من النقل والفنادق إلى المال والثقافة.. أصبحت المواقع الإلكترونية المتخصصة ببيع السلع والخدمات تتطور بشكل سريع يقلب المعايير الاجتماعية، ويفتح الباب أمام إرساء نموذج اقتصادي جديد.
فمن مجموعتي "أوبر" و"بلابلاكار" في مجال النقل، و"إير بي أن بي" في مجال الفنادق، و"ديزر" و"سبوتفاي" وديليموشن" في مجال الموسيقى والفيديو، و"كيسكيسبنكبنك" و"لندينغكلوب" في مجال المال، تنشط الشركات الناشئة والمنصات الصغيرة على الإنترنت في مزاحمة المجموعات الفاعلة تقليدا في الاقتصاد.
ويقول بيار جان بنغوزي المتخصص الفرنسي في اقتصاد الإنترنت: "كل ما كان يشكل أركان الاقتصاد التقليدي، من سلاسل إنتاج ثابتة نوعا ما، إلى قنوات التوزيع، إلى نماذج الأسعار الثابتة، كله بات موضع شك بكل أبعاده".
وهذه المجموعات الإلكترونية التي تطرح نفسها وسيطا بين العرض والطلب، سواء في مجال السلع أم الخدمات، تتطور بسرعة كبيرة، ملتفة على القواعد الضريبية ومتجاوزة المعايير الاجتماعية، ومؤدية إلى زعزعة النمط الاقتصادي القديم.
ولوصف هذه الظاهرة، فقد باتت وسائل الإعلام تستخدم عبارة "أوبريزايشن"، نسبة إلى كلمة "أوبر"، اسم أول شركة لسيارات الأجرة عبر
تطبيق هاتفي في العالم، للإشارة إلى الأنشطة الاقتصادية التي باتت ممكنة عبر الإنترنت أو عبر تطبيقات خاصة.
ويقول نيكولا كولين مؤسس
موقع "ذي فاميلي" الاستثماري الرقمي: "هذا التوجه يسير باتجاه واحد لا رجعة فيه. غدا سنرى شركات ناشئة لا تستخدم أي موظف تطيح بشركات كانت رائدة في السوق".
ويتفق معظم الخبراء على ضرورة وجود تشريعات تنظم عمل هذه المنصات الرقمية التي تفلت من الضريبة، ومن الأعباء الاجتماعية، مشكلة تفاوتا مع الشركات العادية يهدد اقتصادات الدول.
ويقول بيار غاتاز رئيس جمعية "ميديف" الفرنسية لأصحاب العمل: "ثمة هجوم ضار على المؤسسات التي كانت تقوم على الريع"، داعيا إلى تطوير التشريعات والقوانين الضريبية بهدف تشجيع الاستثمار.
أما توماس كوترو، الخبير الاقتصادي والمتحدث باسم الحركة الدولية لمواجهة العولمة فيرحب بظهور اقتصاد تعاوني "يجسد قوة التعاون المباشر بين الأفراد والشبكات، بعيدا عن سيطرة البنى الرأسمالية الكبرى"، لكنه في الوقت نفسه يحذر هو أيضا من الوقوع في عجز في الإيرادات الضريبية.
وإزاء هذه المخاطر والظاهرة المتنامية التي تؤدي إلى تشكيل مجموعات كبرى على الإنترنت، تبحث المؤسسات التقليدية عن وسائل للصمود، منها الدمج، بحسب كولين.
لكنه لا يرى في هذه الإجراءات سوى "وسائل تخدير" في الوقت الذي يجري فيه تقييم مجموعات رقمية بمبالغ هائلة.
فقد قيمت مجموعة "أوبر" بخمسين مليار دولار، و"سبوتفاي" المتخصصة بالبث التدفقي للموسيقى بثمانية مليارات و200 مليون دولار، ويبلغ عدد مستخدميها 75 مليون شخص عبر العالم.
ويعلق غونتر أوتينغر المفوض الأوروبي المكلف بالشوؤن الرقمية بأن "قيمة سبعين شركة فرنسية ألمانية في البورصة تعادل قيمة خمس مجموعات رقمية أمريكية".
ويضيف: "الثورة الرقمية سريعة. إذا أرادت المؤسسات أن تواصل عملها بشكل تقليدي فهي ستختفي".