خلافا لإعلان الغرب عن ارتياحه بعد الاستيلاء على مدينة
تل أبيض السورية التي كانت بأيدي تنظيم الدولة، أعربت
تركيا عن قلقها من تقدم القوات الكردية المتهمة بأنها تسعى إلى إقامة معقل يتمتع بحكم ذاتي عند حدودها.
فبعد استعادة كوباني (عين العرب) في كانون الثاني/ يناير، ألحق مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الغارات الجوية للتحالف الدولي، الثلاثاء هزيمة نكراء بجهاديي تنظيم الدولة بطردهم من تل أبيض التي كانوا يحتلونها منذ عام تقريبا.
ورغم أن حكومة أنقرة شددت مؤخرا لهجتها حيال تنظيم الدولة، إلا أنها أيضا عبرت عن عدائها للأكراد.
وأعرب الرئيس رجب طيب أردوغان عن قلقه من تقدم القوات الكردية عند أبواب تركيا الذي بات "أشبه بكيان يهدد حدودنا".
كما إتهم نائب رئيس الوزراء بولند ارينتش الأكراد بإطلاق حملة "تطهير إتني" ضد الأقليات الأخرى في تل أبيض، وغالبيتهم من العرب، وبالسعي إلى إقامة منطقة للحكم الذاتي تمتد من العراق حتى كوباني في محافظة حلب السورية.
وعلى الفور ردت وحدات حماية الشعب الكردية على الاتهامات التركية ووصفتها بأنها "تشهير"، وأكدت الحركة في بيان "نكرر بوضوح أن وحدات حماية الشعب تدافع عن وحدة أراضي
سوريا وليس تفككها".
وخلافا لعلاقاته مع كردستان العراق فإن العلاقات بين تركيا وأكراد سوريا سيئة.
وتدين أنقرة باستمرار العلاقات بين حزب الأكراد الرئيسي حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني الذي يشن منذ 1984 حركة تمرد دامية، وهي قلقة من مخاطر إقامة منطقة للحكم الذاتي عند حدودها الجنوبية، على أراض يقيم فيها 15 مليون كردي.
وفي نهج تصريحات أرينتش أكد مسؤول تركي أن وحدات حماية الشعب تقيم علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني، وتقود سياسة "منهجية ومخططة" ترمي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وصرح المسؤول لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف اسمه أن "العرب والتركمان وأيضا الأكراد غير المرتبطين بوحدات حماية الشعب مستبعدون" في إطار هذه السياسة، وأضاف أن "وحدات حماية الشعب لا تسمح حتى للفصائل الكردية الأخرى المناصرة بالاستمرار، وقال إن الذين لا يتبعون وحدات حماية الشعب يطردون إلى تركيا"، وأوضح "لن نسمح بهذا الأمر".
وترى أنقرة أن اللاجئين الـ23 ألفا الذين تستقبلهم على أراضيها منذ مطلع حزيران/ يونيو معظمهم من العرب أو التركمان وليس من الأكراد.
ويثير الوجود الكردي في شمال سوريا قلق تركيا منذ 2012، وفي ذلك العام كان الرئيس السوري بشار الأسد سحب قواته من المناطق التي يقيم فيها أكراد ليعهد أمنها للمليشيات الكردية.
وكانت حكومة أردوغان أطلقت في نهاية 2012 مفاوضات سلام مع حزب العمال الكردستاني لم تفض حتى الآن إلى نتيجة، وتم استقبال زعيم وحدات حماية الشعب رسميا في أنقرة في إطار مباحثاته مع المعارضة لنظام دمشق.
لكن انعدام الثقة حيال أكراد سوريا لم يتغير، بل إنه ظهر إلى العلن خلال معركة كوباني في خريف العام 2014، فقد انتقد العالم بأسره رفض تركيا مساعدة القوات الكردية المحاصرة من قبل جهاديي تنظيم الدولة، وتسبب باضطرابات عنيفة في جنوب شرق تركيا.
وحاول رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم طمأنة أنقرة حول نواياه بالتأكيد على أن قواته ستنسحب من تل أبيض فور استتباب الأمن والسلام فيها.
وقال في حديث نشرته الأربعاء صحيفة حرييت التركية "على تركيا ألا تقلق"، وتساءل "شعبنا يقيم على جانبي الحدود، كيف يمكننا معاداة شعبنا؟".
ووصف نهاد علي أوزكان الخبير في مركز تيباف للدراسات في أنقرة أولا الطموحات الكردية في شمال سوريا بأنها "انتقام لسياسة التعريب التي انتهجها النظام السوري في ستينات القرن الماضي".
لكنه لم يخف المخاطر على أنقرة، وقال أوزكان "ما يحصل مع تنظيم الدولة يخفي نزاعا أتنيا قد تصل أبعاده إلى تركيا".