لا أجد تفسيرا للاعتراف الذي تطوع به شاويش الانقلاب بالأمس بارتكابه للمجازر في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري وغيرها، سوى ذلك المزيج من العقد والكراكيب النفسية التي تحتشد بها نفسيته المريضة.
بتعبيرات وجهه التي تشف عن التلذذ بالقتل وفي لهجة أرادها حازمة، فجاءت رغماً عنه مريضة مقززة اعترف بجرائمه، وهو ما ذكرني بحشد من المشاهد التي تحفل بها السينما
المصرية للبلطجي الذي يرفع سلاحاً على الناس.
وبالطبع لم تعرض كلمته كاملة، فجهازه الإعلامي أصبح يتحاشى تلك الموجات من السخرية التي تعقب ادلاءه بأي تصريحات، وبالطبع خضعت تلك الكلمة للمونتاج المضني حتى تظهر بشكل مفهوم.
ولكن ما هو أخطر من ذلك الاعتراف، رأيت تلك الحالة من (الدهولة الذهنية) التي ظهرت على وجهه، رأيت اليأس مرتسماً على ملامحه القبيحة، رأيت وجهاً مسوداً اقترب صاحبه كثيراً من مرحلة ارتداء الطاسة التيفال على رأسه والقميص ذي الأزرار الخلفية، رأيت وجه فأر تحاصره النار من كل الاتجاهات ولا يدري ما يُفْعَلُ به.
لم يخرجه عن شعوره ويدفعه لـ (الدلدقة
الرمضانية) سوى صمود الثوار الملحمي في الشوارع من بعد الانقلاب وإلى الآن، وهي نعمة جديرة بأن نحمد الله عليها، لقد كاد ذلك الشاويش في كلمته بالأمس يشق ملابسه ويقفز فوق الموائد متوسلاً للثوار، مقبلاً أحذيتهم ليوقفوا تظاهراتهم، وهو يحسب اعترافه هذا تهديداً للثوار، وهو ما قصده بجملته (عايزين تعيشوا معانا في سلام أهلاً وسهلا).
ولن أمل أبداً من تكرار ذلك، المظاهرات هي أشد سلاح على الانقلاب، واستمرارها يهدر محاولاته في إشاعة حالة الاستقرار الزائف التي يريد أن يوهم بها الشعب، ولذلك فيجب أن تستمر المظاهرات ولا تنقطع أبدا.
رسالة التهديد كانت واضحة، ولكن الرسالة المبطنة التي أعتقد أنه وجهها لقادة تحالف دعم الشرعية وفي القلب منهم
الإخوان المسلمين، هي التبجح بدعم البنتاجون له وهو أخطر ما جاء في كلمته المتلعثمة فقد قال:
"اوعى تتصور إننا ممكن نزهق ولو بعد 10 سنين كمان، محدش يقدر يقهر إرادة الماسريين بالعنف أو الترويع، انت مش واخد بالك إنك مش ممكن تكون أقوى من القرار اللي خدناه في 30 يونيو من سنتين".
وهو هنا يشير إلى ما يقوم به الثوار من محاصرة الانقلاب دولياً، ومن الواضح أنه انزعج بشدة مما قامت به الثائرة الجميلة فجر العادلي التي أفسدت عليه زيارته لألمانيا، وأنه يخشى من تكرار الأمر نفسه في بريطانيا، وهو حتماً لا يقصد بالقرار الذي يتحدث عنه الجيش، فهو يعلم أن جيشه أهون وأضعف من أن يحمي انقلاباً، وإنما هو يقول صراحة للمعسكر الرافض للانقلاب أن ظهره محمي بالبنتاغون وأن الغرب يسانده ولديه بالطبع كل الحق في ذلك، فهو وكل اعضاء عصابة الـ 19 لم يكونوا ليجرؤوا على تحريك جندي واحد، دون استئذان أولياء أمرهم في البنتاجون واستعطاف أصغر عامل بوفيه في الموساد.
الاعتراف الذي تطوع به يكشف أننا أمام حالة من التعفن النفسي التي يصل إليها أي قاتل سافك للدماء، وتبجحه بدعم الغرب له لا يعني سوى أن روحه وصلت للحلقوم، ويريد وقف المظاهرات والتحركات السياسية والثورية الرافضة للانقلاب، وهو ما لن يناله إن شاء الله حتى ينتهي الانقلاب وتتم محاكمته.
الجانب المضيء فيما قاله، هو أنه من الممكن استثماره جيدا بالطرق القانونية الدولية، فيمكن للفريق القانوني الذي يتولى مسؤولية القضايا في بريطانيا، أن يقدم اعترافه هذا للمحاكم البريطانية لإثبات تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإحكام الحبل حول رقبته.