حينما وصل رجل سعودي إلى
الكويت في الساعات الأولى من الجمعة لتنفيذ أخطر هجوم لتنظيم الدولة في هذا البلد، كانت تنتظره سترة ناسفة، وملابس عربية على النمط الكويتي، ومكان للتحضير، وسيارة وسائق لنقله إلى هدفه.
بشأن ذلك، قال مصدر أمني إن السترة الناسفة كانت قد أُحضِرت من
السعودية قبل ذلك ببضعة أيام، في عملية معقدة تنبئ بأن
تنظيم الدولة أصبح يسيطر الآن على شبكة ذات قدرات واسعة من المتطرفين وخبراء الدعاية والمتعاطفين في شبه الجزيرة العربية.
وقال المصدر الأمني ووسائل الإعلام الكويتية إنه كان بين الذين اتصل بهم فهد سليمان عبد المحسن القباع، حينما حطت الطائرة التي تقله بعد رحلة ليلية مرت خلالها بالبحرين، شخص له صلة عائلية بتنظيم الدولة، وآخر له صلات بهجمات القاعدة في الكويت قبل ذلك بعشرة أعوام.
وبعد ذلك بساعات، سجَّلت كاميرات المراقبة الشاب وهو يدخل مسجد الإمام الصادق، وقد انتفخ جسمه بسبب السترة الناسفة المخبأة تحت ملابسه، وتوقف قليلا ليتأمل الرجال الشيعة الألفين وهم سجود في الصلاة، ثم فجر عبوته.
وكان توقيت دخوله المسجد علامة أخرى على الاهتمام بالتفاصيل والدقائق من جانب الفريق الداعم للهجوم، الذي نسق فيما يبدو الدعاية حول الهجوم.
وكان مقتل 27 شخصا أكثر هجمات مسلحي التنظيم دموية في الكويت، وأشد الهجمات فتكا في أي من الدول الست أعضاء مجلس التعاون
الخليج منذ التفجيرات التي وقعت في الرياض وأودت بحياة 35 شخصا في بداية حملة تنظيم القاعدة في السعودية في أيار/ مايو عام 2003.
وأثار الهجوم المخاوف بشأن عدد الشبان السعوديين الراغبين في السفر لمهاجمة الشيعة في الدول الخليجية الصغيرة وتنفيذ تهديد الدولة بتصعيد العنف في شهر رمضان.
وقال أيمن دين، العضو السابق في تنظيم القاعدة، الذي يدير الآن شركة للاستشارات الأمنية مقرها الخليج، إن خلايا تنظيم الدولة تشكل "خطرا أكثر مرونة" سيكون تعقبها أصعب من تعقب الذين نشرهم تنظيم القاعدة في حملة بين عامي 2003 و2006.
ويرجع هذا في جانب منه إلى انتشار نظم الرسائل المشفرة، وهو ما يمكن المجموعات المتفرقة للمتطرفين من توجيههم من الخارج، أما القاعدة في السعودية في الأعوام 2003-2006 فكانت تدار بشكل مركزي، ولذلك كان من السهل اختراقها.
وكان تفجير الجمعة واحدا من ثلاث هجمات على المدنيين في ثلاث قارات، ولاقت إدانة من شتى أنحاء العالم، وكان الهجومان الآخران في تونس وفرنسا، ووقع بعد مرور عام على اليوم الذي أعلن فيه تنظيم الدولة قيام دولة الخلافة.
ومن بين الهجمات الثلاث، يبدو أن هجوم الكويت كان أكثر الهجمات تنسيقا وتوجيها من قبل شبكة المتشددين، قياسا بسرعة تنظيم الدولة في تأكيد دورها، وربما بصلات الأفراد الذين قيل إن لهم دورا فيه.
وقال مصدر مطلع على التحقيقات الأمريكية في الهجوم إن القباع ينظر إليه على أنه عضو خطير في الفرع السعودي لتنظيم الدولة.
ويفحص المسؤولون الكويتيون لقطات كاميرات المراقبة في مخفر النويصيب الحدودي الذي أُحضِرت من خلاله السترة الناسفة من المملكة.
وبعد ساعات من الهجوم، أعلنت "ولاية نجد" مسؤوليتها، وبعد ذلك بوقت قصير أذيع تسجيل صوتي للقباع بعد مقتله، كما أعلنت ولاية نجد أيضا مسؤوليتها عن تفجيرين لاثنين من مساجد الشيعة في السعودية.
وترسم مقالة، نشرتها صحيفة الحياة السعودية، عن القباع المنحدر من منطقة القصيم في نجد نشرتها صورة لشاب تسرب من الكلية، يدافع وحده عن قضايا المتشددين.
وقالت الحياة، في تقرير لم يمكن التأكد من صحته من مصدر مستقل، إن القباع شارك في مظاهرات تطالب بالإفراج عن أشخاص يشتبه بأنهم متشددون يحتجزهم أمن الدولة، وهي احتجاجات نادرة في المملكة.
وقالت الحياة إن مشاركا آخر في مثل هذه التجمعات هو صالح القشعمي، وهو شاب عمره 20 عاما، مسؤول عن تفجير انتحاري أودى بحياة 21 شخصا في الطائف الشهر الماضي، وللرجلين كليهما أقارب في السجون السعودية متهمون بالإرهاب والتحريض.
وأضافت صحيفة الحياة قولها إن القباع قام بمحاولات فاشلة للسفر للانضمام إلى جماعات متشددة في العراق وسوريا، وفقا لروايات أقاربه الذين تحدثوا إلى الصحيفة، وقالت انه ليس له أصدقاء كثيرون، وكان من عادته قضاء ساعات طوال أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به.
وقالت صحيفة القبس الكويتية الثلاثاء إن خمسة أشخاص يشتبه بتورطهم في الهجوم أحيلوا إلى المدعي العام، مضيفة أن الخمسة اعترفوا بتلقي تمويل من الخارج لشن هجمات على أماكن العبادة.
مخطط تفجير
وقال محام كبير، هو محمد الحميضي، إنه يفهم أنه لم يتم بعد تعيين محام للدفاع عن الذين أحيلوا إلى المدعي العام، وهي خطوة تستغرق عدة أيام.
ولم تحدد الصحف هوية الخمسة، لكنها قالت إن منهم أشخاصا متهمين بالتورط في المؤامرة، في حين قالت السلطات إن بينهم سائق السيارة يابانية الصنع، وقالت وسائل الإعلام الرسمية إن اسمه عبد الرحمن صباح عيدان.
وقالت صحف كويتية إن عيدان عثرت عليه الشرطة فيما بعد في منزل كان مالكه محمد الصغير العنزي قضى عقوبة السجن عن دوره في جماعة مرتبطة بالقاعدة، هي أسود الجزيرة، كانت نشطة في أواسط العقد الأول من القرن الحالي.
وحاول أعضاء تلك الجماعة مهاجمة قواعد عسكرية أمريكية في الكويت، وشاركوا في حوادث إطلاق النار في مدينة الكويت في عام 2005، أسفرت عن مقتل تسعة إسلاميين وأربعة من أفراد الأمن.
وذكرت السلطات اسم صاحب السيارة المستخدمة في التفجير، وهو جراح نمر مجبل غازي، وقال مصدر أمني إن غازي له أخ في تنظيم الدولة في سوريا، وإن التحقيقات تبحث عن أي صلة قد تكون لهذا الشخص بالتفجير.
وواحد من أبرز أعضاء أسود الجزيرة هو محسن الفضلي، الذي أصبح فيما بعد قائد جماعة خراسان، التي قال مسؤولون أمريكيون إنها تعمل مع جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا، وكان مسؤولون أمريكيون قالوا إنهم يعتقدون إن الفضلي نجا من الضربات الجوية الأمريكية على أهداف القاعدة في سوريا في أيلول/ سبتمبر عام 2014.