يمتلك قدرة كبيرة على كسب القلوب، حتى قلوب أولئك الذين يقفون ضد جماعة الإخوان المسلمين ويناصبونها العداء.
ذهب ضحية الإهمال المتدرج رغم معرفة إدارة السجون
المصرية بحالته الصحية، وكان ثمة تعمد لإيصاله إلى مرحلة الموت، وهو ما يرقى إلى جريمة قتل متعمد مع سبق الإصرار والترصد، وفقا لتصريحات شخصيات مصرية من توجهات وأطياف سياسية عدة.
مع وصول "الإخوان المسلمين " إلى الحكم في مصر بين عامي 2012 و2013، برزت شخصيات عديدة في وسائل الإعلام وعبر السلطة التشريعية، كان من بينها الطبيب صيدلي فريد إسماعيل عبد الحليم.
ولد فريد إسماعيل عام 1957، في فاقوس – محافظة الشرقية، وحصل على بكالوريوس العلوم الصيدلية عام 1980، وعمل أستاذا بكلية الصيدلة في جامعة الزقازيق.
بدأ العمل العام مبكرا وهو على مقاعد الدراسة الجامعية، حين كان عضوا في اتحاد طلاب كلية الصيدلة بجامعة الزقازيق، ومن ثم عضوا بنقابة صيادلة الشرقية لثلاث دورات، ثم بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 أصبح عضوا بارزا في المكتب التنفيذي والهيئة العليا بحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وأصبح عضو مجلس شورى عام الإخوان، وعضو مجلس أمناء ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، وعضو الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012، ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي.
دخل البرلمان، بعد نجاحه في انتخابات عام 2005 وظل بها حتى 2010، ثم أعيد انتخابه على قوائم الإخوان في برلمان 2012، عن دائرة فاقوس بالشرقية. وخلال عمله البرلماني قدم العديد من الاستجوابات لممثلي الحكومة والوزراء، أبرزها استجواب ارتفاع أسعار الدواء، واستجواب التفريط في أراضي سيناء.
وشهدت الدورة البرلمانية إنجازات كبيرة له، سواء في الجانب التشريعي أم الرقابي أم الخدمي، حيث قدم أكثر من 1500 أداة رقابية، منها 25 استجواب، بالإضافة إلى تبني القضايا الجماهيرية الملحة وملاحقة ملفات الفساد ولوبي الفساد في المجلس.
وظهر في أكثر من 50 برنامجا تلفـزيونيا ومئات الصحف، في ملفات كان أبرزها ملف الاستيلاء على أراضي الدولة الذي حركه النائب بالمجلس.
بعد 30 حزيران/ يونيو، شارك فريد إسماعيل في اعتصام رابعة العدوية، وفي تصريح له أكد استمراره في الاعتصام حتى عودة الشرعية الممثلة في الرئيس محمد مرسي، ودستور 2012 الذي أقره الشعب باستفتاء شعبي، أملا في سقوط ما وصفه بـ"الانقلاب الدموي".
تم اعتقاله في أيلول/ سبتمبر 2013 في شقة بالزقازيق بمحافظة الشرقية، وادعت وزارة الداخلية وقتها أنه كان يستعد للهروب إلى غزة.
كان قد تلقى حكما بالسجن لمدة سبع سنوات في قضية اتهم فيها زعما بإحداث شغب وتظاهر في دائرة قسم شرطة الزقازيق، إلى جانب إدراج أسمه في قضية "التخابر الكبرى"، واتهامه بارتكاب "جرائم التخابر مع منظمات وجهات أجنبية خارج البلاد- منها حماس" و"إفشاء أسرار الأمن القومي" و"التنسيق مع تنظيمات جهادية داخل مصر وخارجها للإعداد لعمليات إرهابية داخل الأراضي المصرية".
أعلن نجله محمد فريد، منذ أيام أن حالة والده الصحية في خطر، وأنه دخل في غيبوبة كبدية في سجن العقرب بعد إبقائه في سجن انفرادي لمدة طويلة، ثم تم نقله إلى مستشفى سجن الزقازيق العمومي، وشخص مرضه بجلطة بالمخ مع غياب عن الوعي، حتى أعلن عن وفاته مساء الأربعاء الماضي.
وصفت الصفحة الرسمية لحزب "الحرية والعدالة"، فريد إسماعيل بأنه "شهيد الكلمة"، واتهمت وزارة الداخلية بأنها المسؤولة عن وفاته "نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرض له"، بحسب البيان.
وأثارت وفاته العديد من ردود الأفعال الغاضبة من معارضي "الإخوان المسلمين" والمختلفين معهم "على طول الخط".
فمن جانبه قال القيادي بحركة "الاشتراكيين الثوريين" هيثم محمدين، إن "فريد إسماعيل قُتِلَ اليوم داخل سجون العسكر، وأنا اختلف سياسيًا وأيدلوجيًا مع جماعة الإخوان المسلمين، لكن أرفض أي قمع يتعرضون له"، مؤكدا أن "وفاة فريد إسماعيل في رقبة السيسي"، بحسب تصريحاته الصحافية.
وقال: "أنا أحترم أدبه في الحوار".
ومن جانبها، أكدت المنشقة عن حركة تمرد غادة نجيب، أنهم منعوا عنه الدواء ورفضوا نقله إلى المستشفى، قائلة: "إنهم هم القتلة وهو شهيد بإذن الله".
وأضافت عبر منشور على صفحتها الشخصية بموقع "فيسبوك": "يموت في حبس انفرادي وكل تهمته أنه إخوان.. يموت لأن نظاما مجرما قرر أن يقتله من غير رصاص ولا دم، حبسوه ظلما، قتلوه ظلما، المدد من عندك يارب، فريد إسماعيل مات مقتولا".
ونعى المنسق العام لحركة شباب "6 أبريل" عمرو علي، وفاة إسماعيل، بقوله: "وفاة الرجل الخلوق الدكتور فريد إسماعيل في سجن العقرب بسبب الإهمال الطبي المتعمد من إدارة السجن، ربنا يرحمه".
ويتعرض معتقلو الرأي والسجناء السياسيون لانتهاكات بشعة وسافرة في
السجون المصرية، وسجل ناشطون ومنظمات حقوقية أرقاما مخيفة ومتصاعدة لحالات وفاة لمعتقلين سياسيين في السجون المصرية، إثر تعرضهم للتعذيب أو نتيجة الإهمال الصحي المتعمد.
وعلق ناشطون حقوقيون في "الائتلاف العالمي للحريات والحقوق" على الحادث بقولهم، إن "الإهمال المتعمد في تقديم الرعاية الصحية للمعتقلين في السجون المصرية يرقى إلى درجة القتل العمد، والتصفية الجسدية لمعارضين سياسيين، وبالأخص أن الائتلاف العالمي سجل حالات مماثلة لحالة الدكتور فريد إسماعيل، توفي فيها معتقلون سياسيون إثر منعهم من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة".
ووفقا لتقارير إعلامية دولية، فإن الإفادات التي تقدمت بها منظمات حقوقية تؤكد أن ما حدث في "رابعة العدوية" و"النهضة" وفي السجون، يرقى إلى جرائم الحرب، المتهم الأول فيها هو قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
ومقتل فريد إسماعيل يؤكد أن دائرة الدم والكراهية تتسع في مصر تحت حكم العسكر، وانفلات قوى الأمن من أي ضوابط أو رقابة أو عقوبات.