لا يبدو أن طريق رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو والحكومة الرابعة التي سيشكلها في تاريخه ستكون معبدة، وتضمن استمراريته للأربع سنوات المقبلة، ولن تجعله حتى ينفذ وعوده الانتخابية، بعد حصوله على أقل أغلبية يمكنها تشكيل حكومة وهي 61 نائبا من أصل 120، فضلا عن تضمنها تحالفات هشة.
ويقول مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن، ديفيد ماكوفسكي، إنه عندما فاز نتنياهو في الانتخابات قبل شهرين، أشار حجم فوزه إلى أنه قد يسيطر على الائتلاف المحتمل، مع فوز حزب "الليكود" بـ 30 مقعدا وحصول ثاني أكبر شريك في الائتلاف الحكومي على 10 مقاعد فقط. ومع ذلك، فإن وعود الحملة الانتخابية التي أسفرت عن فوزه في الاقتراع قد زرعت أيضا بذور تبديده للقدرة على بسط نفوذه لاحقا.
وأضاف ماكوفسكي في ورقة بحثية له في معهد واشنطن، اطلعت عليها "
عربي21" أنه ومن خلال إغلاقه الخيارات المتاحة له أثناء الحملة الانتخابية، فقد منح الأحزاب الصغيرة قوة غير متناسبة لحجمها، لكي تفرض أجندة سياسية، في حين امتنع عن ربط نفسه مع أي برنامج معيّن باستثناء منع إيران من أن تصبح دولة نووية.
ولفت الباحث إلى أن نتنياهو بعد نتائج
الكنيست، كان مقيّدا بتشكيل حكومة مع مجموعة مختارة من الأحزاب تضم 67 عضوا فقط.
ونوه إلى أن نتنياهو كان واثقا بأن هذه الأحزاب لن تجد إطارا آخر للانضمام إليه لأنها من يمين الوسط إلى حد كبير؛ ومن ناحيته أيضا لم تكن له بدائل أخرى نظرا للوعود التي قدمها في حملته الانتخابية. "ويكمن التأثير الصافي [لمحصلة خطوات] نتنياهو في اضطراره إلى التوصل إلى اتفاقات إئتلافية مع حزبين يهوديين متشددين أصغر حجما، هما "شاس" (7 مقاعد) و"يهدوت هتوراة" (6 مقاعد)، وكانت مطالبهما عالية السقوف إلى حد كبير لأنهما كانا يعتقدان أن نتنياهو ليس لديه خيار آخر".
الرضوخ لمطالب اليهود المتدينين
وخلال المفاوضات التي أجراها مع هذه الأحزاب، يقول الباحث إن "نتنياهو وافق على التراجع عن الإنجاز المميز الذي حققته حكومته الأخيرة ألا وهو: سن قانون يجبر الإسرائيليين اليهود الشديدي التديّن [المتدينين المتطرفين] على الانضمام إلى الجيش، مَثلهم مثل غيرهم من المواطنين أو أداء خدمة وطنية مماثلة، مع السجن لفترة من الزمن كعقوبة لعدم الامتثال".
وأضاف ماكوفسكي أن الاتفاقات الجديدة سوف تعيد أيضاً استحقاقات الرعاية الاجتماعية لليهود المتدينين المتشددين الذين يفضلون تجنب الانخراط في سوق العمل من خلال البقاء في قاعات الدراسة الدينية. وقد أصرت الحكومة السابقة، التي كان رأس الحربة فيها في هذا الموضوع وزير المالية في ذلك الحين يائير لابيد، على أن هذه الاستحقاقات قد منحت المتدينين المتشددين حافزاً للعمل من أجل لقمة العيش.
"وقد قُدمت هذه التنازلات على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين يريدون قيام المتدينين المتطرفين بأداء الخدمة الوطنية، والانضمام إلى القوى العاملة، والتخلي عن دورهم كوسطاء التحول من ديانات أخرى إلى الديانة اليهودية".
ويؤكد الباحث، وهو زميل زيغلر المميز، أنه سوف تؤدي الأغلبية الضئيلة للغاية التي يتمتع بها التحالف إلى تضخيم نفوذ كل عضو بحيث يستطيع إفشال الحكومة الجديدة ومنعها من الاستمرار. "ووفقا لذلك، يهدف نتنياهو في أقرب وقت ممكن إلى تعديل القانون الذي يحد من عدد أعضاء مجلس الوزراء إلى ثمانية عشر عضواً، خوفاً من قيام أي عضو كنيست ناقم لا يحصل على منصبه المفضل (وهو الأمر بالنسبة لعضوات الكنيست) بإسقاط الحكومة حتى قبل تشكيلها".
جر "العمل" للحكومة.. وإنصاف أمريكا
ونظرا للخطورة الجسيمة التي تواجهها الحكومة الوليدة، يؤكد الباحث أن المسؤولين في (الليكود) يشيرون على نطاق واسع إلى أن نتنياهو قد يعكس موقفه ويطلب من حزب "العمل" الانضمام إلى الائتلاف.
وتابع: "فمع استقالة ليبرمان، وضع نتنياهو جانبا حقيبة وزارة الخارجية لنفسه - في خطوة تهدف بوضوح إلى جذب زعيم حزب (العمل) يتسحاق هرتسوغ إلى حكومته. ويثير ذلك مفارقة: فكلما كان الائتلاف أكثر استقراراً، كانت هناك فرص أفضل أمام هرتسوغ لإقناع حزبه للانضمام، ولكن إذا بقي الائتلاف هشاً، فسوف يواجه هرتسوغ على الأرجح اتهامات بأنه يحاول "إنقاذ" نتنياهو.
بالمقابل، فإن "من المرجح أن يطلب هرتسوغ لنفسه أكثر من مجرد حقيبة وزارة الخارجية. واذا ما تمت في الواقع دعوته إلى الإئتلاف، فسيتوقع الكثيرون أن تشمل مطالبه إجراء تغييرات في سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وإقصاء "حزب البيت اليهودي" (الداعم الرئيس للمستوطنات ومن أشد الدعاة لها)، والتناوب مع نتنياهو في منصب رئيس الوزراء حتى لا يكون طرفاً لا قيمة له".
في الولايات المتحدة، يقول ماكوفسكي: "ستقوم واشنطن بتتبّع مجموعة متنوعة من التطورات داخل
الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وسترغب في معرفة كيفية قيام أحد زعماء المستوطنين ووزير الإسكان السابق أوري أريئيل باستخدام منصبه الجديد الأقل مركزيةً كوزير للزراعة للتأثير على بناء البنية التحتية الاستيطانية. وستراقب أيضاً ما إذا كانت وزيرة العدل القادمة شاكيد أو إذا كان العضوان المتنفذان من "الليكود" زيئيف آلكين وياريف ليفين قادرين على صياغة التشريعات التي تزيل الحماية لوسائل الإعلام أو تحد من سلطة المحاكم".
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فحيث لا يلوح أي اتفاق سلام في الأفق، فإن من المرجح أن يتساءل المسؤولون الأمريكيون عما إذا كان بإمكان الحكومة الجديدة أن تتخذ - على الأقل - حزمة من الخطوات الإضافية التي تحافظ على استمرارية المفاوضات حول حل الدولتين في المستقبل.
وسيراقب البيت الأبيض عن كثب، بحسب ماكوفسكي، كيف سيلعب نتنياهو بورقة الخطوات المتعلقة بالمفاوضات مع إيران في المرحلة الأخيرة. وسيكون ذلك إلى حد كبير قراراً شخصياً من قبل نتنياهو - على الرغم من أن القضية الإيرانية لم تكن جزءاً كبيراً من الحملة الانتخابية أو ما تلاها، إلا أنه يُعرف عنه أنه ينظر إليها بتصور أكثر ظلامية.