وجدت السلطات
العراقية نفسها في موقع الدفاع، بمواجهة "
حرب نفسية" لصالح تنظيم الدولة، وفق ما يراه مراقبون، إثر هجمات شنّها التنظيم مؤخرا في محافظة
الأنبار، ما أضعف الثقة بقدرة الحكومة التي مثل أبرز أركانها أمام مجلس النواب الثلاثاء، على استعادة هذه المحافظة المهمة.
وحاول رئيس الوزراء حيدر
العبادي مؤخرا البناء على استعادة قواته في تكريت، كبرى مدن محافظة صلاح الدين من الجهاديين، مطلع نيسان/ أبريل الجاري، بإعلانه أن استعادة الأنبار، كبرى محافظات البلاد، هي "المعركة القادمة".
إلا أن التنظيم الذي يسيطر على مساحات واسعة من المحافظة ذات الغالبية السنية، سارع إلى شن هجمات في الرمادي ومناطق أخرى.
ولم تحل محدودية هذه الهجمات من حيث الحجم والخسائر البشرية للقوات العراقية، دون حصول موجات نزوح واتهام المسؤولين بالتغطية على مقتل عشرات الجنود، رغم النفي الرسمي.
واستمع مجلس النواب، الثلاثاء، إلى العبادي ووزيري الدفاع خالد العبيدي، والداخلية محمد سالم الغبان، في جلسة بثت عبر التلفزيون.
وقال العبادي: "لا انتصارات عسكرية للدواعش (في إشارة إلى عناصر التنظيم الذي يعرف اختصارا بداعش) في الأنبار".
وأضاف أن ما جرى "حرب نفسية (...) بعضنا شارك في الحرب النفسية بالتصريحات مثل: الأنبار سقطت أو ستسقط. لكن الأنبار لا زالت صامدة".
وكان العبادي أعلن، في الثامن من نيسان/ أبريل الجاري، أن "المعركة القادمة" هي استعادة كامل المحافظة التي تضم خليطا من المدن والأراضي الزراعية والصحراوية، وتتشارك حدودا طويلة مع سوريا والأردن والسعودية.
وأتى ذلك بعد نحو أسبوع من استعادة القوات الأمنية تكريت (160 كلم شمال بغداد)، إحدى أبرز المناطق التي سيطر عليها التنظيم في هجومه الكاسح في حزيران/ يونيو الماضي.
وسرعان ما بدأ "عشرات" المقاتلين من التنظيم، بحسب مصادر أمنية في الرمادي، شن هجمات على المدينة التي يسيطر على أجزاء منها منذ مطلع 2014. إلا أن ذلك دفع أكثر من 110 آلاف شخص إلى النزوح، ليضافوا إلى أكثر من 2.5 مليون نازح في العراق منذ العام الماضي.
وسيطر التنظيم على منطقة البوفراج (شمالا)، قبل أن يهاجم بعد أيام مناطق إلى الشرق منها، ويسيطر عليها.
ويقول مسؤولون أمنيون إن من أبرز أسباب النزوح وسقوط المناطق "تعاون" قاطنين فيها مع التنظيم، عبر التهويل بقرب سقوط المحافظة.
ويوضح العميد عبد الأمير الخزرجي: "قام المأجورون والمتعاونون والمندسون داخل تلك المناطق مع تنظيم
داعش، بإطلاق صيحاتهم أمام القوات الأمنية والأهالي، بأن التنظيم سيطر على الأنبار والدوائر الحكومية فيها، ما تسبب بحالة من الذعر والخوف (...) ودفعهم للنزوح".
إلا أن الضجة الإعلامية الأكبر سببها هجوم التنظيم على ناظم مائي في الأنبار، يقع أيضا شرق الرمادي، فجر الجمعة الماضي.
وانتشرت عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل أنباء عن مقتل نحو 140 جنديا في الهجوم، على الرغم من أن التنظيم أعلن عبر "إذاعة البيان" التابعة له أنه قتل "خمسين عنصرا" فقط من الجيش.
وفي حين أوردت التقارير المتداولة أن الهجوم استهدف ناظم سد الثرثار، أكد مسؤولون أن الموقع المهاجم هو ناظم التقسيم، على مسافة نحو 30 كلم جنوب ناظم الثرثار، نافين بشدة حصول أي معركة في محيط الأخير.
وانتشر عبر موقع "تويتر" وسم "#مجزرة_الثرثار"، مرفقا باتهامات لوزير الدفاع بأنه "خائن" و"داعشي"، ومطالبات باستقالته.
وكتب أحد المستخدمين: "أدعوكم جميعا للانضمام إلى حملة "ارحل" للخائن خالد العبيدي"، في حين قال له آخر: "ارحل، لقد خنت الوطن".
وانضم العديد من السياسيين إلى المطالبين بمحاسبة الوزير.
وأعلن العبيدي، خلال مؤتمر صحفي، الأحد الماضي، أن الهجوم على ناظم التقسيم أدى إلى مقتل 13 عسكريا فقط، بينهم ضابطان كبيران.
وقال وزير الدفاع أمام النواب: "ما حصل في وسائل الإعلام، والتصريحات من بعض الإخوة النواب والسياسيين، كان محبطا لمعنويات المقاتلين".
ودافع العبادي أيضا عن وزيره، قائلا إن "الانهزام كان بأسلوب الدعاية السوداء وحملة التحريض"، مضيفا: "لا أطلب تغطية الحقائق وقلبها (...)، بل على الأقل عدم الترويج لأمور غير صحيحة".
وأكد رئيس الوزراء أن "ثلثي المعركة حرب نفسية. من الناحية العسكرية عندنا مشاكل متعددة، لكن لا توجد لدينا هزيمة من الناحية العسكرية".
ويعد الوضع في الأنبار من الأكثر تعقيدا؛ إذ يتمتع فيها التنظيم بحضور متجذر، وسهولة الانتقال عبر الحدود باتجاه مناطق سيطرته في سوريا.
ويرى محللون أن استعادة كامل المحافظة هدف بعيد المنال راهنا، لا سيما أن القوات الأمنية لم تحقق فيها مكاسب تذكر منذ حزيران/ يونيو الماضي، بينما وسع التنظيم سيطرته رغم الضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ويرى قائد عمليات الأنبار بالوكالة، اللواء الركن محمد خلف الدليمي، أن "حجم القطعات الأمنية الموجودة على أرض الأنبار لا تتناسب ومساحة المحافظة الجغرافية"، التي توازي نحو ثلث مساحة البلاد.
وأوضح أن قواته تسيطر على مركز الرمادي وبعض النواحي والأقضية.
ويرى ضابط مسؤول في التحالف أن الحملة الدعائية الأخيرة تمثل فرصة مؤاتية للتنظيم بعد سلسلة تراجعات في الفترة الأخيرة، لا سيما في تكريت.
وقال: "أرى أن داعش يحاول أن يظهر نفسه بأنه ذو شأن (...)، هذا تنظيم يريد أن يظهر دائما أنه يتقدم.. أن يظهر بأنه يكسب".