أنهكته هذه السنة، وكأنها كانت عقدا من الزمن، مع أن (ع ن) لم يبلغ 35 عاما بعد، إلا أن معالم الكهولة بدأت تغزو وجهه الشاحب، والبياض بدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم في فروة رأسه.
ينتظر (ع ن) الابن البكر خبرا عن أبيه المعتقل في فرع السياسية في مدينة
حلب منذ قرابة العام، لكن هذه الأخبار لا تأتي، مع أنه أنفق كل ما تدخره العائلة من أموال للسماسرة حتى يستطيع الحصول عبرهم على معلومة ولو كانت صغيرة.
فالرجل اعتقل أثناء ذهابه لقبض راتبه الشهري من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في مدينة حلب، دون توجه أي تهمة له، وأغلب الظن أن اعتقاله من قبل حواجز النظام، كان لأنه أحد أبناء المناطق الخارجة عن سلطة النظام في الريف الشمالي لمدينة حلب.
وعود كاذبة
يحاول (ع ن) كما العددين من أمثاله من أسر
المعتقلين لدى أقبية أفرع النظام المتعددة، التواصل مع
سماسرة مهمتهم التوسط لدى رجال النظام في محاولة لإطلاق سراح المعتقلين مقابل مبلغ من المال، تتكفل العائلة بدفعه، في حال تمت العملية بنجاح، لكن لا بأس بدفعات صغيرة بين الفينة والأخرى، وصولا إلى معرفة بعض التفاصيل الصغيرة عن حال المعتقل.
يقول (ع ن) لـصحيفة "
عربي 21" وهو فرك يديه: منذ اعتقال والدي؛ أي منذ قرابة العام، وأنا لم أدخر جهدا في التواصل مع عشرات السماسرة، عن طريق الهاتف، ولا أرى منهم إلا وعودا فقط، لكن القاسم المشترك فيما بينهم هو طلب المال عن طريق شخص هم يحددوه، وفور دفعي لهم يغيبون نهائيا.
وعلى الرغم من يقينه بكذب الكثير منهم، إلا أنه مضطر للتعامل معهم، فهو الغريق ولابأس بالتعلق بقشة السماسرة كما يقول، ويضيف: "لا أستطيع الذهاب إلى هناك خوفا من الاعتقال، ولهذا أنا مضطر للتعامل مع هؤلاء المنافقين، عسى أن ألتقي بواحد منهم يكون قادرا على إطلاق سراح والدي المريض بداء السكر، وصاحب الجسد الواهن الذي لا يطيق متاعب الاعتقال".
ويخبر (ع ن) في حديثه لـ "
عربي 21" أن والده لازال على قيد الحياة، بشهادة أحد السجناء الذين كانوا معه قبل أن يطلق سراح الأخير، ووفق شهادة ذلك السجين، فإنه غالبا ما يكون لتدخل هؤلاء السماسرة تأثير سلبي على وضع المعتقل، فالكثير من هؤلاء المعتقلين تكون أسماؤهم في طي النسيان، وبمجرد السؤال عنهم من جهة خارجية فحينها سوف يتعرضون للاستجواب والتعذيب مجددا على أيدي الضباط والمحققين.
السمسرة في حالة الوفاة
أما فاضل الأحمد فله قصة مغايرة مع هؤلاء السماسرة، يرويها لصحيفة "
عربي 21" قائلا: "تم اعتقال أخي أثناء سفره من دمشق إلى مدينة حلب، ومنها اقتيد إلى فرع المخابرات العسكرية، قبل نحو عامين من الآن، وقبل نحو شهر وصلنا خبر وفاته، لكن قبل أن يصلنا نبأ الوفاة بأيام، كان أحد السماسرة يتواصل معنا ويخبرنا أن أخي ما زال على قيد الحياة، رغم مضي أكثر من سنة على وفاة أخي في المعتقل، وذلك حسب الأنباء التي استطعنا أن نتأكد منها عن طريق سمسار آخر".
لكن ماذا عن الأموال التي تم دفعها لهؤلاء السماسرة؟ يجيب فاضل: "السمسار الذي أكد لنا وفاة أخي، لم يأخذ مالا لأنه يبدوا صادقا كما لمست، لكن السمسار الأخير الذي كان يكذب علينا تقاضى مبالغ وصلت لحوالي الـ 150 ألف ليرة سورية".
وتنشط المئات من أمثال تلك العصابات في الساحة السورية تحت مسمى "السمسرة"، وتتألف عموم هذه العصابات من عدة أشخاص، يوزعون المهام فيما بينهم، بينهم حقوقيون، وضباط على رأس عملهم و متقاعدين أيضا، وأشخاص تقتصر أعمالهم على التواصل.
في المقابل ووفق مصادر محلية؛ فإنه وفي بعض الأحيان يكلل التواصل مع هؤلاء السماسرة بالنجاح والوصول إلى إطلاق سراح المعتقل، وخصوصا في التهم غير المتشعبة، أي في حالات "تشابه الأسماء، والاعتقال على خلفيات الانتماء لمناطق خارجة عن سيطرة النظام"، إلا إنه من الصعوبة بمكان معاينة حجم هذه الصفقات، لأن أغلبها تدور في أروقة سرية وبعيدة عن الأضواء.