أصدرت
وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا تقريرها السنوي حول
الإرهاب في دول العالم، وقد سلط
التقرير الضوء على التحول من تركيز الجهود العالمية على محاربة تنظيم القاعدة إلى محاربة
تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
فقد جاء في التقرير الذي كتبه مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن ماثيو ليفيت، أن "العام 2014 شهد تحولا نموذجيا في طبيعة التهديد الإرهابي، تَمثل بتنامي ما يعرف بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
كما رأى التقرير أن تنظيم «القاعدة» وجماعات أخرى ما زالت تشكل تهديدات فعلية، كما أن أنشطة المقاتلين الشيعة على غرار «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله» والمليشيات الشيعية العراقية آخذة في التزايد، ولكن التهديد الناجم عن تنظيم «الدولة الإسلامية» مختلف تمام الاختلاف.
ولفت كاتب التقرير إلى أنه "في السنوات الماضية، ركزت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على هزيمة تنظيم «القاعدة». وفي حين يبقى التنظيم الذي نفذ اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر يشكل تهديدا، إلا أنه يعتمد بشكل أساسي على أتباعه الإقليميين -لاسيما تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» و «جماعة خراسان» في سوريا- وبشكل متزايد على أفراد يجدون في عقيدة التنظيم وحيا لهم، ولكنهم يتصرفون بصورة مستقلة، ودون توجيه خارجي من قادة تنظيم «القاعدة».
واليوم، تصدر التهديدات الإرهابية الأكثر خطورة بشكل أساسي عن تنظيم «الدولة الإسلامية»، كونه المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي الذي يثير لهب التطرف.
وإذا ألقينا نظرة على محتويات تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب، نجد أن "الفصل الأول من التقرير يقدم تقييما استراتيجيا، ويقر في مقدمته بأن "الاتجاهات البارزة في الإرهاب العالمي في عام 2014 تضمنت استحواذا غير مسبوق لـ تنظيم «داعش» على أراضي في العراق وسوريا، واستمرار تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتزايد المتطرفين العنيفين الذين يعملون على أساس منفرد في الغرب".
وشهد العام ذاته، بدء تنظيم «داعش» بـ "توطيد علاقاته مع أتباع محتملين خارج العراق وسوريا"، بمن فيهم جماعات مثل «أنصار الشريعة في درنة» - ليبيا، وجماعة «أنصار بيت المقدس» في شبه جزيرة سيناء المصرية، التي عُرفت فيما بعد باسم «ولاية سيناء» التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية».
وأشار التقرير إلى "ثلاثة عناصر أدت إلى التنامي السريع لـ تنظيم «داعش» أولها:
تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية»
يستقي تنظيم «داعش» معظم قوته من أمواله الهائلة. فقد جمع التنظيم مبالغ طائلة من الأموال من خلال نظام تمويل معقد ومتنوع، يبدأ من منظمات "واجهة" تعمل تحت غطاء مؤسسات خيرية، ليصل إلى عمليات بيع النفط في السوق السوداء، وفرض ضرائب على سائقي الشاحنات المحليين وأصحاب الأعمال وموظفي الحكومة السابقين.
ولسوء الحظ، تنبثق غالبية إيرادات الجماعة من موارد محصنة بمعظمها من التدابير التقليدية المعتمدة لمحاربة تمويل الإرهاب. على سبيل المثال، كان تنظيم «القاعدة» يعوّل بشدة على مانحين أثرياء في الخليج، ما جعله عرضة لإجراءات وزارة الخارجية الأمريكية المتخذة من خلال الأنظمة المصرفية الرسمية.
في المقابل، يجمع تنظيم «الدولة الإسلامية» الجزء الأكبر من أمواله من داخل الأراضي الخاضعة لسيطرته. فمن الصعب استهداف العائدات من الأراضي المحلية عن طريق أنشطة متنوعة مثل الابتزاز والجريمة و"فرض ضرائب" على السكان المحليين، وبطبيعة الحال، بيع النفط والقطع الأثرية، بعقوبات أكثر بكثير من الإيرادات الأخرى.
كما وسع تنظيم «داعش» إلى حد كبير قاعدة إيراداته، عبر "استيلائه على أراضي في العراق وسوريا على نحو غير مسبوق". وقد حقق أعظم مكسب مفاجئ له على الأرجح من خلال استيلائه على الموصل في حزيران/ يونيو 2014، الأمر الذي سمح له بنهب المصارف بحرية وفرض ضرائب على العمليات التجارية وابتزاز السكان.
وفي حين من المستحيل معرفة الأرقام الدقيقة، تقدّر وزارة الخارجية الأمريكية أن "تنظيم «الدولة الإسلامية» قد حصل ما يصل إلى عدة ملايين من الدولارات شهريا بواسطة شبكات الابتزاز المتنوعة والنشاط الإجرامي في الأراضي التي نشط فيها".
ولكن الضربات الجوية التي شنها التحالف ضد تنظيم «داعش» في وقت لاحق من العام الماضي ساهمت في الحد من الإيرادات الناتجة عن تهريب النفط. كما نجح أعضاء التحالف باستعادة جزء كبير من البنية التحتية الخاصة بالطاقة، التي كانت قد وقعت تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، مثل "المصافي المكونة من وحدات تجميعية وخزانات البترول ومراكز تجميع النفط الخام".
وذكر التقرير أن العنصر الثاني الذي أدى إلى التنامي السريع لتنظيم الدولة هم:
المقاتلون الأجانب
فقال التقرير: "إن ظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة، إذ برزت في جميع الصراعات الحديثة الكبرى التي شملت جماعات جهادية. ومع ذلك، عرف النزاع السوري مشاركة المقاتلين الأجانب بصورة لم يسبق لها مثيل.
وقد أشارت التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في دول العالم إلى هذه الظاهرة في السنوات السابقة، وركزت إلى حد كبير على المقاتلين الأجانب من أوروبا. وأشار تقرير عام 2013 إلى أن أعدادا كبيرة من الأوروبيين توجهت إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف «جبهة النصرة» و تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويوسع تقرير عام 2014 عما نُشر في تقرير عام 2013 من خلال شرح الدور الهام الذي يضطلع به المقاتلون الأجانب في عمليات تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وانتشار هذه الظاهرة فيما يتخطى المجتمعات المسلمة في أوروبا وإلى المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم من خلال المجنِّدين المحليين واستراتيجية وسائل الإعلام الاجتماعية الفعالة التي يستعملها تنظيم «الدولة الإسلامية».
لقد لعبت ظاهرة عدد المقاتلين الأجانب الآخذة في الازدياد دورا فعالا في نمو تنظيم «الدولة الإسلامية». ففي أعقاب كل انتصار، كان تنظيم «داعش» يتّبع استراتيجية متطورة للغاية قائمة على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الترويج لوحشيته وإثبات قدرته على العمل كحكومة فعالة.
ساعدت هذه الاستراتيجية تنظيم «الدولة الإسلامية» على استقطاب آلاف المجنَّدين الأجانب المحتملين في بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم. فهذا الخط من إمداد المقاتلين الذي لا ينتهي -على ما يبدو- قد سمح له باكتساب قوة هائلة وتهديد دول بعيدة خارج منطقة النزاع.
ويُقدَّر عدد المقاتلين الإجمالي في تنظيم «الدولة الإسلامية» ما بين 20 ألف و 31 ألف مقاتل، ويُعتقد أن الأجانب يشكلون عددا كبيرا من هذه القوات. وفي حين ساهمت بعض الجهود الرامية إلى محاربة مجنَّدين محتملين من المقاتلين الأجانب بتقليص قدرة تنظيم «داعش» على المحافظة على مجمل قواه المحاربة، إلا أن الظاهرة لا تزال واسعة الانتشار.
أما العنصر الثالث الذي ساهم في انتشار تنظيم الدولة، فكان حسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية:
مكافحة الإيديولوجيا
حيث أكد التقرير أن "الأيديولوجية المتطرفة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وتبنيه للعنف الهمجي مكّنت بسرعة من جذب انتباه الملايين من جميع أنحاء العالم. فقدرة «داعش» على تطويع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال لنشر أفكاره، وإعادة نشرها بصورة شبه فورية، شكلت عاملا أساسيا في نجاحه، ما يفسر الأهمية القصوى التي توليها الجماعة لهذه الوسائل. وردا على ذلك، شرعت حكومات في جميع أنحاء العالم في إنفاذ تدابير صارمة لمكافحة التطرف العنيف الذي يمارسه تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين حققت هذه الجهود بعض النجاح، إلا أن تأثيرها بقي محدودا حتى الآن نظرا لطابعها الجديد نسبيا.
وتشير وزارة الخارجية الأمريكية إلى الطرق التي تعتمدها دول مختلفة لمكافحة عقيدة تنظيم «الدولة الإسلامية». فقد أعلن الملك الأردني عبدالله الثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 أن على الأردن محاربة الإرهاب والتطرف لحماية نفسه كأمة ولحماية الإسلام المعتدل الذي يضم الغالبية العظمى من مسلمي العالم. وأدلى قادة عرب آخرون ببيانات مماثلة.
ومن جهتها، قامت حكومات أوروبية بإصدار قوانين لمواجهة خطابات «داعش». فقد حظرت النمسا، على سبيل المثال، استخدام وتوزيع رموز تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة» والجماعات الأخرى المرتبطة بهما، في خطوة تهدف إلى منع مجنَّدين محتملين من الوصول إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات المتطرفة الأخرى والتماهي معهم.
وأنهى الكاتب تقريره بخلاصة حول الموضوع قال فيها : "أدت استراتيجية «داعش» المخططة بشكل منهجي إلى تناميه السريع. وعلى الرغم من الجهود المتزايدة الرامية إلى مكافحة هذا التنظيم المتطرف، ما زالت هذه الاستراتيجية تُثبت نجاحها. فنظام التمويل المعقد والمتنوع الذي تعتمده الجماعة، والتجنيد الفعال للمقاتلين الأجانب، وقدرة التنظيم على نشر أيديولوجيته، جميعها عوامل أدّت إلى تسهيل توسعه انطلاقا من قاعدته الصغرى في شمال سوريا إلى شبه دولة تمتد على مساحات كاملة في شمال سوريا وشمال العراق، تضم الملايين من الناس وعشرات الآلاف من المقاتلين".
ونوه التقرير إلى أنه "بفضل تعاظم الجهود العالمية التي تسعى إلى مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لم تعد قدرة الجماعة على إحراز المزيد من التوسع مؤكدة. ويبدو أن تنظيم «داعش» قد بلغ أقصى حدوده الجغرافية والديموغرافية في العراق وسوريا، وبالتالي فهو يقوم اليوم بالتفرع عبر إنشاء مجموعات منشقة في أماكن مثل ليبيا واليمن.
وعلى الرغم من أن التوسع الكبير عبر احتلال الأراضي خارج العراق وسوريا أثبت حتى الآن أنه بعيد المنال، وبالرغم من أن عام 2014 شهد انطلاق الجهود العالمية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، يبدو أن العناصر التي أدت إلى تنامي التنظيم السريع ستبقيه راسخا في معاقله في المستقبل القريب".