اليوم الاثنين الثامن من يونيو يكمل الجنرال عبد الفتاح
السيسي عامه الأول في قصر الاتحادية، بعد أن أزاح سلفه الدكتور محمد
مرسي عبر انقلاب عسكري في الثالث من يوليو 2013 وظل يحكم بطريقة غير مباشرة ومن خلال رئيس "ديكور" ومؤسسات ديكورية لفترة تقارب العام قبل تنصيبه رسميا.
هذه فرصة للمقارنة بين إنجازات مرسي والسيسسي خلال سنة من حكمهما لمصر، وقبل الدخول
في هذه المقارنة ينبغي التنوية إلى أن المقارنات عادة تكون بين متكافئين، وذاك أمر غير قائم في حالتنا، إذ إن مرسي كان رئيسا مدنيا منتخبا، بينما السيسي رئيس غاصب للسلطة عبر انقلاب عسكري حتى وإن غلفه بغلاف انتخابي صوري حضره الشيوخ وربات البيوت وغاب عنه الشباب، وبينما كان مرسي محروما من دعم مؤسسات الدولة بل محاصرا بمؤامراتها لإفشاله، تمتع السيسي بدعم كامل من هذه المؤسسات وإمكاناتها المادية والمعنوية.
رغم وجود هذين العنصرين اللذين يميلان لصالح الحاكم المتغلب، إلا أننا يمكننا بسهولة رصد حجم من
الإنجازات لمرسي، حتى وإن لم يرض غالبية
المصريين في حينها، إلا أنها تظل أكبر بكثير مما حققه السيسي الذي يتمتع بدعم كل مؤسسات الدولة العميقة، ويهيمن على الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات.
يكفي مرسي إنجازا تحقيق أحد أهداف ثورة يناير الأساسية وهو الحرية، إذ تمتع المصريون في عهده بأعلى سقف للحرية لم يبلغوه من قبل، تمثل ذلك في حرية التظاهر والتعبير، والإعلام الذي تجاوز في نقده بحق رئيس الدولة نفسه وعائلته وحاشيته، ومع ذلك لم يمسس أحدهم بسوء، وحتى الصحفي الوحيد الذي حكم القضاء بحبسه احتياطيا بتهمة إهانة رئيس الجمهورية (إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور)، تدخل الرئيس فورا لإصدار تشريع لإلغاء تلك المادة التي حبس بموجبها حتى لا يبيت إسلام ليلة في السجن.
مارس المصريون حقهم في التعبير والتصويت الحر، ومارسوا حقهم كاملا في معارضة الرئيس ونظام الحكم، وكانوا في نهاية يومهم يعودون إلى بيوتهم وينامون ملء عيونهم، على خلاف ما يحدث حاليا إذ تكلف المعارضة ولو كانت شكلية أو تافهة صاحبها الكثير، وقد تصل التكلفة إلى حياته كما حدث مع متظاهرة الورد شيماء الصباغ.
كان مرسي وفيا لثورة 25 يناير، حريصا على تحقيق أهدافها ومبادئها، ساعيا للقصاص لشهدائها، ولذلك سارع بإقالة غالبية أعضاء المجلس العسكري وعلى رأسهم المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان في خطوة نحو إنهاء حكم العسكر، الذي جثم على أنفاس مصر لأكثر من ستين عاما، على ما في هذا القرار من خطورة كبيرة كان من الممكن أن تنهي حكم مرسي في تلك اللحظة، وتعجل بالانقلاب عليه الذي تم بعدها بعشرة أشهر، وإضافة إلى هؤلاء القادة العسكريين أقال مرسي أيضا رئيس جهاز المخابرات ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والنائب العام عبد المجيد محمود الذي طالبت الثورة بإقالته، باعتباره من بقايا نظام مبارك، وأنشأ نيابة الثورة بهدف القصاص للشهداء، وشكل لجنة لتقصي الحقائق في قتل الثوار تمكنت من كشف أدلة جديدة ضد رموز نظام مبارك، وكان من المفترض أن تبدأ نيابة الثورة في التعامل مع هذه الأدلة وتقديمها لمحاكم الجنابات، لولا وقوع الانقلاب العسكري.
وعلى الرغم مما يوجه لمرسي من نقد بخصوص الاستئثار بالسلطة دون إشراك بقية القوى الثورية، إلا أن مرسي عين مساعدين له من أحزاب وتيارات مختلفة، بينهم سلفي وسيدة، وقبطي لأول مرة في تاريخ الأقباط المصريين، وعدد كبير من المستشارين من مختلف التيارات، صحيح أن غالبية المستشارين شكوا من تهميش دورهم، إلا أن الصحيح ايضا أن السيسي لم يعين أي مساعد أو مستشار من القوى السياسية الثورية، ولم يعين أي مساعد أو مستشار مسيحي، بل يبذل كل جهوده ويسخر كل إمكانيات الدولة لمنع تنظيم انتخابات برلمانية حتى يظل منفردا بالسلطة، غير آبه بغضب الأحزاب التي دعمته في انتظار أن تحصل على نصيبها من فتات الكعكة السياسية.
في الجانب الأمني لم يحدث السيسي تطورا كبيرا عما كان قائما في عهد مرسي، فالسرقات، والسطو المسلح، وحالات التحرش العلني، وشغب الملاعب لاتزال كما هي بل زادت حدتها، فقد استشهد حوالي 40 من ألتراس الوايت نايتس في عهد السيسي، وضعفهم تقريبا في عهد أستاذه المشير طنطاوي إبان حكم المجلس العسكري، بينما لم يُقتل أحدٌ في عهد مرسي، ولاننسى آلاف القتلى من المصريين في عهد السيسي ( بشقيه الفعلي بدءا من 3 يوليو2013 والرسمي من 8 يونيو 2014) سواء في مجازر رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس والدقي والإسكندرية والسويس وبورسعيد، بينما لم يقتل في عهد مرسي سوى العشرات بينهم عدد من أنصار مرسي على يد رجال شرطة الدولة العميقة، ويفاخر تقرير إنجازات السيسي الأمنية بالقبض على 38 ألف مصري، وهو أمر لم يعتده المصريون سوى في حقبة الستينيات.
في الجانب الأمني أيضا نجح مرسي في تحقيق قدر أكبر من الأمن في سيناء رغم بعض محاولات قتل أو خطف الجنود الذين تم استعادتهم نتيجة سياسة الرئيس مرسي، بينما أصبحت سيناء خارج السيادة المصرية تقريبا في عهد السيسي، وأصبحت جزءا مما يسمى الدولة الإسلامية، ونحن نرى جنود تنظيم الدولة يتجولون في شوارع وجبال سيناء يحصدون أرواح الجنود المصريين دون قدرة على إنهاء وجود هذا التنظيم الذي يتمدد يوما بعد يوم، وبينما تمكن مرسي من زيارة سيناء وتناول إفطار رمضان وسط الجنود قبل عامين، فإن السيسي غير قادر على زيارة سيناء ولو لبضع دقائق، بل إن وزير دفاعه استخدم سيارة إسعاف وليس سيارة عسكرية لتفقد جنوده هناك.
على الصعيد الاقتصادي ورغم صعوبة الأوضاع، وتآمر طبقة رجال الأعمال في الداخل ضد مرسي، إلا أنه حافظ على نسبة نمو بلغت 2.4%، وحافظ على مستوى تدفق للسياح الأجانب لم تره مصر في عهد السيسي(حوالي 10 ملايين سائح)، وكان مرسي أول حاكم لمصر يطلق مشروع تنمية إقليم قناة السويس، كمشروع عملاق يوفر لمصر عوائد ضخمة وفرص عمل كبيرة(40 ألف فرصة)، وجاء السيسي ليسرق المشروع مع تعديله، بما لايضر بمصلحة حلفائه الإماراتيين، وبينما تعهد مرسي بعدم نقصان قطرة مياه واحدة من نهر النيل مؤكدا أن أي نقص سيقابله قطرات من دمه، إذ بالسيسي يوقع بنفسه اتفاقية بناء سد النهضة ويقر بخفض حصة مصر من المياة ، ثم تخرج أذرعه الإعلامية لتبرر ذلك، ولتقدمه للشعب المصري بحسبانه إنجازا كبيرا.
كما شهدت إنتاجية القمح المصري في عهد مرسي زيادة بلغت 30%، وشهد عهده انتهاء مأساة طوابير الخبز بعد إقرار منظومة جديدة له على يد وزير التموين السجين باسم عودة، الذي تمكن أيضا من القضاء الكامل على أزمة أنابيب الغاز، التي عادت مجددا إلى مصر في عهد السيسي، مع ظاهرة انقطاع الكهرباء بصورة لم تحدث من قبل في عهد مرسي.
وعلى مستوى العدالة الاجتماعية التي نادت بها الثورة، استفاد 67 مليون مصري من دعم المواد الغذائية في عهد مرسي، وبلغ عدد المخابز المشاركة في المنظومة الذكية 17356 كما تم توفير 74 مليارا و400 مليون جنيه لدعم وتوفير المواد البترولية، وهو عكس ما يفعله السيسي الذي خفض الدعم وتوعد بالمزيد من الخفض، وهو ما يزيد الضغوط على محدودي الدخل، واستفاد 1.9 مليون موظف من رفع الحد الأدنى للأجور، كما استفاد 1.2 مليون معلم من الكادر الخاص بالمعلمين في عهد مرسي، كما استفاد 750 ألف إداري من تحسين أوضاع العاملين الإداريين بالتربية والتعليم والأزهر، واستفاد 150 ألف عضو هيئة تدريس و58 ألف خطيب وإمام من تحسين أوضاعهم. وهو مالم يحدث في عهد السيسي.
وبالنسبة لمحدودي الدخل استفاد 1.2 مليون مواطن من العلاج على نفقة الدول، واستفادت 90 ألف أسرة من مشروع "ابنِ بيتك" واستفادت 1.5 مليون أسرة من معاش الضمان الاجتماعي.واستفادت أكثر من 489 ألف امرأة من التأمين الصحي على المرأة المعيلة، كما استفاد 13.2 مليون طفل دون السن المدرسي من التأمين الصحي، واستفاد 593 ألف عامل من تقنين أوضاع العمالة، واستفاد 150 ألف عامل من مساندة المصانع المتعثرة، وتم تأسيس 7367 شركة، وتم إعفاء 52.5 ألفا من صغار المزارعين المتعثرين من المديونيات، واستفاد 2793 من صغار المزارعين من مشروع تنمية الصعيد.
وفي الوقت الذي استردت مصر مكانتها الدولية، بل أصبحت القاهرة أحد أهم العواصم العالمية في عهد مرسي، إلا أنها تراجعت إلى عاصمة من الدرجة الثالثة في عهد السيسي، صحيح أن علاقة القاهرة بدول الخليج كانت متوترة باستثناء قطر، نظرا لمخاوف تلك الدول من فكرة تصدير الثورة، ورفضها لصعود جماعة الإخوان المسلمين سياسيا، إلا أن مصر مرسي عوضت ذلك بعلاقات أكثر متانة مع تركيا وقطر ودول كبرى أخرى، وعقد مرسي العديد من الاتفاقيات التجارية مع إيطاليا والبرازيل والهند وألمانيا، والسودان وجنوب إفريقيا وأوغندا.
وقبل عدة أيام أصدر قصر الاتحادية قائمة بانجازات السيسي خلال عام، بدأها بفوزه فيما وصفه( بانتخابات نزيهة وشفافة، شهد لها الجميع في الداخل والخارج بنسبة أصوات 96%)، وكأن من كتب هذا التقرير يخاطب قوما يعيشون في كوكب آخر، لم يشاهدوا الإحجام الشعبي الكبير عن تلك الانتخابات وخاصة من قطاع الشباب، وباستثناء مشروع قناة السويس الذي وصفه التقرير بأيقونة إنجازات السيسي، الذي لا يعدو كونها مجرد تفريعة جديدة تضاف إلى تفريعات سابقة للقناة، فإن كشف الإنجازات أسهب في الإشارة إلى إنجازات تصلح أن تنسب إلى محافظ إحدى المحافظات أو رئيس إحدى المدن، وليس لرئيس دولة بحجم مصر، وهي تدور حول بناء أو إصلاح أسوار بعض المدارس، وإصلاح بعض القطارات، وشبكات الطرق، ومشروعات تنمية في بعض القرى الفقيرة تحدث بشكل طبيعي وتوزيع 10 ألاف رأس ماشية على الأسر الأكثر احتياجا بهذه القرى، والتقاط صورة سيلفي مع مجموعة من الشباب في المؤتمر الاقتصادي، الذي كان مجرد "فرح عمدة" لم يسفر عن مشروعات استثمارية حقيقية، وفي مجال الإسكان تجاهل تقرير الإنجازات وعود السيسي ببناء مليون وحدة سكنية، وفقا لتعاقده مع شركة أرابتك الإماراتية، التي تنصلت من هذا العقد لاحقا دون توقيع أي عقوبة عليها، وراح التقرير بدلا من ذلك في سرد بعض المشروعات التي كان يجري العمل فيها بالفعل قبل تولي السيسي الرئاسة.
وفي مقابل قمع الحريات في الجامعات المصرية وإلغاء انتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، راح تقرير
الانجازات يتحدث عن أحكام السيطرة على أبواب 12 جامعة بتكلفة 48 مليون جنيه، وإطلاق مشاريع مشاركة طلابية، لايستفيد منها سوى من ترشحهم الأجهزة الأمنية.
لقد حقق الرئيس مرسي خلال عام من حكمه إنجازات تفوق كثيرا إنجازات السيسي، لكن مشكلته هي عدم تسويق تلك الإنجازات، لأنه لم يكن يسيطر على وسائل الإعلام كما السيسي، بل كانت وسائل الإعلام في معظمها تعمل ضده، وتسخر من تلك الإنجازات وهي مطمئنة أنها في مأمن من المساءلة، بينما تقوم هذه الأذرع الإعلامية بتضخيم إنجازات السيسي لترفعها إلى مصاف الإنجازات التاريخية، بينما يشعر الجميع في مصر بمن فيهم أنصار السيسي بحجم التدهور في كل شيء، لكنهم لايستطيعون البوح لسبب بسيط أنهم يعيشون في جمهورية الخوف.