للإسلام – قرآنا وسنة وتراثا – موقف واضح وحاسم في رفض
التكفير، وإدانة الذين يكفرون من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ذلك أن تكفير إنسان ما يعني الحكم على ضميره وقلبه ودخيلة نفسه، وهو حكم خارج عن قدرات الإنسان، لا يملكه إلا مصرف القلوب والمطلع على السرائر - سبحانه وتعالى- .
وفي القرآن الكريم، يقول الله - سبحانه وتعالى -: "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا" (النساء94).
وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام القرطبي (671 هـ، 1273م) – في "الجامع لأحكام القرآن" –: "إن في هذا التوجه الإلهي من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظاهر، لا على القطع وإطلاع السرائر، فالله لم يجعل لعباده غير الحكم بالظاهر".
وفي السنة النبوية، يروي أسامة بن زيد – رضي الله عنه – فيقول: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – في سرية، فصبحنا الحرقات - (مكان) – من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟، قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال – صلى الله عليه وسلم -: أفلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها أم لا؟!، فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ" – رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة والإمام أحمد.
وفي شرح هذا الحديث يقول الإمام النووي (631 – 676 هـ، 1233 – 1277م) – في (شرح صحيح مسلم) -: "إنما كلفت بالعمل الظاهر، وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه".
كذلك روي في الصحيح – عن ثابت بن الضحاك – قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو قتله"، كما ورد في الصحيح – أيضا - قوله صلى الله عليه وسلم – "من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما". وفي تفسير لهذه الأحاديث، يدعو شيخ الإسلام ابن تيمية (661 – 728 هـ، 1263 – 1328م) إلى الامتناع عن تكفير الشخص المعين، حتى ولو ارتكب خطأ، فالتكفير إنما يكون للقول، وليس للقائل، إذ ربما يكون لدى القائل تأويل، حتى ولو كان فاسدا، يقول شيخ الإسلام: "إن تكفير شخص على إيمانه بمجرد الغلط شيء عظيم، وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإن ذلك أعظم من قتله".
وفي كثير من كتب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي (450 – 505 هـ، 1058 – 1111م) تحذير من التكفير، ومن ذلك قوله – في كتاب " الاقتصاد في الاعتماد" -: "إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم".
وفي العصر الحديث، قال إمام المجددين الأستاذ الشيخ محمد عبده (1266- 1323 هـ، 1849 – 1905م): "لقد اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر".
هكذا كان الموقف الإسلامي من التكفير واضحا وحاسما، عبر القرآن الكريم والسنة النبوية، واجتهادات علماء الإسلام على مر تاريخ الحضارة الإسلامية، اللهم إلا نتوءات شاذة، يحتاج علاجها إلى إبراز أصول الإسلام التي اجتمعت على التحذير من التكفير.