ثلاثة حوادث
إرهابية دامية ضربت أماكن متعددة من العالم في يوم واحد. يوم الجمعة الماضي استطاع تنظيم
داعش أن يدمي ثلاث قارات كما بدا الأمر في
التفجير الذي ضرب مسجدا في العاصمة الكويتية وقضى فيه 27 ضحية، كما شهدت شواطئ مدينة سوسة التونسية هجوما بشعا استهدف فيه المهاجمون السياح على شاطئ البحر بالنيران مباشرة قبل أن يتم إلقاء عدد من القنابل على بهو الفندق، ما أوقع 39 ضحية. وفي نفس اليوم تعرض أحد المصانع في جنوب فرنسا لهجوم آخر أسفر عن ذبح رجل على الطريقة الداعشية وجرح آخر.
في المقابل يزداد نفوذ هذا التنظيم الظلامي الذي بات الدولة الكبرى عمليا في المشرق العربي، بعد أن سيطر على نحو نصف مساحة كل من العراق وسورية، وفي الوقت الذي يزداد معدل القتل اليومي في البلدين أخذ العالم بالتطبيع مع هذا القتل، فيما تزداد قدرة التنظيم على المسك بزمام المبادرة الاستراتيجية على الأرض، وتنتشر راياته في 12 دولة على أقل تقدير.
هذه النتيجة بعد مرور عام على إعلان دولة داعش وخلافتها، فالتنظيم ما يزال قادرا على الوصول إلى أي مكان في العالم. والعالم غير جاد في محاربته؛ فالتحالف الدولي الذي أعلن في أيلول 2014 لم يحدث أي فرق حقيقي في المواجهة، والولايات المتحدة لا يوجد لديها استراتيجية حقيقية لمواجهة التنظيم، وتستند إلى تمرير الوقت منذ أن خرج آخر جنودها من العراق عام 2011، الأمر الذي فتح المجال لنخب وزعماء محليين هناك لتنفيذ أجنداتهم الطائفية التي فتحت بدورها الطريق أمام "داعش" لكي يزدهر ويتغلغل.
وعمليا أثبتت المواجهات الأخيرة أن الجيش العراقي غير مؤهل لمواجهة "داعش" على الأرض، وعمليا أيضا بات خارج الحسابات في الأسابيع الأخيرة، وحتى عمليات التدريب والتأهيل لم تعد مجدية بعد ما أنفق على هذه القوات أكثر من 66 مليار دولار منذ الاحتلال الأميركي.
العرب الأَولى بخوض هذه المعركة أيضا غير مستعدين للمواجهة ولا يملكون الإرادة السياسية الموحدة للقيام بهذه المهمة، وعلى الرغم من الإعلانات المتكررة عن القوة العربية المشتركة، فلا جديد يذكر سوى خلق أجندات سياسية واستراتيجية جديدة للفت الانتباه عن خطر هذا التنظيم كما حدث في اليمن.
الأتراك بدورهم ليسوا معنيين بمحاربة هذا التنظيم الذي بات يشاركهم الحدود، وحسب الاستخبارات الأميركية لا يعد محاربة التنظيم أولوية من أولويات الأتراك، في الوقت الذي تتفق العديد من المراجع على أن أكثر من 60 % من المقاتلين الأجانب الذين يتدفقون إلى سورية يأتون عبر تركيا، لذا لا نستغرب أن وصول داعش إلى باب السلامة على الحدود التركية لا يهز النخبة الحاكمة في أنقرة.
لا شك أن منظومة من المصالح الإقليمية والدولية هي سر حياة "داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية، يمكن التحقق من هذا الادعاء اليوم بسهولة؛ فثمة قوى باتت اليوم واضحة تماما لا تريد لهذا التنظيم أن يموت، وتحاول بكل ما لديها أن تمسك بزمام ضبط قوته وهذا الأمر الذي يصعب الرهان عليه.
داعش يسرق العالم، والعالم يقف متفرجا، ولكن الذي لا يأخذه العالم في الحسبان أن هذا التنظيم قد استمرأ اللعبة وبات في يقينه المثل الذي يقول "إن سرقت فاسرق جملا" فاذا استطاع هذا التنظيم أن يرفع راياته في 12 دولة في العام الأول وإذا استطاع أن يداهم ثلاث قارات في يوم واحد فماذا بعد ثلاث سنوات؟!.
(نقلا عن صحيفة الغد الأردنية)