1. من "سرّه" أن يرى إحدى "المستطيعات بالنهضة" فلينظر في "قلم" أستاذة الحضارة (هكذا) بالجامعة التونسيّة، نائلة السليني صاحبة العبارة الشهيرة "لا يوجد إسلام معتدل.. الذي يسوّق الإسلام لا يمكن إلّا أن يكون متطرّفا"[1].. هي إحدى سادنات البيت الحداثويّ المتداعي في برّ تونس وما جاورها وعنوان من عناوين كونيّة النهايات المحتومة.. أستاذة جامعيّة تركت كامل همّها المعرفيّ وغادرت النصوص ومحاوراتها وركبت لجّة حقدها الإيديولوجي الأعمى، ولقد همّت بحركة النهضة ولم تر برهانا من عقلها وأنّى لها.. فهي لا تكاد تقيم جملة واحدة في خطاباتها الفارغة لا تذكر فيها النهضة والإخوان ومن لفّ لفّهما.. تذكر هؤلاء بنيّة الهجاء فيخذلها الهجاء لقلّة الحيلة و"نفاد الرصيد"...
2. طالعتنا جريدة المغرب في عدد يوم 4 ماي 2015 بافتتاحيّة وضعتها الأستاذة المذكورة جعلت لها عنوانا "عندما يعانق شوق الإخوان وزارتي التعليم العالي والشؤون الدينية".. في استعارة بليدة، لا قرينة تسوّغها، لقول أبي القاسم الشابي "ومن لم يعانقه شوق الحياة...". ولمّا كان العنوان "مفعولا فيه للزمان" فقد جعلت منه الأستاذة الفصيحة وعاء لما جاء في متنها الذي دشّنته بسؤال حارق من أسئلتها "فما هو موقفنا؟" وإذا المقال الفاتحة يسفر عن خطين متوازيين لا تريد لهما الأستاذة أن يلتقيا: "هم" (الإخوان) و"نحن" الفارقة المفارقة، وكانت تلك ثنائيتها أرسلتها تشقّ المقال من بدايته إلى منتهاه.. وإذا كنا قد عرفنا "هم" المحيلة على "الإخوان" و"النهضة الإخوانية" و"يوسف القرضاوي"، فعلام يعود ضميرها "نحن".. ولا قذّافي من حولها يسائلها "من أنتم؟"..
3. كنّا ننتظر ولا نزال من الأستاذة الكبرى أن تسير على نهج المرحوم نصر حامد أبي زيد فتعرض علينا مفهوما جديدا أو أن تنحوَ نحو الباحث محمّد شحرور فتضيف إلى المدوّنة العربية كتابا مفيدا أو مقالا ذا جدوى، أو أن تحذوَ حذو بعض تلاميذ محمّد عابد الجابري أو أن تتلمذ على المفكّر هشام جعيّط فتقدّم إضافة إلى ثقافتنا العربية، ولكنها تركت الكتب والأفكار وجانبت الصواب وكلّ ما ينفع الناس ويمكث في الأرض وغرقت في بركة غوايتها الإيديولوجيّة ونزلت عند قيعان ضحالتها، فكانت برهانا من براهين الجهل المركّب وآية من آيات الإسفاف المدّعي وعلامة على العِيّ المكابر..
4. إنّ من دلائل فساد الجامعة التونسية في العهد النوفمبري صعود ثلّة من المتسوّلين على قارعة الحداثة والمتوسّلين بعقلانيّة لا عقل لها إلى كراسي المعرفة وتصدّيهم إلى تدريس طلبتنا.. وإنّني، عندما أرى مثل هذا الوجه وأقرأ بعض ما يخطّ وأسمع ممّا يقول، أفهم معنى أن تكون جامعتنا بذاك المستوى المتدنّي تتدحرج باطّراد إلى المراتب المتخلّفة في مختلف التقييمات الدوليّة في حين تصعد جامعات الدنيا إلى المراتب المتقدّمة.. فأستاذة من قبيلها لا يمكن لها إلّا أن تنتج الرداءة وتصنع الجهل وتزرع التعصّب وتشيع البغضاء، ولا يغرّنك ما تهرف به مما لا تفقه كثيره.. وليس لطالب يدرس عليها أن يتجاوز التأتأة والفأفأة وما شابها وما شابهها.. وما دام لمثل هذه الدعيّة بالجامعة حضور "فلن يتغيّر شيء واحسرتاه".. وتلك عبارتها وذاك تحسّرها.. وإنّ جامعة تقبل بمثلها مدرّسة لَجَامِعَةٌ تنكث غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا....
5. يقال إنها تدرّس الحضارة.. فأية حضارة تبيعها أستاذة تكتب هكذا: "هل صارت (الحكومة) تسهر على سلامة أجيالنا أطفالا وشبابا وتحفظهم من مرجعيات أحياها الإخوان ليصطادوا بها ذوي الأفكار البسيطة والبريئة؟ طبعا لا، فلا مكتب الإخوان أغلق، ولا منعت أنشطته".. فهل يصدر مثل هذا الخطاب الموغل في الكراهية والتعصّب إلّا عن كائن لم يقرأ، وإن هو قرأ في حياته شيئا فإنّه لم يفهمه؟.. وإلّا فما الذي تقصده بالمرجعيات التي أحياها الإخوان؟ هل لها أن تفصّل لقرّائها القول فيها؟ ألا يسمح لنا ذلك بأن نصله بقولها الذي قبله "لا يوجد إسلام معتدل.. الذي يسوّق الإسلام لا يمكن إلّا أن يكون متطرّفا"؟ !
أيّة علوم تدرّسها لطلبتنا أستاذة تتدرّب على الكتابة ولا تستطيع فكّ الحرف لأنّها بلا معنى تقوله وبلا عبارة تطيعها.. إنّني لا أكاد أرى أثرا لكتاب قرأته هذه الأستاذة، لذلك أتساءل عن الذي وهبها شهادة لتعتديَ على المعرفة في محاريب المعرفة.. ألم تتعلّم شيئا من الحجاج؟ ألم تقرأ يوما أنّ الفكرة تدحضها الفكرة وأنّ الرأي متى كان متهافتا لم يعمّر لأنّه لا يملك شروط البقاء؟ ألَا تعي هذه الأستاذة أنها تأتي حماقة كبرى وهي تسيل بكراهيتها فتفوح رائحة النتن من قلم يغادره المعنى ولا تريده الفكرة؟ إلى متى يزيّن لهذه الأستاذة وهمُها أنّ الناس من حولها ذوو "أفكار بسيطة وبريئة" وهي وحدها صاحبة الأفكار "العميقة" الواضحة الفاضحة؟ حتّى متى يعتقد هؤلاء الأدعياء أنّهم يحتكرون الفهم ويزعمون أنّهم أوصياء على سواهم؟ وإلى متى يدّعون أنّهم هم الهداة والحداة وكل الناس من حولهم قطعان "بسيطة بريئة"؟ إنّ مثل تلك لا تملك فاهمة فتفهم ولا عاقلة فتعقل ولا مائزة فتميز.. وهي في أحسن أحوالها من أخوات كان وبات و"ما أصبح".. لأنّها من بقايا تفكير عفا عليه الدهر.. ترى الصواب من أبنائها والحقيقة من أشيائها والتفكير حكرا عليها، تقول فلا تخطئ وتكتب فلا تلغو.. وكأن لم ير القرضاويَّ غيرُها ولم يفهم خباياه سواها وإذن فهي تحتكر فهمه لنفسها وتضِنّ به على الآخرين.. وما دامت قد انتبهت منه إلى ما لم ينتبه إليه غيرُها فهي تتوعّده بعودة منها إلى تصانيفه "بالدرس والتمحيص لنبرز موقفه من الجهاد وعلاقة هذا المفهوم بالإرهاب".. ونحن سننتظر وعدها بفصل مقالها.. ولا نظنّه يأتي...
6. إنّ كل من خالفها إرهابيّ وإن ادّعى عكس اتهامها.. "قروسطيةٌ" أفكارُهُ وإن زعم الانتساب إلى القرن الحادي والعشرين، متّهَمٌ وتهمته ثابتة ولا أمل في براءته، وقد أصدرت عليه حكمها، وأحكامُها قاطعة لا تقبل استئنافا ولا تعقيبا ولا مراجعة ولا تصحيحا.. أفليست هي خازنة الحداثة قد وقفت على بابها تُدخل إليها من تشاء وتردّ عنها من لا تشاء.. ولكنّ لديها مشكلة هي عيّ متمكّن منها لا يكاد يغادرها فلا قدرة لها على تأثير ولا طاقة لها على إقناع حتّى إنّ المرء ليكاد يطمئنّ إلى أنّ مرافقا قديرا قادها إلى حيث هي وأنزلها منزلتها التي لا تليق بها.. وأنّى لها؟.. فهي حتّى لو أرادت الهجاء لم تستطعه لأنّ التقبيح مهارة كالتحسين.. ومن فقد إحداهما فقدته الثانية...
7. لقد وجدت افتتاحية صحيفة المغرب لها منبرا فركبت قلما جعلت منه مدافع تطلق للخلف، فكانت بذلك خير وسيلة لإشهار النهضة.. لأنّ مذمّة الناقصات مديح وإن كان المديح خُلْفًا.. اختلطت عليها المعرفة بالإديديولوجيا واستبدّ بها وعي شقيّ فراحت تصبّ جام غضبها، وهي المغضَبة دوما، على من لم ترض عنهم من التونسيين والتونسيات، بل لقد تجاوزت كراهيتها حدود الوطن لتعانق بشوقها ما وراءها، وتلبّس بها كرههم فإنها لترميهم عن قوس واحدة ولا قوس.. لقد بلغ بها كرهها للنهضة أن تحسّرت "وا حسرتاه" على أنّ هذه الحركة بقيت فوق الأرض وكانت تريد لها أن تكون تحتها "واحسرتاه".. فلا مكتب الإخوان أغلق، ولا منعت أنشطته".. فهل يقول عاقل مثل هذا القول؟ أو يصدر عنه مثل هذا الخطاب؟.. أقول عاقل ولا أقول أستاذة جامعية تنشر مبادئ التنوير وتسبّ الظلام والظلاميين.. تنقدهم لأنّهم أعداء الحرية والمدنيّة ولكنها تناضل من أجل ترقيتهم إلى منازلها التي نزلت منها.. هناك حيث المحلّ الأرفع، لو كان لها في الأصل محلّ....
8. أنا لا أتساءل عن العلم الذي يمكن لمثل تلك أن تبثّه في صدور النساء والرجال، فلا علم لديها ولا فهم ولا إفهام وإلّا لتتبّعنا أثره.. "والبعرة تدلّ على البعير".. ولكنني أتساءل عن محنة طلبة من مخالفيها يتلقّون تعليمهم منها.. وهم كُثر.. ترى هل يمكن لمثل هذه أن تكون منصفة للطلبة عند الامتحان والحال أنّها تحسد مخالفيها على عيش الحرية الذي وهبتهم إيّاه الثورة دون فضل من أحد.. ألم تقل في افتتاحيتها "منذ أربع سنوات والإخوان المسلمون يتحرّكون في أرضنا طلقاء أحرارا... واليوم، وبعد أن «تغيّرت» صورة الحكومة فهل تغيّرت الأمور؟، فلا مكتب الإخوان أغلق، ولا منعت أنشطته، "؟.. إنّه ليحزنها أن ترى هؤلاء أحرارا وتنكر أن يكون لهم مكتب وأنشطة.. فهل يمكن لهذه أن تنصف من هؤلاء طالبا يقع بين يديها تسوّل له نفسه أن يرى ما لا ترى؟..