، وبالنظر إلى شبه الإجماع الحاصل حول عدم ارتقاء العمل الحكومي إلى مستوى التعهدات التي قدمتها قبل تزكيتها من قبل مجلس نواب الشعب، يبدو أن التعديل قد يكون من بين الأدوات التي سيعتمدها الصيد لتخفيف الضغط الشعبي الذي أخذ منحى تصاعديا بحسب ما تؤكّده الأرقام.