القضاء على الفكر التكفيري ومنابع التطرف والغلو الذي يولد
العنف والإرهاب يعني إنهاء السبوبة التي تُحتل تحت ذريعتها بلاد المسلمين، ويقبع بها الطغاة على عروش الحكم في البلاد، ويفرضوا الرعب بها على الشعوب.
الحملة التي نظمتها
الجماعة الإسلامية على مستوى محافظات مصر من شمالها إلى جنوبها آتت ثمارها، وتأثر بها الكثير من الشباب الذين كادوا أمام الهجمة الدموية الشرسة أن تتخطفهم أنياب التكفير ويسقطوا في دياجير هذا المرض العفن، ويتحولوا إلى كتائب من الخوارج الذين يصولون ويجولون في استحلال دماء وأعراض العباد.
وقد أصر السيد الدكتور عصام الدين
دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية على أن يقود الحملة بنفسه رغم ظروفه الصحية، وذلك من قبيل استشعاره خطورة الأمر ولما فتح الله به عليه من غزير علم وساطع برهان في هذا المجال الذي لا يشق له فيه غبار.
كما كان له كبير الفضل في العبور بالجماعة الإسلامية أثناء ذروة الانقلاب الدموي المسلح إلى شاطئ العقل وإعلائها لصوت الحكمة والسلام، وجنوحها إلى ضرورة الحل السياسي الذي يلبي مطالب المؤيدين والمعارضين، كما لم يقبل الوقوع في حضيض التآمر على الرئيس الشرعي المنتخب ليخسر وحزبه وجماعته رصيدهم في قلوب الجماهير، بل وقفوا موقفا وسطاً ومنصفاً حاز احترام الخصم قبل الصديق.
ماذا يعني القبض على السيد دربالة في هذا التوقيت؟
إنها رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الشباب، الذي تأثر بدعوة ومنهج دربالة في صفاء ونقاء العقيدة والبعد عن الغلو والتكفير والتفجير، مفادها أن هذا هو مصير أمثاله ومصير كل داعية إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة دون ممالأة للظالمين والركون إليهم والتحول إلى بوق نفاق للسلطة.
إنها رسالة واضحة للشباب: أمامكم خيار من اثنين، إما العمالة التامة والعبودية الكاملة، وإما الذهاب إلى التكفير والتفجير، أما الوسطية ونبذ العنف والعمل السلمي فلا مكان له، وها هو الدليل، فالذي كان بينكم منذ قليل يحدثكم في مخاطر التكفير والتفجير يُساق إلى المعتقل ومنه إلى النيابة حيث النسخة المطبوعة الجاهزة .
هل للقبض على السيد عصام دربالة تفسير غير هذا عند العباقرة الذين لم يعد لهم هم ورسالة وهدف وغاية سوى الانتقام لما جرى للمخلوع مبارك؟
كلنا يعلم أن حكاية اللص ستنتهي في النقض بعد أن ينسى الناس قليلا، وهذه لا تشغلنا بقدر ما يشغلنا عقول ومقدرات وطن ودولة لا يرى القائمون على حكمها الآن فيها متسعاً وحقاً لأمثال فريد إسماعيل الذي مات بالغيبوبة في المعتقل دون أن تتحرك له منظمات حقوق الأرمن المصرية؛ لأنه ليس من الأرمن، والتي يبدو أنها في غيبوبة من شدة حزنها على ضحايا الأرمن.
جاء قرار القضاء بعدم حظر الجماعة الإسلامية قراراً موفقاً، وأحدث دوياً على الصعيد الداخلي والدولي كنا سنتناوله بأبعاده في وقت لاحق، ومما لا شك فيه أنه سجل نقطة في صالح الانقلاب بما بعث به من رسائل للداخل والخارج، ثم يأتي قرار القبض على السيد دربالة الآن ليبدو وكأنه إفساد للقرار والحكم، وتفريغ له من مضمونه ورسالة سيئة للمنطقة التي يمكن أن تكون مركز التقاء مقبول بين الطرفين المتنازعين على السلطة إذا تجردا وقررا ذلك.
القبض على السيد دربالة الذي رفض رفضاً قاطعاً الخروج من مصر، واختار البقاء على الخروج، وأن يبذل قصارى جهده للسعي للخروج بمصر من النفق الذي دخلت فيه، يكفأ اليوم بالزج به إلى المعتقل ونيابة أمن الدولة.
"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"