يسيطر التوتر والخوف الشديدان على
الإسرائيليين المقيمين في المستوطنات القريبة من حدود قطاع
غزة، خشية خروج أحد المقاومين لهم من باطن الأرض، عبر نفق يمر من تحتهم، حيث ادعى أحد المستوطنين في تقرير بثته القناة الأولى الإسرائيلية في 2 حزيران/ يونيو الجاري، أنه سمع أصوات حفر تحت بيته في "كيبوتس نيريم" شرقي قطاع غزة.
كما طالب النائب المعارض في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عومير بارليف، السبت، عبر إذاعة "صوت إسرائيل"، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بـ"التوغل في قطاع غزة، وتدمير
الأنفاق التي تخترق الحدود إذا لم توقف
حماس حفرها".
أنفاق المقاومة
وكان القيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خليل الحية، قد شدد على أن "جنود
القسام سيواصلون الليل بالنهار لحفر مزيد من أنفاق المقاومة، لأنها أعظم سلاح يمتلكه القسام، ويقهر الاحتلال"، حسب قوله خلال كلمة له في تشييع عصام عمر الكتناني (22 عاما)، وهو أحد مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، والذي قضى نحبه في حادث انهيار نفق شرق مدينة غزة صباح الجمعة الماضية.
وأكد المختص في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، أن الاحتلال الإسرائيلي يعتبر "أنفاق المقاومة تهديدا استراتيجيا خاصة في المناطق المحيطة بقطاع غزة؛ وذلك لإمكانية استخدامها في الانقضاض على الجيش الإسرائيلي المتواجد بشكل مستمر في المنطقة الحدودية، وكذلك استهداف التجمعات السكانية الإستيطانية".
وأضاف لـ"
عربي21": "الاحتلال يعتبر أنفاق المقاومة العميقة ومتقنة الصنع؛ سلاحا جديدا يفتقد لخبرة التعامل معها".
وتسببت أنفاق المقاومة الفلسطينية، وخاصة التي تسيطر عليها كتائب القسام، بعد العديد من عمليات الإنزال خلف خطوط قوات الاحتلال خلال الحرب الأخيرة على غزة، في "إيجاد بيئة غير آمنة للمستوطنين اليهود"، وهي "مشكلة كبيرة" يعاني منها الاحتلال بحسب المختص، فالاحتلال "يخشى هجرة هؤلاء السكان من مناطقهم وتركها خلفهم مهجورة، حيث فشل حتى الآن في توفير البيئة الآمنة لهم".
إشارات ضعف
وأضاف أبو زايدة: "الحكومة الإسرائيلية غير معنية على الإطلاق بهجرة جماعية أو إفراغ المنطقة المحيطة بحدود قطاع غزة من المستوطنين أو حتى المدن القريبة؛ لأنه يعتبرها بمثابة الدرع الأمني الواقي له"، مؤكدا أن "الخطر الحقيقي يكمن في البعد النفسي وإمكانية تهديد المناطق المحيطة بقطاع غزة بشكل مستمر".
ونوه إلى أن الاحتلال خلال حرب العصف المأكول أعطى "إشارات ضعف، بعدما قام بإخلاء بعض المناطق المتاخمة لحدود غزة، خشية تكرار تجربة الجندي جلعاد شاليط، والتي دفع ثمنها غاليا"، مشددا على أن الأنفاق أثبتت نجاحا في إمكانية خطف عدد من الجنود الإسرائيليين أو حتى المستوطنين".
وفي ذات السياق، بين أبو زايدة أن "رعب الاحتلال من الأنفاق ناجم أيضا عن إمكانية تنفيذ عمليات استراتيجية تقوم بها مجموعات كبيرة من المقاومين داخل المستوطنات الإسرائيلية، مما قد يسبب أضرارا كبيرة جدا".
وحول السعي الحثيث للاحتلال وكافة أذرعه العسكرية والعلمية والصناعية من أجل درء خطر تلك الأنفاق، أوضح المختص في الشأن الإسرائيلي أن جيش الاحتلال "يعمل بتمويل أمريكي على تصميم منظومة قادرة على اكتشاف الأنفاق أو المناطق التي يجري فيها الحفر، من أجل تدميرها في أي حرب قادمة".
وتابع: "يعتمد الاحتلال في حربه ضد الأنفاق على جمع المعلومات من خلال التكنولوجيا؛ عبر مراقبة الطائرات، ويجند العملاء لذات الهدف"، كاشفا أن هناك "ضغطا استخباريا على العملاء من أجل جمع مزيد من المعلومات حول الأنفاق".
أداة ردع
وبرغم كل ما سبق، يؤكد أبو زايدة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "فشل في التوصل لحل جذري لمسألة الأنفاق".
ورأى أن سبب إصرار المقاومة على المضي قدما في حفر وترميم منظومة الأنفاق الخاصة بها، هو أنها "ساهمت في تنفيذ عمليات ناجحة، أربكت العدو الصهيوني"، حيث نفذت "القسام" خلال الحرب الأخيرة العديد من تلك العمليات، والتي توجت بعملية اقتحام موقع "ناحال عوز" العسكري شرق مدينة غزة، وتمكنت الكتائب من تصويرها بالكامل.
من جانبه، يرى المتابع والمختص في الشأن الإسرائيلي، عمر جعارة، أن المقاومة الفلسطينية بغزة "تتحصن وتعزز مواقعها من خلال الأنفاق استعدادا للمواجهة القادمة، وهذا ما يبرز في وسائل الإعلام الإسرائيلية".
ونقل لـ"
عربي21"، ما أكده عبر القناة الثانية العبرية صباح الأحد، قائد سلاحِ البحرية السابق الجنرال إلي ماروم تشيني، من أن "المقاومة تستعد للمواجهة الرابعة، بترميم الأنفاق، وإجراء التجارب الصاروخية، وتعزيز قدراتها العسكرية والقتالية"، حيث طالب تشيني نتنياهو بـ"الإسراع في إجراء مفاوضات مع حماس؛ تجنبا لجولة رابعة من الحرب".
وأكد جعارة أن "سلاح الأنفاق ليس للاحتلال قدرة للتصدي له"، موضحا أنه "يشكل رعبا لكل السكان الإسرائيليين من عمق سبعة وحتى 20 كيلومترا، على طول الحدود مع قطاع غزة داخل الأراضي المحتلة عام 1948".
وقال: "خطر الأنفاق لا يزال ماثلا أمام الاحتلال، فهي أداة ردع يمتلكها الضعفاء ضد الأقوياء"، حسب قوله.