نشرت صحيفة "أهرام أون لاين" الإلكترونية، تقريرا حول
المسلسل الرمضاني "
حارة اليهود" الذي تدور أحداثه بالقاهرة، في أربعينيات القرن الماضي، والذي أثار ضجة كبيرة؛ نتيجة اتهامه بترويج مغالطات تاريخية حول اليهود والإخوان المسلمين في تلك الفترة.
وتحاور الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، مواطنا يهوديا يدعى آلبرت جاك آري (85 عاما)، عاش الحقبة الزمنية التي تناولها المسلسل، ولا يزال يقطن في حارة اليهود بوسط المدينة، في الشقة نفسها التي تزوج فيها والداه وعاشا فيها منذ 1930.
وأفادت أن آلبرت درس في المعهد الفرنسي، وتكلم الفرنسية في البيت، وارتاد قاعات الشاي في وسط المدينة، مثله مثل أي يهودي
مصري يعيش في القاهرة أو ضواحيها "كغاردن سيتي وأون"، مشيرة إلى أن آلبرت وصديقه الشيوعي اليهودي روجر؛ قد انتقلا إلى حارة اليهود في تشرين الأول/أكتوبر من سنة 1947 عندما كانا لا يزالان طالبين في جامعة فؤاد الأول (جامعة مصر، اليوم) للفنون.
ونقلت الصحيفة عن آلبرت قوله إن مسلسل "حارة اليهود" يدلّس الحقيقة، ولم يصوّر بأمانة كيف كانوا يعيشون أو يلبسون في حارة اليهود آنذاك.
واستذكر آلبرت "صدمته الكبرى" لدى زيارته لحارة اليهود للمرة الأولى، حيث كان الفقر المدقع هو الصفة الطاغية على المكان، وكان سكان الحي من الفقراء الأميين الذين لا يكادون يجدون كفاف عيشهم، وكانت صورة الحي بعيدة كل البعد عما يتم الترويج له في مسلسلات رمضان هذه السنة.
وأشارت الصحيفة إلى بعض المغالطات التي انتبه لها آلبرت، من بينها؛ تصوير سكان حارة اليهود على أنهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ويرقصون التانغو، ويقرؤون للكاتب الفرنسي آلبرت كامو، "وكل ذلك غير صحيح" كما يقول آلبرت، ويضيف أنه "من غير الصائب؛ مغالطة المشاهد، وإقناعه بأنه قد تم إجبار اليهود الفقراء على السكن بحي الأقليات، في حين كانت العملية طبيعية".
وأفادت أن الصورة التي يحاول المسلسل نشرها هي أقرب إلى صورة العباسية، أو حي السكاكيني، في متوسط أربعينيات القرن الماضي، حيث كان بالإمكان رؤية عائلات من ديانات مختلفة تتعايش بسلام، وتتمتع بنمط حياة مشابه للذي يتم الترويج له، ولكن كان من الضروري استعمال اسم "حارة اليهود" للفت الأنظار والزيادة في نسب المشاهدة، على حد قولها.
ولفتت الصحيفة النظر إلى اعتقاد آلبرت بأن هناك من يحاول تلميع صورة يهود مصر، ونبذ الفكرة المترسخة في أذهان الجميع بأن "كل يهودي هو خائن وجاسوس"، ولكن هذا لا يخول لكتاب سيناريو المسلسل غض النظر عن واقع تاريخي لا يختلف فيه اثنان، وهو أنه لم يكن يُسمح للجنود المصريين أن يراسلوا حبيباتهم وزوجاتهم اليهوديات حتى لو أسلمن، وذلك خلال حرب 1948، وأكد أنه تم إبعاد مثل هؤلاء الجنود، وحتى الضباط منهم، عن الوظائف الحساسة في الجيش، وتم اعتراض كل الرسائل التابعة لهم.
وقالت إن آلبرت آري مستاء جدا من الخلط بين اليهود والصهاينة في المسلسل، وخاصة أنه ولد يهوديا ثم أسلم في 1960 كي يتزوج من فتاة مسلمة، وكان عضوا في المنظمة المصرية الشيوعية "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو) حيث عمل على محاربة الاعتقاد الراسخ بأن كل يهودي هو صهيوني.
وبحسب الصحيفة؛ فإنه من الخطأ واللامعقول إلقاء كافة المصاعب التي واجهها يهود مصر على عاتق الإخوان المسلمين. ونقلت عن آلبرت قوله إنه بالرغم من حدوث بعض المناوشات بين عدد من الإخوان المسلمين وبين بعض اليهود؛ إلا أنه من العبث أن يتم تصوير تاريخ اليهود في مصر، عقب حرب 1948، بناء على هذه المناوشات.
وأكدت أن موجات هجرة اليهود نحو أوروبا والولايات المتحدة أو "إسرائيل"، بين 1940 و1950، لم تكن نتيجة اضطهاد الإخوان المسلمين لهم، وإنما كانت نتيجة لمشاعر الامتعاض المتفشية في الشعب المصري تجاههم إثر الحرب مع "إسرائيل"، وتخوفا من مصادرة أملاكهم.
وقال آلبرت إن علاقة الإخوان المسلمين بيهود مصر؛ كانت عادية، حيث لم يكونوا أعز الأصحاب، ولا ألد الأعداء، "ولكن هذا التصوير المسيء للإخوان يعود إلى موجة معاداة تنظيمهم التي بدأت في الانتشار منذ سنوات".
وأكد أنه التقى بعدد من قادة الإخوان المسلمين خلال فترة سجنه، في منتصف الخمسينيات، بسبب انتمائه لحركة "حدتو" الشيوعية، مشيرا إلى أن السجانين كانوا يقومون بفصل المعتقلين الشيوعيين عن المعتقلين الإخوان، إلا أنهم كانوا يتجاذبون أطراف الحديث معهم، وينقلون لهم آخر الأخبار التي سمعوها، في أوقات العمل والراحة، باعتبار أنهم كانوا جميعا سجناء سياسيين.
وأضاف آلبرت أن إحدى الذكريات الجميلة التي يحملها معه منذ سنوات النضال؛ هي صداقته مع
محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، الذي التقاه قبل ثورة 1952، حيث كان يرتاد متجر أبيه للملابس الرياضية، وتوطدت صداقتهما خلال عملهما السياسي، وخاصة خلال سجنهما.
وأشار إلى أن عاكف ذو شخصية قوية وودودة في نفس الوقت، ومطلع على كافة المسائل، مضيفا أنه رآه آخر مرة منذ 10 سنوات خلال جنازة حرم القائد اليساري نبيل الهلالي، الذي ما فتئ يدافع عن جماعة الإخوان المسلمين في ظل حكم جمال عبد الناصر، رغم اختلافه المبدئي معهم.
وفي الختام؛ أكد آلبرت آري لـ"أهرام أون لاين"، أن دور الإخوان المسلمين في تاريخ يهود مصر؛ ليس إلا حلقة من سلسلة طويلة من تاريخهم الثري، مضيفا أنه لا يمكن كتابة تاريخ مصر بأمانة "إلا إذا تم التعرض إلى تاريخ اليهود فيها، والحفاظ على معالمه، وحمايته من الدعايات الموجهة".