قال الكاتب الفلسطيني
سلامة كيله، إنه هو من ابتكر مصطلح "
الممانعة"، الذي رفعه النظام السوري شعارا فيما بعد، وهو من قام النظام باعتقاله وإخضاعه لتعذيب شديد وإبعاده قسريا من
سوريا التي عاش فيها نحو 30 عاما.
واعتبر أن تنظيم الدولة "صنيعة أمريكية"، وأن رئيس النظام السوري بشار
الأسد أسوأ من الحاكم المغولي هولاكو، والزعيم النازي أدولف هتلر، وأن "
حزب الله" اللبناني فقد جزءا كبيرا من شعبيته، بتدخله في الصراع ضد الشعب السوري.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
* منذ أيام مرّت الذكرى الـ67 للنكبة الفلسطينية، وكونكم من جيل النكبة كما يقال، ألا ترى أنها تكررت بالنسبة للفلسطينيين في سوريا؟
- بالتأكيد النكبة تكررت بالنسبة للفلسطينيين في سوريا خلال سنوات الصراع الماضية، وحتى قبل ذلك الصراع، فقد أدى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 إلى تهجير الفلسطينيين من قبل مجموعات طائفية عراقية مرتبطة بإيران، دفعت لتهجيرهم، وبقوا على الحدود السورية والأردنية، دون أن يسمح لهم بالدخول إلى أي من الدولتين، ليتم بعدها ترحيلهم إلى دول أمريكا اللاتينية وكندا.
أعتقد أن مسألة تهجير الفلسطينيين من المنطقة إلى بلدان بعيدة هو هدف عام قررته القوى الدولية، كما أعتقد أن النظام السوري يلعب دورا في ذلك، فعندما يمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين من العراق ويسمح بترحيلهم إلى أمريكا اللاتينية وكندا، فيعني أنه قبل بهذه المعادلة.
أما خلال سنوات الصراع، فقد استهدفت قوات النظام مخيم اليرموك في دمشق بكل هذا العنف بدعوة وجود مسلحين، لكن مخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين في سوريا تعرضت للاستهداف أيضا، مثل مخيمات خان الشيح في ريف دمشق ودرعا والرمل في اللاذقية، على الرغم من عدم وجود أي مسلحين فيها.
ولكن يبقى الحدث الأبرز هو اليرموك المحاصر منذ عامين، وتعرضه للدمار وتهجير سكانه منه، وباعتقادي أن هناك تقصّدا لذلك التدمير والتهجير، وهذه نكبة أخرى يتعرض لها الفلسطينيون، وتهدف لإبعاد هؤلاء إلى مناطق أخرى بعيدة، ومن المؤكد أن النظام السوري يلعب دورا في ذلك.
*ما قصة مصطلح "الممانعة" الذي تقول إنك ابتكرته، قبل أن يتخذ النظام السوري وحلفاؤه في المنطقة منه شعارا لمحور شكّل تحت هذا الاسم؟
- أعتقد أنني من ابتكر بالفعل مصطلح "الممانعة"، وذلك في ندوة عقدتها في دمشق عام 2002، حيث كنت أتكلم عن السيطرة العسكرية الأمريكية على العالم، وكيف تعالج أمريكا النظم الممانعة، أي النظم التي تريد أن تتكيف مع السيطرة الأمريكية، لكن تريد أن تحسن من وضعها في ظل تلك السيطرة، وهذا بالضبط ما قصدته بالمصطلح.
لكن تفاجأت باستخدامه من قبل النظام السوري ووسائل إعلامه عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والخلاف الأمريكي مع النظام، باكتشاف الأخير أن أمريكا تريد تغييره، وانتقال النظام، من محاولة التكيف مع السياسة الأمريكية وقبول شروطها إلى الكلام عن الممانعة.. والممانعة كانت تعني أن النظام لا يريد طرح مفهوم المقاومة وقتها.
وهذا أمر ملفت بحد ذاته، حيث إنه كان لا يزال يفتح الباب للتفاهم مع الإمبريالية الأمريكية، ولم يكن يريد أن يغلق هذا الباب.
كانت استراتيجية بشار الأسد منذ استلامه للحكم قائمة على التفاهم مع الإمبريالية الأمريكية، وليس الصدام معها، خصوصا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبالتالي محاولته التكيف مع السيطرة الأمريكية، وكان ذلك العامل الوحيد لبقائه في السلطة، في حين أن أمريكا كانت تريد أن تعيد صياغة شكل النظام في سوريا على أساس طائفي، كما حدث في العراق، وهنا كان الخلاف فقط، ووجد النظام في مصطلح "الممانعة" تمثيلا لتلك الحالة.
* في عام 2012 شبهتم الأسد بـ"هولاكو"، وذلك قبل أن يحصل الدمار الأكبر في سوريا في الأعوام التي تلته، هل ما زلت متمسكا بهذا التشبيه؟
- المسألة أن بشار يعتقد أنه يستطيع تدمير سوريا ما دام أن هناك شعبا يريد أن يغيره، وهذا يدل على أن هذا النظام ليس معنيا بهذا الوطن، بل هو معني باستمرار سلطته، وبالتالي هو يمارس كل أنواع الوحشية الممكنة حتى لو كانت باستخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والحصار الشامل للمناطق والمدن، الأمر الذي يشير إلى السعي للإبادة الجماعية، وقتل المعتقلين السياسيين أيضا، وهذا ما كنت شاهدا عليه أثناء فترة اعتقالي في فروع أمن النظام في بداية الثورة السورية.
وبالتالي، فإن كل هذه العناصر تشير إلى وحشية مركّبة، ربما أسوأ من وحشية هولاكو أو هتلر، وبشار الأسد ورث عن أبيه التعامل مع الشعب السوري والبلاد كملك خاص، وعندما يتمرد هذا الشعب يجب أن يباد كأي عبد يتمرد على أسياده.
* عرفت عنك مواقفك اليسارية قبل اندلاع ثورات الربيع العربي بسنوات، وسجنت بسببها ثماني سنوات في السجون السورية، هل تعتبر أن ما يحصل في سوريا وما يسمى ببلدان الربيع العربي ثورات بالفعل؟
- بالتأكيد هي ثورات، وأنا كنت قد توقعت حدوث هذه الثورات منذ عام 2007، لأن دراستي للواقع الذي نشأ بعد تعميم سياسة الليبرالية الاقتصادية الذي كان يشير إلى أن هناك كتلة واسعة من المجتمعات تهمشت وأفقرت إلى حد أنها لم تعد قادرة على العيش، وكان من الطبيعي أن تتمرد تلك الكتلة وأن تثور، لهذا انفجرت الثورة في تونس، وتعممت في كل المنطقة العربية.
وأعتقد أن هذه الثورات ستعمم على مناطق واسعة من العالم في المرحلة القادمة، ولن تقتصر على البلدان العربية، ومن هذا المنطق أعتقد أن هذه الثورات يجب أن تنتصر.
المشكلة التي واجهت تلك الثورات، تمثلت في أن الشعوب ثارت دون قوى سياسية تمثلها تستطيع أن تغير النظم بشكل جذري، لهذا فقد أصبح هناك فراغ كبير في المجتمع، فالنظم ضعفت والشعب ما زال يقاتل لاقتلاعها، وهذا الأمر فتح الباب لتدخلات قوى محلية وإقليمية، حاولت وتحاول أن تخرّب جوهر هذا الحراك، ولهذا شهدنا كلاما كثيرا حول تحول الربيع العربي إلى خريف وشتاء.
ولكن مع هذا، أعتقد أن الثورة ستستمر، وأنها ستنتج القوى الحقيقية التي تجعلها تنتصر وتغير المجتمعات تغييرا جذريا وحقيقيا.
* قلتم سابقا أن تنظيم الدولة صنيعة أمريكا، ما سبب قناعتكم تلك؟
- "داعش" صنيعة أمريكا، وهو استمرار لتنظيم القاعدة، والأخير استمرار لما سمي بظاهرة "الجهاديين العرب" الذين تدربوا على يد المخابرات الأمريكية بالأساس وبدعم من أجهزة استخبارات متعددة.
أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعرضت لما يسمى باختفاء العدو الذي كان يسمح بأن يكون الجيش والعسكرة هي القوة الأساسية للاقتصاد، وأن تبقى أمريكا تمتلك المبررات للتدخل في العالم.
وهنا أصبحت هناك حاجة لعدو بديل، فطرحت نظرية "اختراع العدو"، ومن هذا المنظور تم تحويل قسم من الجهاديين الذين قاتلوا الاتحاد السوفييتي خدمة لأمريكا إلى مجموعات تعمل على خلق صراعات، بدت في المرحلة الأولى أنها ضد أمريكا، ومن ثم بدأت بالتحول مثلا في العراق على أنها ضد الشيعة، وفي سوريا بدت أنها ضد النظام، وبالتالي أصبح تنظيم القاعدة يعمل ضمن استراتيجية وسياسة، وفتاوى معينة توجهه.
لا أقول إن كل هؤلاء عملاء، حيث إن بينهم أناس بسطاء ومأزومون، يذهبون إلى المحرقة بأرجلهم، نتيجة سوء فهم أو وضع مأزوم، لكن هناك بنى أساسية تحرك هؤلاء، كما أني أعتقد أن "داعش" وجبهة النصرة ومثلهما من هذه التنظيمات مخترقة من العديد من أجهزة الاستخبارات التابعة لأنظمة عربية، ومنها النظام السوري.
* كنتم من أوائل من حذّر من نتائج بروز ودخول جبهة النصرة و"داعش" إلى سوريا، هل صدق تحذيركم؟
- منذ اللحظة الأولى لبروز جبهة النصرة، حاولت أن أحذّر بأن ما سيجري في سوريا سيكون مشابها لما جرى في العراق عام 2006، حيث إن مثل تلك التنظيمات تأتي كمجموعة صغيرة تحاول أن تحصل على ثقة قطاع معين من الناس، ومن ثم بعد أن تتحول إلى قوة تنفي الآخرين وتفرض مشروعها الذي نشأت وجاءت من أجله.
وهذا ما كنت أحاول أن أبينه وقتها بكتاباتي وعلى وسائل الإعلام، وطالبت بتصفية هؤلاء جسديا، لأنني كنت أعرف أن الأسوأ قادم بهيمنة هذه القوى، لأن تلك القوى ليست وحدها وصراعها الأساس مع الشعب وليس مع النظام، وهو ما أدى فعليا لإرباك الثورة ومحاولة تخريبها من داخلها وإدخالنا بصراعات طائفية مختلفة ومن ثم تصفية القوى الثورية، كما حدث مع المقاومة العراقية على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
مع الأسف، نتيجة لدعوتي تلك اتهمني البعض بأنني أدعو إلى القتل، ولم ينتبه أحد بعدها إلى أن ما قلته وحذّرت منه أصبح واقعا، حيث أصبح "داعش" وجبهة النصرة وجيش الإسلام ومثلها من التنظيمات هي القوى المهيمنة بين الفصائل المسلحة الباقية.
* هل تعتقدون أن شعبية حزب الله انخفضت بعد دخوله للصراع إلى جانب النظام السوري؟
- بالتأكيد، كان لحزب الله شعبية كبيرة في المنطقة العربية، عندما كان يقاتل الدولة الصهيونية (إسرائيل)، وفي حرب عام 2006، كان واضحا أن شعبية الحزب كبرت، وفي سوريا احتضن الشعب كل المهجرين والنازحين من جنوب لبنان في منازلهم، ودافعوا عن الحزب بشكل أكبر حتى من النظام، لكن مع الأسف الشديد، تحول حزب الله إلى أداة بيد
إيران ودخل في صراع مع الشعب السوري، وساهم بالمجزرة التي تتم في سوريا على يد النظام، كل ذلك جعل هناك تراجعا شديدا في شعبية الحزب.
حزب الله لم يعد مطروحا كحزب مقاومة، وإنما أصبح هناك تشكيك حتى بذلك، وخصوصا أن إسرائيل باتت تقصف مواقع له دون أن يرد، وأيضا هو يشارك في القتال إلى جانب النظام السوري والدولة الصهيونية تقصف مواقع للنظام عدة مرات، ولا يرد الأخير أو حزب الله عليها.
من هذا المنظور، أصبح هناك شك واضح في أجندة وأولويات حزب الله، خصوصا بعد أن تبين بشكل جلي أنه يلعب دورا مباشرا في السياسة الإيرانية في الهيمنة على المنطقة العربية، وأصبح واضحا الطابع الطائفي في سياسة الحزب وتوجهه.
كل هذه العوامل مجتمعة أدت لتراجع شعبية حزب الله، وتراجع في بيئته الحاضنة حتى في لبنان، وأنهى أسطورته القديمة، وحوّله إلى مليشيا طائفية مثله مثل بقية المليشيات الأخرى.
* بعد كل ما مرت به سوريا من أحداث خلال السنوات الأربع الماضية، هل ما زلتم تعتقدون أنه ما زال من الممكن تسميتها "ثورة"؟
- بالتأكيد هي ما زالت ثورة، لأنه لا يجوز أن نلغي تاريخها ببساطة نتيجة تدخلات القوى والعوامل الداخلية والخارجية، على الرغم من أن الأمور تعقدت عما كانت عليه في بداية الثورة، عندما كان الصراع واضحا ما بين قطاع كبير من الشعب ضد النظام، وبعد ذلك تشعب الصراع ليصبح بين الشعب وكل من النظام وحزب الله والحرس الثوري الإيراني اللذين تدخلا لدعم النظام.
وبعد ذلك أصبح دور القوى الإقليمية يكبر ويتوسع، وظهرت القوى الأصولية من النصرة وداعش وغيرها، وأصبح الشعب يقاتل كل هؤلاء.
ومع ذلك، فالثورة لم تنته، والشعب ما يزال يقاوم.. إلا أنه من حيث المنطق، فالشعب لا يستطيع أن يواجه كل تلك القوى وينتصر، ولذلك تتم العودة إلى الحل السياسي الذي يفرض وفق ميزان القوى الإقليمية القائمة المؤثرة على النظام، وعلى القوى المسلحة على الأرض، وبالتالي فإننا سنذهب إلى حل سياسي في النهاية.
* يشار إلى أن كيلة من مواليد مدينة بير زيت في فلسطين عام 1955، ويحمل شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد عام 1979، وله نحو 40 كتابا بمواضيع مختلفة، نشر بعضها باسم "سعيد المغربي".
ومن عناوين تلك الكتب: (الثورة ومشكلات التنظيم) و(الإمبريالية ونهب العالم) و(المشروع الصهيوني والمسألة الفلسطينية).