نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا لكريستوفر ديكي، حول ما أشيع من تحليلات بأن
السعودية وجهت إهانة لأوباما والبيت الأبيض، بامتناع
الملك سلمان عن حضور قمة قيادات الخليج مع باراك
أوباما في
كامب ديفيد خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال إنه تبين أن الأمر ليس كذلك، من مصادر مقربة من دوائر الحكم العليا.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن البيت الأبيض كان قد أعلن عن أن الملك سيحضر، ولكن مدير قناة "العرب" الإخبارية الصحافي السعودي جمال خاشقجي قال إن الملك لن يذهب لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي في ميرلاند. وتخبطت تصريحات موظفي البيت الأبيض الذين اعترفوا أخيرا بأن الملك لن يحضر.
ويذكر الموقع أن كلمة "إهانة" ظهرت في العناوين بشكل واسع، وكأن السعوديين المشاكسين تعبوا من تردد أمريكا في الشرق الأوسط، بسبب الريبة تجاه العلاقة الدافئة، التي تطورت بين أمريكا وإيران، وسط عملية سعودية سرية في سوريا، فيها احتضان لجبهة النصرة "المرتبطة بتنظيم القاعدة"، وتورط السعودية حتى أذنيها في حرب اليمن الجديدة، ما جعلها لا تهتم كثيرا إلى سماع هذيان أوباما في كامب ديفيد.
ويقول ديكي إنه "قد يكون هناك شيء من ذلك، ولكن صديقي القديم جمال خاشقجي، الذي كان مستشارا لشخصيات مؤثرة في العائلة السعودية المالكة، ولا يزال قريبا من دوائر السلكة العليا، يطرح وجهة نظر مختلفة في التفاصيل".
ويضيف الكاتب: "قال لي خاشقجي عندما هاتفته: (لا أتفق مع بعض زملائي السعوديين الذين يقولون بأن الملك أراد أن يبعث رسالة إلى أوباما، أو أن ما حصل كان إهانة لأوباما، على العكس فقد أرسل الملك أعلى نائبين له، وهما الأميران محمد بن نايف ومحمد بن سلمان). والأمير محمد بن نايف، بالإضافة إلى كونه ولي العهد، فهو يشغل منصب وزير الداخلية الذي يوجه عمليات مكافحة الإرهاب. وأما الأمير محمد بن سلمان فهو ولي ولي العهد ووزير الدفاع الذي يقود الحرب في اليمن".
ويتابع ديكي: "طلبت من خاشقجي أن يفصل ففعل، وقال: (بعض زملائي من السعوديين مصابون بغطرسة عملية اليمن، فيقولون إن الملك سلمان يريد إرسال رسالة إلى أوباما يقول فيها إننا لم نعد بحاجة لكم. ولكني أعتقد أن السعودية لا تزال تقدر أهمية أمريكا، وحقيقة أن الملك أرسل نائبيه تدل على أنه يرغب في استمرار العلاقات بين البلدين. وابن نايف معروف بشكل جيد في أمريكا، وهو من ينظم العلاقة مع أمريكا، كما أن هذه الزيارة فرصة للمسؤولين الأمريكيين للتعرف على النجم الصاعد محمد بن سلمان".
وعند سؤاله إن كانت السعودية غاضبة من تقارب واشنطن من
إيران؟
قال خاشقجي: "نحن جميعا ضد مغامرات إيران، أظن أن السعودية قلقة من التقارب الإيراني الغربي، في الوقت الذي لا يوضع فيه حد لتمدد إيران خارج حدودها، فتوسع إيران ليس خبرا جيدا بالنسبة للسعودية، وتحتاج السعودية أن تضع حدا لهذا".
وأضاف خاشقجي أنه عندما تتفاوض إدارة أوباما مع إيران حول برنامجها النووي تتحدث عن أجهزة الطرد المركزي وكميات اليورانيوم، ولكن ليس هناك شيء يناقش يتعلق بالتوسع الإيراني.
وعندما سئل: ماذا يمكن لأوباما أن يسمع من محمد بن نايف ومحمد بن سلمان؟
أجاب خاشقجي: "أنا متأكد من أن السعوديين يريدون القول لأوباما نحن نفهم أن أمريكا لا تريد التدخل فيما تراه انقساما طائفيا في المنطقة، ولكن ليست هذه هي المشكلة، وإنما المشكلة هي أن ايران تخرق القانون الدولي، وتتدخل وتتمدد في المنطقة، وهذه ليست مسألة تعود جذورها إلى ألف عام للوراء، فذلك كله بدأ عندما بدأت إيران بتكوين مجموعات تابعة لها خارج حدودها، وهذا يعد تدخلا".
ويلفت التقرير إلى أن قائمة تلك التدخلات طويلة، حيث يرى السعوديون أن لبنان وسوريا واليمن والعراق تقع تحت التأثير الإيراني بشكل أكبر أو أقل، ويقول خاشقجي: "قد يكون الجنوب العراقي وقع تحت السيطرة الإيرانية إلى الأبد. ولكن سوريا ولبنان واليمن.. لا لن يحصل هذا". ويضيف أنه ولأن تلك الدول في مراحل مختلفة من التفكك فإن السعودية تحاول البناء.
ويوضح الكاتب أن اليمن هي الحرب التي تورطت فيها السعودية بشكل كبير ومفتوح، بينما تحاول منع الحوتيين، بالتعاون مع القوات المناصرة للديكتاتور المخلوع علي عبدالله صالح، من السيطرة على البلاد. ويقول خاشقجي: "أخيرا نقوم بفعل شيء مفيد، وإني آمل وأدعو أن ننجح".
وردا على السؤال: ولكن كيف ترى شكل النجاح؟
أجاب خاشقجي: "نجاح السعودية في اليمن هو أن تجلب السلام والاستقرار لليمن، فإن لم نجلب الاستقرار لليمن ستتهم السعودية بإشعال حرب أهلية فيها، مثلما يتهم جورج بوش الابن في العراق. لذلك فإن النجاح يتمثل في جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات مع أعدائهم، والتوصل إلى ترتيبات بحيث لا يكونوا هم القوة المسيطرة، وفي الوقت ذاته يكون لهم مقعد أو اثنان أو ثلاثة في الحكومة". ذلك بالإضافة طبعا إلى منع تنامي النفوذ الإيراني على المليشيات، أو عن طريق مشاريع ذات طابع تدخلي.
ويقول ديكي: فقلت لخاشقجي: كلام جميل، ولكن يبدو أن القتال يستمر ويستمر، فكيف تقيم النتائج في اليمن إلى الآن، هل فيها نجاح؟
فأجاب: "إن كان الهدف هو وقف الحوثيين من السيطرة على اليمن، فإن الجواب هو نعم، وإن كان الهدف هو تحرير اليمن من الهيمنة الحوثية، فإن الجواب هو لا. وكانت السعودية تأمل أن يحصل شرخ في قوات علي عبدالله صالح، وهذا لم يحصل بعد. وأظن أن الأولوية هي تعزيز القوات اليمنية على الأرض، باستخدام قوات خاصة سعودية وغير سعودية. وهذا بدأ الاسبوع الماضي، وإن لم يحقق ذلك نتائج، فأظن أن علينا أن نفعل أي شيء ضروري، فالسعودية لا تستطيع ترك اليمن معلقة، يجب أن تنجح، وإن كان النجاح يتطلب قوات برية فعلينا التضحية".
ويرى الكاتب أن هذا الاحتمال يجعل السعودية أكثر وعيا لحاجتها للتعاون مع واشنطن، بحسب ما قال خاشقجي، ولا تكمن الأهمية فقط في إعادة تسليح الجيش الذي قد يحتاج لذلك، ولكن السعودية تحتاج أمريكا بجانبها في مجلس الأمن، فالروس قادمون وقد تحاول روسيا تعطيل الجهود السعودية في اليمن.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن في سوريا على السعودية أن تواجه التناقض في أولويتيها السياسيتين، الأولى هي وقف المد الإيراني عن طريق إسقاط بشار الأسد، الذي يعد التابع الرئيس لإيران في المنطقة، وفي الوقت ذاته فعل أي شيء وكل شيء لتقويض جماعة الإخوان المسلمين، التي تشكل عنصرا أساسيا في معارضة بشار، والتي تعدها السعودية خطرا بعيد المدى على الملكية.
ولذلك كانت الرياض داعما رئيسا للانقلاب في مصر عام 2013.
ويجد الموقع أن ما زاد في تعقيد الوضع في سوريا، هو أن قطر وتركيا، التي تقع على حدود سوريا، مؤيدتان لجماعة الإخوان المسلمين.
ويعلق خاشقجي بالقول: "إن السعودية ليست في حرب مع الإخوان الآن، ولكن في الوقت ذاته فهي ليست مؤيدة لهم، فعندما تجد فائدة من التعامل معهم ستفعل، وهذا ما حصل في اليمن". مشيرا إلى أن كثيرا من رجال الإصلاح تجدهم اليوم في الرياض.
ويعتقد خاشقجي أن "المشكلة في المنطقة هي انهيار الدول، وهو الأمر الذي يقود إلى تدخل إيران وقيام تنظيم الدولة، وهذا ما يقود إلى استعداد السعودية للتعاون مع كل من يستطيع أن يساعد مثل قطر وتركيا، لم يعد هناك فيتو ضد الإخوان، وهذا ما ساعد على تعاون حقيقي مع تركيا"، بحسب الموقع.
وينوه التقرير إلى أن هذا الأمر أدى إلى أن تلقي السعودية وقطر وتركيا بثقلها خلف تحالف جيش الفتح، الذي كسب عدة معارك في سوريا، ولكن ما يزعج تلك الدول الثلاث هو وجود عناصر من جبهة النصرة المؤيدة لتنظيم القاعدة في التحالف، ولذلك يحاولون إبقاء موضوع الدعم سريا.
ويشير ديكي إلى أن هذه المواضيع كلها ستناقش في كامب ديفيد مع المسؤولين السعوديين، الذين يديران هذه العمليات الشرسة، وهما ولي العهد الأمير محمد بن نايف ونائبه الأمير محمد بن سلمان.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى أنه لكون الملك سلمان قارب على الثمانين من عمره، فهو ليس متابعا للأمور كلها، وإن كانت التقارير التي تقول إنه يعاني من الخرف مبالغا فيها، ويقول خاشقجي: "لم يشعر أي ممن قابلوه بفقدان للذاكرة لديه، كما يدعى"، ويستدرك بأنه "لا يحيط بدقائق الأمور السياسية، بل يتركها لنائبيه، ابنه وابن أخيه".